.......................................................... هل تعلمون معنى كلمة قطز؟ معناها المقاوم الشرس وهو اسم يقال إن الذى أطلقه على سيف الدين قطز هم التتار بسبب مقاومته العنيفة لهم عندما اختطفوه وباعوه كمملوك ، وهى نقطة فى غاية الأهمية.. فالشخص العنيد المقاوم بطبيعته هو المنتصر فى نهاية المطاف ، بعد ذلك الاختطاف صار قطز المملوك يتنقل من مشتر لمشتر حتى استقر به الحال جندياً من جنود الأمير عز الدين أيبك ثم قائداً لجند أيبك بعد ذلك الى نهاية القصة التى أوصلته الى حكم مصر فى لحظة من تاريخها كانت فيها فى غاية الضعف والتمزق والتأزم السياسى والعسكرى والاقتصادى فكيف استطاع ذلك الرجل أن يجمع كل هذا الشتات فى قوة واحدة يمكنها مواجهة عدو كاسح منطلق فى الأرض كالسيل العرم، وفى زمن يحسب بالأسابيع ..استطاع ذلك عن طريق توحيد تلك الشتات المتعادية المتحاربة من أجل السلطة حول هدف واحد هو وقف زحف التتار ومواجهتهم حيث قال لهم في وضوح : "إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم". فهدأ المتخاصون ورضوا بذلك خصوصاً وأنه وبخلاف الكلام المجرد فقد بذل سيف الدين قطز جهوداً عملية مضنية ليثبت للجميع صدقه وحسن نواياه .. كانت أهم عقبة فى طريق قطز وهو يحاول لملمة البلاد من أجل مواجهة عدو بكل هذه القوة والقسوة هى العقبة المالية فكيف يمكن تجهيز جيش يستطيع الانتصار فى حرب كهذه وخزانة الدولة خاوية ، اقترح قطز أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، لكن هذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون سوى الزكاة، التى لا يدفعها إلا القادر عليها، وبشروط الزكاة المعروفة، أما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في الأحوال الطارئة، ولابدّ من وجود سند شرعي يبيح ذلك. فاستفتى قطز الشيخ العز بن عبد السلام المعروف تاريخياً بسلطان العلماء كان العز بن عبد السلام عالماً حقيقياً شجاعاً قوى الايمان لايخشى فى الحق لومة لائم فأفتى قائلاً : "إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم بشرط أن لا يبقى فى بيت المال شيء وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. "قبل قطز كلام الشيخ ولم يخش رد فعل أمراء المماليك وأثرياء المصريين وأصحاب المصالح الذاتية وبدأ بنفسه, فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك, فانصاع الجميع لأنه بدأ بنفسه وتم تجهيز الجيش كله.ونهاية القصة معروفة حيث انتصرت مصر بقيادة قطز على المغول انتصاراً أدهش التاريخ وتعقبت جيوشها فلولهم فى بلاد الشام فلم تقم لهم قائمة حتى يومنا هذا. هذا الانتصار المبهر يعلمنا الكثير فى لحظة من تاريخ مصر هى فيها أشد ماتكون احتياجاً إلى التوحد خلف هدف يباركه الله الذى لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم هذه القصة تذكرنا بموقف العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبالفرق بينه وبين علماء السلطان الذين يسوغون له مايريد ويؤولون الدين لمصلحته ويشترون الدنيا بالآخرة ..انظروا كيف استرشد الحاكم بعالم حقيقى فأعطاه رشداً حقيقياً أدى إلى صلاح أمر الناس فى الدنيا والآخرة وأعزهم ونصرهم أعظم الانتصار . وانظروا الى علماء السلطان فى يومنا هذا وكيف يفصلون الدين تفصيلاً على مقاس الحاكم الذى لايهمه فى الدنيا غير كرسى الحكم حتى ولو على جثة أمته وعلى حساب مستقبلها ومصيرها ، فكانت النتيجة الحتمية هى الضياع الذى نحن فيه اليوم بعد عقود من تضييع الحق ضيع الله من ضيعه.. انظروا كيف نصر الله يومها من اهتدى بهداه وانظروا أين نحن الآن من ذلك وقد ضاع الحق بيننا ..انظروا الى الحاكم نفسه كيف احتقر السلطة والملك ولم يهتم الا بنصر أمته وعزها فحقق له الله ماأراد انظروا الى المصريين يومها حين اعتصموا بحبل الله وتناسوا أنانياتهم ومصالحهم الشخصية فطهرهم الله تطهيراً جعلهم جديرين بوعده الحق حين قال: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين..ان الذين يتصارعون على السلطة الآن ..الخسران مصيرهم والهزيمة فى انتظارهم ان استمروا على ممارسة اعلاء مصالحم السياسية فوق مصلحة الشعب الذى علق أمانته فى رقابهم فخانوه.