عدد كبير من المطربين العرب والمصريين صار لديهم أشرطة باللهجة والأرتام الخليجية.. عندما تسألهم يؤكدون أنهم يفضلون هذا اللون الغنائي إلا أن الملحوظة هي أن تلك الأغاني لا تُسمع في العادة ولا تباع إلا في الدول الخليجية؟! لم يكن يفعل ذلك مطربو الجيل القديم لو عدت للأرشيف سوف تعثر على تسجيل يتيم لعبد الحليم لأغنية كويتية يذيعه أحياناً التليفزيون المصري بالأبيض والأسود ستجد فيه "عبد الحليم" يرتدي الدشداشة والعقال مردداً "يا هلى يا هلى.. يكفى ملامة والعتاب".. كان حدثاً له أسبابه لارتباطه ببداية إنشاء التليفزيون الكويتي في منتصف الستينيات من القرن الماضي وفي تلك الأثناء كانت المشاعر العربية في أوجها وكانت مصر دائماً في طليعة الصف ولهذا كان ينبغي لعبد الحليم باعتباره مطرب العالم العربي الأول أن يغني في هذا الاحتفال الرسمي والحقيقة أن "عبد الحليم" لم يغني فقط "يا هلى يا هلى" بل سجل ثلاثة أغنيات الأغنيتين الأخرتين لم يحققا أي نجاح جماهيري في مصر هما "يا فرحة السمار" ، "عيني ضناها السهر" ولم تكن هذه هي فقط الأغنيات التي رددها "عبد الحليم حافظ" باللهجة الخليجية فلقد سبق له وأن غنى العديد من الأغنيات التي لم تسجل جماهيرياً في أجهزة الإعلام لارتباطها بمناسبات عائلية لبعض الأسر في الخليج وكانت تقدم فقط في جلسات خاصة وليس "عبد الحليم حافظ" فقط هو الذي فعل ذلك هناك أغنيات خاصة في مناسبات عائلية قدمها أيضاً "عبد الوهاب" و "صباح" و "وردة" وغيرهم باللهجة الخليجية في حفلات زواج وأعياد الميلاد ولم تظهر للعلن إلا عندما حاولت شركة صوت الفن استثمار عدد منها بعد رحيل "عبد الحليم" حيث أن الراحل "مجدي العمروسي" شريك "عبد الحليم" و "عبد الوهاب" في شركة "صوت الفن" قرر في كل ذكرى لعبد الحليم بعد رحيله عام 77 أن يقدم للجمهور في كل مرة واحدة من أغنياته وكثيراً ما انتقدت أسلوب تسجيل هذه الأغاني عبر أشرطة لأن "عبد الحليم" لم يكن يريد غنائها إلا للمجاملة فقط فهو لم يقدمها لطرحها على أشرطة سواء في مصر أو الخليج.. هذا ما كان يجري في الماضي أما الذي يجري حالياً في السوق الغنائي العربي فإنه لا يمكن مقارنته بما كان يحدث في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وللتاريخ فإن الفنانة الوحيدة التي رفضت تماماً أن تقدم أي أغنيات خاصة مهما كانت الإغراءات المادية فإنها "أم كلثوم". كانت هذه الأغنيات تقدم على استحياء ومطربيها لم يكونوا ليعلنوا عنها.. إن ما يحدث الآن أراه أقرب للاستسلام الكامل، ألبوم باللهجة والإيقاعات والأنغام الخليجية أو ألبوم به أغنية خليجية لزوم التسويق أو لإرضاء الشركة المنتجة.. آخر الأشرطة داخلهما أغنيات خليجية لكل من "سمية الخشاب" و "ليلى غفران" و "أنغام".. ليست ضد أن يغني المطرب بإيقاعات ونغمات وكلمات أخرى غير لهجة بلده على شرط أن يحدث ذلك على كل الأصعدة العربية نغني بالخليجي واللبناني والتونسي والسوداني خاصة وأن كل هذه الشعوب تتذوق الفن الجميل فلماذا فقط يصبح الغناء بلهجة وأنغام وأرتام أخرى مقصوراً على من يدفع أكثر.. أنا لا أنسى مثلاً كيف غنت شادية "يا حبيبي عد لي تاني" بمذاق سوداني تقبلناه جميعاً.. الأغنية كتبها "فتحي قورة" ولحنها "منير مراد" الثلاثة المصريون قرروا تقديم أغنية مستوحاة من موسيقى وإيقاعات سودانية.. الذي يجري الآن لا تستطيع أن تضعه تحت طائلة قانون الفن ولكن الاسترزاق تقديم ألبوم مقابل أجر.. عادة الجمهور المصري لا يعلم عن هذه الأغنيات شيئاً وإذا تضمن الألبوم المصري أغنية خليجية يعتبرها كأنها لم تكن.. نعم أنا أستمع إلى "محمد عبده" و "عبد المجيد عبد الله" و "عبد الرب إدريس" و "حسين الجسمي" و "عبد الله الرويشد" و "نبيل شعيل" و "أحلام" و "نوال" وغيرهم وتعجبني عدد من أغانيهم لأنهم بالفعل يغنون ولا يسترزقون فالأمر ليس له أدنى ارتباط برفض نوع من الموسيقى خاصة وأن الأرتام الخليجية لها في ثقافتنا الموسيقية المصرية ارتباط ما بالإيقاعات البدوية المحببة لنا كما أن اللهجة الخليجية تشبه في بعض مفرداتها لهجة أهلنا في الصعيد ولكني أرى أن أغلب ما يقدمه الفنانات والفنانين المصريين والعرب – غير الخليجيين بالطبع – يقع في إطار الأغنيات الخاصة وهذه ليس مجالها الأشرطة الشعبية وأن ما بقى هو الأغنية التي قدموها فعلاً للناس.. أنا لا أوافق مثلاً على ما تعلنه "نجوى كرم" عندما يسألوها متى تغنين باللهجة المصرية أو الخليجية فتقول لهم عندما يغني "محمد عبده" باللبنانية و "عمرو دياب" باللبنانية سوف أغني أنا باللهجتين الخليجية و المصرية.. "نجوى" تذهب بنا إلى منطقة أخرى وهي التنابز باللهجات مع اعترافي بأن ليس كل فنان قادراً على الأداء بلهجة مغايرة للهجة بلده ولكن الأمر على هذا النحو يدخل في إطار آخر غير الفن وهو التحدي.. "نانسي" و "أليسا" لديهما هذه المقدرة في الغناء مثلاً باللهجة المصرية.. إلا أن الأمر يبدو عند الغناء بالخليجية أقرب إلى صفقة تجارية وليس مشرعاً غنائياً بدليل أن الأعمال التي يرددها اللبنانيون بالمصرية تنتشر في كل الدول العربية بينما الأغاني التي يرددها المطرب غير الخليجي باللهجة الخليجية يظل تداولها لا يتعدى الخليج فقط.. لماذا نكذب على أنفسنا؟ الصحافة مثلاً عندما تنشر إعلان تحدد أنه إعلان مدفوع الأجر ولولا الإعلانات لتوقفت الصحف عن الصدور.. والأغاني الخليجية التي يرددها عدد من المطربين والمطربات غير الخليجيين أشبه بالإعلانات مدفوعة الأجر بفلوسها ينتج المطرب العربي أغنيات لجمهوره بلده!!