ربما تأخر موعد تلك الكتابة قليلا.. لكن عزائى الوحيد فى ذلك أن من أكتب عنه لا يحتاج لمناسبة أو لمبرر للكتابة عنه.. فحين تكتب أو تتحدث عن محمد منير فأنت بالضرورة تتحدث عنك وعنى وعنا.. عن كل شيء مصرى بداخلنا.. ببساطة متناهية فإن منير هو الصوت الأشبه بنا.. حين تسمعه أنت بالتالى تنصت لما بداخلك.. لضميرك.. لصوت أحاسيسك.. هو يغنيك ويغنى تراب الأرض، يستطيع ترجمة أحزاننا دون جهد أو تكلف، حتى أصبحت لدينا قناعة بأنه يعيش الأحزان نفسها.. ويستطيع أيضا أن ينقل فرحتنا إلى المقام الخماسى المتمازج مع موسيقى الجاز..منير حين غنى أغنية «إزاي» مع قيام الثورة، اعتبر الثوار تلك الأغنية نشيدا ثوريا لهم كما اعتبر طلاب الحركة الطلابية فى سبعينيات القرن الماضى قصيدة أمل دنقل الشهيرة «الكعكة الحجرية» بيانا لحركتهم الرافضة..
والمتابع لمشوار منير سيكتشف أن نغمة الرفض هى السائدة فى أغنياته منذ صدور أول ألبوماته «علمونى عنيكي» حتى الآن.. وأكبر دليل على ذلك أنك ستجد أغلب أغانيه تتماشى وتعبر عن الثورة.. لأنه أدرك أن قيمة الإبداع فى إدهاشه.. والإدهاش لا يتأتى إلا إذا كان الإبداع قائما على الرفض والتمرد.. فكان ذلك ملتصقا به وجعله مغايرا.
حتى فى أدائه لأغنياته فإنه يستعصى على التصنيف.. يسمو فوق روتين الإتيكيت ليقدم لنا حالة تصنعها النغمات ليس له دخل فيها.. فهو حين يؤدى أغنياته على المسرح تشعر وكأنه مريد فى حضرة ذكر.. يطفو بمفرداته وجمله الموسيقية فوق الحدث، ليحقق بذلك حضورا خاصا به.
ما يميز منير أيضاً هو أنه ليس كباقى المطربين.. فلم يخرج بالشكل المتعارف عليه الآن، لكنه كان يدرك كيف يترك أثراً مع كل خطوة يخطوها.. مع كل أغنية يغنيها.. لذا فإنه أصبح أشبه بالحالة الغنائية المتفردة والتى أضلاعها الكلمة.. وهى الأساس لديه ثم الموسيقي.. وصوته.
نستطيع القول إن منير هو الملك الوحيد الذى لا يخاف ثورات الربيع العربي.. ففى الوقت الذى يتساقط فيه الملوك والرؤساء تحت أقدام شعوبهم يرسخ هو سلطانه فى قلوب هذه الشعوب حتى بات ملكا متوجا لا يخاف على اهتزاز عرشه.
لتلك المقدمات ولغيرها استحق منير أن يتعدى وصفه بمطرب النخبة.. أى الفئة المثقفة ليحصد ألقابا عديدة أطلقها عليه جمهوره من كل فئات المجتمع حسب ما يتناسب مع كل فئة ومقتضى حالها.. مثل الملك، وبوب مارلى الشرق، وصوت الثورة المصرية، وغيرها من الألقاب التى تطلق عليه أينما ذهب.
ربما حزن جمهوره لمسألة تسريب أغنياته فى الفترة الأخيرة، وكان الأمر بالفعل قاسيا ومجحفا لمجموعة عمل كبيرة، ورغم فداحة الأمر الذى أضر بمجهوده طوال السنوات الماضية إلا أننى أعترف أنه رغما عنى وجدت نفسى متلبسا بالفرح، لأن صوت منير سيتدفق إلى بأغان جديدة، أغان نحن فى حاجة إليها ربما وجدنا فيها فرارا مما يحدث الآن، أو حتى تذكرنا بأننا ما زلنا قادرين على الإستمتاع بالفن.
ولا يسعنى إلا الثناء على رابطات «محبى منير» الذين اتخذوا قرارا فيما بينهم بمقاطعة سماع تلك الأغاني، والانتظار لسماعها فى سياق ألبومه، وكنت أتمنى لو أننى حذوت حذوهم لكننى بصراحة متناهية لم استطع ذلك.