المتصفح لتاريخ مصر السياسى الحديث والذى يعده كثير من المؤرخين السياسين انه يبدأ من عهد محمد على باشا , سيلحظ انها قليله تلك الفترات التى مرت على مصر التى شعر فيها المصريين بنسيم الحريه يهب عليهم , والعجيب فى الامر ان هذه الفترات كانت قليله جدا اذا ما قيست بعمر الشعوب , والملاحظ ان هذه الفترات القليله كانت دائما بعد قيام الثورات , واكاد اجزم بانها اربع مرات , الاولى عقب ثورة عرابى سنة 1881 , والثانيه عقب ثورة 1919 , والثالثه عقب ثورة يوليو 1952 , والرابعه بعد ثورة 25 يناير 2011 , لقد استنشق الشعب المصرى لايام او لشهور فقط نسيم وعطر الحريه عقب الثورات الثلاث , والمعروف ان ثورة عرابى كانت غضبه من الجيش ضد الخديو الا ان التاريخ يذكر ان يوم التاسع من سبتمبر عام 1881 زحف عرابى ومعه اربعة الاف رجل من الجيش يرافقهم عدة الاف من الشعب حيث عرض عرابى مطالب الشعب والجيش على الخديوى , والذى اضطر الخديوى للموافقه عليها تحت الضغط الكبير من الجيش والشعب ,ففي السادس و العشرين من شهر ديسمبر عام 1881 تم أفتتاحمجلس الشورى , وفي الخامس من فبراير عام 1882 وبعد أختيارمحمود سامي البارودي لرئاسة الوزارة ، واحمدعرابيلوزارةالحربية تم إصدار أول دستور فى مصر ,وقد قالأحمدلطفى السيد:لعرابى حسنات رضيت عنها الأمة وفرحت بها والحسنةالكبرى هى الدستور , لكن لم ينعم الشعب المصرى بنسيم الحريه طويلا فسرعان ماتأمر الخديوى مع قوى الاستعمار الخارجى والتى تمثلت انذاك فى انجلترا وفرنسا , وحاصرت سفنهما الاسكندريه بدا من يومالخامس عشر من شهر مايو عام 1882 , وظل الامر على هذا الحال حتى احتلال بريطانيا لمصر فىالرابع عشر منشهر سبتمبر عام 1882 , وانتهت افراح المصريين وتحولت الى احزان فى ظل مهانة الهزيمه فى التل الكبير والاحتلال الغاشم . اما ثورة 1919 فقد جاءت في ظل المعاملة القاسية التي كانت بحق المصريين من قبل البريطانيين، والأحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين , أتت هذه الثورة نتيجة مطالبة سعد زغلول بالسماح للوفد المصري بالمشاركه في مؤتمر الصلح في باريس، وعندما رفضت بريطانيا هذه المشاركة واصرار سعد زغلول عليها اضطرت إلى نفيه هو ومحمد محمودوحمد الباسلوإسماعيل صدقى إلى مالطة، فانفجرت الثوره في كل مكان في مصر واشترك فيها الاف المصريين , وكانت أول ثورة تشترك فيها النساء في مصر مطالبين بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه ، فاضطرت السلطات البريطانية إلى الرضوخ للمطلب الشعبي وأفرجت عن سعد زغلول ورفاقه , اضطرت إنجلترا الي عزل الحاكم البريطاني وافرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفي إلي مصر, وسمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ، ليعرض عليه قضية استقلال مصر. وبالطبع لم يستجب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس لمطالب الوفد المصري فعاد المصريون إلي الثورة وازداد حماسهم، وقاطع الشعب البضائع الإنجليزية ، فألقي الإنجليز القبض علي سعد زغلول مرة أخرى، ونفوه مرة أخرى إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندي، فازدادت الثورة اشتعالا، وحاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة، ولكنها فشلت , فاضطرت إنجلترابسبب اشتعال الثورة إعطاء مصر بعض حقوقها والتى تمثلت فى : 1. اصدار تصريح 28فبراير 1922 الذي نص على الغاء الحماية البريطانية عن مصر و اعلان مصر دولة مستقلة 2. صدور دستور 1923 3. تشكيل أول وزارة وطنيه منذ احتلال 1882 برئاسة سعد زغلول 1924 4. الافراج عن كل المسجونين السياسين واستفاد أصحاب المصالح من وجود نظام برلماني ودستور سمح لهم بالاستئثار بالسلطة التشريعية لكي يضمنوا حماية مصالحهم علي حساب مصالح الآخرين.