العالم الشيخ العز بن عبد السلام أفتى فى القرن الثالث عشر فقال: “إذا طرق العدو البلاد وجب على الجميع قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا” أما قصة تلك الفتوى فكانت مرتبطة بحدث جلل فى مصر.. فقد كان السلطان المملوكى قطز يستعد لمواجهة التتار.. وواجه صعوبات مالية فى تجهيز الجيش.. وفى تلك الفترة كانت مصر تمر بأزمة اقتصادية طاحنة.. تنهكها الحروب مع جيرانها من الطامعين فى الشام.. والصراعات الداخلية من المماليك وغيرهم فى الداخل.. فاقترح قطز أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، لأن المسلمين وقتها لا يدفعون سوى الزكاة.. ولا يدفعها إلا القادر عليها.. وبشروط الزكاة المعروفة.. أما فرض ضرائب إضافية فوق الزكاة.. فهو أمر يحتاج ظروف خاصة جداً.. بقدر الحاجة لسند شرعي يبيح ذلك.. هنا استفتى قطز العالم الجليل.. وكانت تلك الفتوى التى قبلها قطز ونفذها.. فباع كل ما يملك.. وأمر الوزراء والأمراء بذلك فنفذوا.. وبدأت الرحلة المقدسة لتجهيز الجيش.. حدث ذلك فى مصر قبل 9 قرون.. قبل أن يفتكس نظام المخلوع فكرة التبرع لسداد ديون مصر.. بادر المصريون بالتبرع دون تردد.. طوعا وحبا فى وطن طالما آملوا فى دفعه للأمام.. رغم صعوبة معيشتهم.. وضيق رزقهم.. وغربتهم التى طالت خارج الوطن وداخله.. وبعد مرور سنوات.. أدرك المصريون أين ذهبت تلك الاموال, التى من المؤكد أنها لم تسدد ديون مصر.. حدث ذلك فى تسعينات القرن الماضى.. وقت أن كان المصريون مازالوا لم يدركوا بعد أنهم يملكون طاقة جبارة.. تمكنهم من استعادة وطنهم. أما أن تخرج علينا الآن دعوة للتبرع لدعم الاقتصاد المصرى.. بعد أن عرفنا الكثير عن ثروات مصر.. كيف نزحت إلى الخارج على مدار سنوات طوال.. وكيف صودرت فى الداخل بوضع بعض الأيادى عليها إلى حين.. فهى دعوة مثيرة للسخرية أكثر منها محفزة للعواطف.. مثيرة للسخرية لأنها تحمل ضمنا استهزاء بعقول المصريين بعد الثورة.. بعد أن امتلكوا ناصية المعرفة, حتى ولو لم تكن كاملة, بالأوضاع المالية فى مصر.. فعندما تملك مصر مليارات الدولارات.. مودعة فى أرصدة حفنة من اللصوص على رأسهم المخلوع فى بنوك بالخارج.. وعندما تملك مصر مليارات الدولارات.. مودعة فيما يسمى بالصناديق الخاصة فى بنوك خاصة فى الداخل.. وعندما يحصل القيادات فى كل مكان, دون استثناء, على مليارات الجنيهات سنويا.. دون وجه حق.. تصبح مثل هذه الدعوة استهزاء بعقول المصريين.. لا تستحق سوى السخرية منها. وإذا تحولت الدعوة, من مجرد دعوة تملك الاستجابة لها أو رفضها.. إلى إجبار على التبرع بأجر يوم من كل شهر من راتبك.. بدءا شهر فبراير وحتى شهر يونيو القادم.. فإن الأمر يدخل فى دائرة الوقاحة!! أما إذا رفضت التبرع.. فإنك قد تخضع لإدراج اسمك فى قوائم المغضوب عليهم.. من أعداء الوطن المغرضين.. المأجورين الذين يحملون أجندات خارجية.. ويسعون لتقسيم مصر.. وزعزعة استقرار البلاد والتحريض على الفتنة.. وتهديد السلم الاجتماعى.. وقد تجد نفسك متهما بأنك عضو فى حركة 6 إبريل الجبهة الديمقراطية.. بعد أن تحولت تلك الحركة فى قانون العقوبات إلى جريمة يعاقب عليها القانون!!.. وهنا تصل الدراما لذروتها.. فقد دبجت قوائم فى إحدى الوزارات بالفعل للذين رفضوا التبرع.. تعلم وكيلة الوزارة التى طلبت تلك القوائم أى مصير ينتظرون.. قطز باع ما يملك.. ومعه وزراؤه وقادته قبل 9 قرون.. ليستعد لمواجهة عدو على حدود الوطن.. بينما لم يعلن أى مسئول, ولا حتى الذى أطلق الدعوة, عن قيمة ما تبرع به إذا كان أحدهم قد تبرع.. وهنا يحق لى.. طبقا لفتوى العالم الجليل العز ابن عبد السلام.. أن أعلن رفضى التبرع لدعم اقتصاد تجرى عملية نهبه على قدم وساق حتى الآن.. ورحم الله العالم الجليل.. وبئسا لكل مضلل للبسطاء فى وطنى. [email protected]