بَعدمَا عَلتْ المشايخ المنابرَ، وألقتْ الخطبَ والدروسْ ووعظت الناس دونما أدني تغير في النفوس! صار البعضُ للقيم والأخلاق والمبادئ الدينية يدوس، لا فرق عنده بين صعود القمم، وانحدار القيم نحو الفلوس. لأجل ذلك ينحني لأي رئيس أو مرؤوس، طالما الثمن مقدر ومدروس، ولا مانع لديه من كثرة المجاملة في زمن المقاولة. وعلية أن يكثر من المحاولة ، ولا ييئس من المداولة، وهذا ليس بغريب في مثل هذا الوضع الغريب والمريب في آن واحد . فأنه في زمن المصالح يضيع الصالح ويبقي الطالح ! وفي زمن الرشاوى..الوضع مأساوي ، والعابث يذبح ويداوي، ويتقاضي ليملأ القلب الخاوي، ويظهر للناس وكأنه المصلح وليس الحاوي، وإذا ما رمقته بعينك قال بلغة الأديب..هكذا الوضع يا مفتي الفتاوى، فهل لديك من فتاوى ؟ ولاغرو ولا عجب في ذلك .. فكم من مصالح... ما قضيت دون الرشاوى. وكم من عفيف عصفت به الرياح ، لكنها عصفت ولا تدري أنها عصفت به نحو العُلا ليزداد نوراً ولألئ. وكم من مِعَدٍ جاعت لِحِلٍ ما وجدته، وكم من نفوس رضيت وقنعت لفرجِ يلُوح في الأفق كما يلوح في وجه الدنيا الصباح وكأنها تتطهر من الخطايا.. لكن الفرج قريب .. أتى ). وكم من نقودٍ حرامِ جُمعت، وكم من أخلاق فقدت وخطايا ارتكبت من أناس يعربدون في بلاد الخلق ونسوا وتناسوا أنهم يعربدون في الأحشاء، يقطعون الأمعاء، ولا رجاء في الشفاء فقد كانت هي الداء دون الدواء! ولما لا وقد اعتبروها مسرحاً جميلاً للعبث. أو ربما رواية عبثية من روايات صامويل بكت العبثية. فأعدوا العُدَدْ وأقسموا جَهدَ أيمانهم ألا يتركوا جميلاً إلا وشوهوه، واخضرا إلا واحرقوه، ومصالح تخدم الناس إلا وخربوها أو ناقة إلا وعقروها، حتى كدنا نخاف علي أولادنا وعلي أنفسنا من الخضرة الجميلة مخافة الثعابين السُم المختبئة في الهديل فيصيبك الويل والوعيد .. في زمن العويل . لذا أفقدوا القيم حلاوتها وطلاوتها وأفقدوا الجوهر لمحتواه والرمز لجماله ومعناه. وقسموا الناس إلي شطرين كأبيات القصيد فالشطر الذي يجاريهم فهو معهم، والآخر الذي يستنكر ما يفعلون يقفون له بالمرصاد وبالحقد والكراهية مرة وبالتشهير مرة والويل والوعيد مرات أُخر ، وهنا تظهر تصفية الحسابات الوهمية والحقيقية علي حد سواء ويضيع بينهم من يريد أن تصل إليه الخدمة فلا يجدها! وما ذنب البقية الأخرى من الناس وهم يتحملون تصفية الحسابات ودفع الفواتير المؤجلة وترك القلة العابثة تعبث بمقدراتهم ومن يحميهم ويحمينا من شرورهم، وهم لا يخافون الله بعدما نسوا اليوم الذي لا ينفع فيه إلا العمل الصالح.. إننا مازلنا نتألم ومعنا جمع غفير من مثل هؤلاء الذين لا يعرفون الأخلاق ولا لديهم أدني وازع من دين ، لذا فوضنا أمرنا لله فيهم بعد أن نصبوا لنا الفخاخ وهم يعلمون أنهم يبيعون لنا الأشياء وهي تحوي الخداع بداخلها ولا نعلمه ،ناقصة الأمتار بها خلافات مع الجار وهروب من الخزي والعار ويستميلون الشهود بالإغداق عليهم بالمال والمصالح والوظائف ليغيروا شهادتهم .