ولقد ظلت قوي الثورة المضادة لثورة 1919 تعمل في الخفاء والعلن ما استطاعت إلي ذلك سبيلا للحفاظ علي الأوضاع الاجتماعية ، فكانت تحول دون أن يحقق العمال مطالبهم في إنشاء نقابات تحمي مصالحهم ، ومن دلائل مواقف تلك الثورة المضادة الحيلولة دون قيام المظاهرات ضد الحكم والتعامل مع المتظاهرين بأقصي درجات العنف , وقد استطاعت الثوره المضاده المتمثله فى القصر والانجليز والاقطاعيين التغلب على قوى الثوره وتحويل كل مكتساباتها الى الحفظ على ارفف التاريخ فنشرت الفساد المالى والادارى والاجتماعى , ومن نماذج استخدام أقصي درجات العنف قيام السلطات بفتح كوبري عباس (الجيزة) علي المتظاهرين في 1935 و1946 لمنعهم من الوصول إلي البرلمان أو مقر الحكومة أو قصر عابدين ، وحتي لا ينقلب المجتمع رأسا علي عقب ويحصل الفقراء علي حقوقهم , وايضا لم ينعم الشعب المصرى بنسيم الديمقراطيه الا قليلا . اما المره الثالثه فكانت مع بزوغ شمس 23 يوليو 1952 وقيام الجيش بالاستيلاء على الحكم ونفى الملك وهدم الحياه السياسيه وتغيير الحياه الاجتماعيه للشعب المصرى , وتعهده للمصريين باعادة الحياه الديمقراطيه للشعب وكانت البدايه مع تعديل دستور 1923 فى اوائل عام 1953 , ثم حدثت بعض الاحداث مرجعها الى ما سمى بالثوره المضاده كان من نتائجها عزل وتحديد اقامة اللواء محمد نجيب وانقلاب الجيش على الديموقراطيه ورفضه العوده الى الثكنات واستمراره بالحياه المدنيه حتى عام 2011 . والملاحظ فى هذا العرض ان الثوره الاولى ضمت الشعب والجيش اما الثوره الثانيه فكانت ثوره شعبيه بصوره كامله اما الثوره الثالثه فكانت ثوره قام بها الجيش منفردا , رغم اشتداد المعارضه الشعبيه فى مقاومة الفساد الا ان الشعب لم يشارك فى الثوره وانما خرج يؤيدها بعد نجاحها. اما الثوره الرابعه وهى ثورة 25 يناير فقد كانت ثوره شعبيه مائه بالمائه , تدخل الجيش " مقتنعا او مضطرا " لحمايتها , لكن جحافل الثوره المضاده التى اجهضت الثورات الثلاث تحاول ان تلف زراعها حول رقبة الثوره بقصد اغتيالها , وللاسف يشارك الكل فى مساعدة الثوره المضاده : السياسيون باختلافاتهم الايدلوجيه الكبيره وحربهم الضروس فيما بينهم , والفئوين على اختلاف توجهاتهم و مطالبهم , واصحاب المصالح بنزعاتهم الانانيه , والجهله منا الذين يحاولون الثأر من قوى الامن تاركين المستقبل ومتوجهين الى الماضى , او فاتحين جروحا ناكأه من الفتنه الوطنيه او الحزبيه او القبليه , والقوى المتحكمه فى مقاليد الامور بايديهم وقراراتهم الرخوة حينا والخاطئه حينا اخر, وعدم جديتهم فى الاسراع بالاصلاح وانما يسيرون بالاصلاح على ظهر سلحفاه , والاعلا م النافخ فى الرماد غير عابئا بما يشعله من نار تمسك بتلابيب الوطن والمواطن , انها احزان الديموقراطيه المصريه , احزان الشهداء , واحزان زويهم على ماتتجه اليه الحياه فى مصر , ولانملك حيال ذلك كله الا الدعاء " ربنا اجعل هذا البلد امنا مطمئنا" * خبير تنمية بشرية فى الجامعة العربية