أستقيظ فى السادسة صباحا على غير العادة. عندى لقاء خطير مع رجل صعب المنال. الرجال الحقيقيون صاروا كالعملة النادرة والخل الوفى. لم أخف لهفتى لتدبير اللقاء معه، وطفت بالتليفون على كل الأصدقاء من النشطاء لأدبر لقائى معه بعد أول حضور له فى القاهرة.
أذهب مع نشطاء الحركة النسائية، ويحكى البرادعى تفاصيل لقائه بالنشطاء من الرجال مساء عودته من الخارج.
كنا نبدو له نحن النساء أكثر حماسا وانفتاحا من الكثير من الزملاء من ذكور السياسة.
كان البرادعى عائدا بأفكار بدت لى خيالية. لم ير فى كل قيود نظام مبارك ما يقلقه. قال لو احتكروا وسائل الإعلام الخاصة لدينا توتير والفيس بوك.
واكمل لو نزل 500 ألف فى ميدان التحرير سينهار النظام واضاف فى ثقة ولو نزل 100 ألف فى شارع مجلس الوزراء لانهار النظام.
كان البرادعى شجاعا وخاليا تماما من عقد السياسيين المصريين.
كان البرادعى ولا يزال الرجل الشجاع النزيه الذى لم يلوث نظام مبارك تاريخيه، ولا علقت بحياته أو حتى حذائه (وساخات) نظام مبارك. لم تطارده شائعات التعاون مع أمن الدولة، ولم يكن يوما صديقًا للنظام، أو فرعًا من الفروع المتعددة للحزب الوطنى المنحل.
كان البرادعى ولا يزال رجلاً من الصعب قبوله فى ظل نظام ضرب الفساد جذوره وضرب بقوة مواقع أهل النخبة.
ورجل كهذا صعب ابتلاعه وقبوله فى نظام مبارك وامتداد النظام بعد ثورة 25 يناير.
فقد أصبح النظام يعمل بطريقة الرئيس السادات فى الحكم.
طريقة لخصها فى أول حكومة له. ذهب إليه سامى شرف بقائمة الوزراء فى الحكومة وقال له (دى قائمة الوزراء وأجرينا عليهم التحريات وكلهم نضاف) فرد السادات قائلا وسخهم وهاتهم.
فى ظل هذه الطريقة يصبح العيب مهمًا للسيطرة على المسئول أو الوزير. والعورة مطلوبة للتهديد بكشفها وقت الغضب.
فى هذا النظام يصبح البرادعى الرجل النظيف الشجاع أزمة للجميع. رجل بلا ملفات تكسر كرامته وعزيمته. رجل بلا خطايا يمكن أن نساومه عليها. رجل بلا ذنوب تريح الكثيرين وتخدر ضمائرهم. كلنا مذنبون والخطيئة السياسية كأس وداير على الجميع.
هذا الرجل الذى أمد مصر بأول شعاع فى طريق الثورة. هذا الرجل الذى راهن على الشباب والشعب فى وقت كفر بهما الجميع. هذا الرجل من المستحيل أن يأتى رئيس حكومة إنقاذ وطني، لأن هناك من لا يريد إنقاذ الوطن. وهناك من تآمر على مصلحة الوطن ومستقبل الثورة ودماء الشهداء. لم يأت البرادعى رئيسا للحكومة أو للجمهورية إلا بعدما تنحج الثورة فى استكمال أهدافها. وبناء مجمتع سياسى جديد. مجمتع لا يخاف من البرادعى وزملائه. أما الآن فالبرادعى يمثل خطورة الرجل الشجاع فى مستنقع الجبناء.