كان التقليد المتبع فى السينما المصرية زمان، والآن، هو وجود راقصة حتما فى كل فيلم أيا كان بطله أو بطلته.. حتى إذا كانت بطلة الفيلم راقصة كتحية كاريوكا أو سامية جمال أو نعيمة عاكف، فلابد من راقصة فى الفيلم حتى انطلقت نكتة تفيد بأن منتج الفيلم أو مخرجه يتفق مع راقصة لفيلمهما.. قبل أن يكتب كاتب القصة روايته للفيلم. يبدو حال بعض الصحافة المصرية المؤيدة أو الدافعة للدكتور محمد البرادعى لخوض معركة الرئاسة المصرية كما لمخرج أو منتج تلك الأفلام، فقبل أن يستحضروا مانشيت العدد اليومى فإنهم يضعون خبرا وصورة للبرادعى على الصفحة الأولى وقد يكون خبر صلاة البرادعى فى أى مسجد من مساجد مصر «مانشيت» - فى عملية نفخ للمسكين أكبر بكثير من قدرته على التحمل - حتى لو كان فى الصلاة التى لا أحد يعرف مكانها فى سلوكه اليومى وهو ابن الوفد العلمانى وابن نقيب المحامين المصريين السابق د. مصطفى الوفدى القديم - ولم يضبط يوما وهو فى لحظة تأمل أو سجدة صلاة. ويذكرنا انفراد البرادعى أو صحافته بخبر صلاته مرة فى القاهرة وأخرى فى مساجد بمدن مصرية أخرى ثم محاولة المساواة الطائفية ببرنامج زيارات الكنائس بأخبار صلوات المرشحين اللبنانيين فى المساجد اللبنانية.. فقط فى مواسم الانتخابات اللبنانية حتى باتوا مدار تفكه وسخرية المصلين الذين يعلمون أن هذا المصلى الجديد منافق لا تعرف قدماه طريقهما إلى المساجد إلا فى مواسم الانتخابات.. ولم تكن صلاة أى واحد منهم فى أى مرة لتنفعه فى الحصول على مقعد نيابى. اللجوء إلى الدين أما الأكثر مدعاة للسخرية، فيما من يتقدم مرشح مسيحى للانتخابات وطريقه إلى الجمعيات والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية فى لبنان لا يبدأ تعبده إلا فى مواسم الانتخابات النيابية أو البلدية فيظن نفسه خادما للناخبين، ومعظم الجمهور يرى فيه خروفا يستحق الذبح فتنهال عليه طلبات المساعدات على أنواعها، وهو يلبى بكل طيبة خاطر واعدا نفسه بالحصول على أصوات أصحاب الطلبات.. وهيهات! إنه أسلوب تقليدى بات من شدة تقليديته عقيما، وأحيانا ذا مردود سلبى لأنه يكشف سذاجة المرشح حين يتصور نفسه قادرا على منافقة الناس فى هذه المنطقة من الإحساس بتقرب الإنسان من ربه دون حاجة إلى وساطة أو افتعال أو نفاق. والأكثر مدعاة للشفقة أنه فى الوقت الذى ينصرف فيه هم هذه الصحافة إلى تصيد كل خطأ أو هفوة أو حتى افتعالها بحق أو بدونه للسلطة أو القيادة السياسية فى مصر فإن البرادعى يتعرض لأكبر عملية تلميع إعلامية - بات كثير من الحياديين أو حتى أصدقاء محمد البرادعى يخشون عليه من آثارها السلبية، فالرجل لا يملك حتى الآن ما يقدمه للناس إلا الكلام.. وإذا استمر الحال على هذا المنوال لأكثر من 20 شهرا وهى المدة الفاصلة بين الحملة الإعلامية - الإعلانية والانتخابات الرئاسية فى نوفمبر 2011 فإن الناس لن تكون قد ملت كلاما وشبعت إعلانات وأساليب تقليدية فى الترويج لرجل معين فقط.. بل بدأت حملة مضادة فى نفوسها له ولمصر معه فمعركة النفس الطويل لا يكسبها إلا ما يفرز من أنفاسه ما يبرر استمراره فى السباق والقياس هنا هو قدرته على الاستجابة لمصالح الناس فإن لم يكن فلأحاسيسها إن لم يكن فبالكيمياء يمكن الاستقطاب.. وراقبوا الكيمياء بين البرادعى وفقراء مصر وعمالها. بعض مؤيدى البرادعى السابقين أو المرحبين بحضوره السياسى إذا كان هناك من حضور شعبى حقيقى باتوا يخشون أن يكون تسامح السلطة السياسى والأمنى الواضح تجاه حركة البرادعى شعورا لدى هذه السلطة أو الحزب الحاكم، بأن ما يقدم وأقدم عليه رئيس الوكالة الدولية السابق للطاقة الذرية بات يسجل فى خانة السلطة.. أو هو فى طريقه ليكون على حساب خصومها السياسيين فى الداخل طبعا. وكل سياسى أو مراقب فى مصر يعتقد أنه ومنذ طرح محمد البرادعى إمكانية ترشيح نفسه للرئاسة فى مصر أن الرصيد الوحيد البارز حتى الآن خلف هذا الترشيح هو الانقسام السياسى العامودى والأفقى الذى طالب كل القوى السياسية والحزبية المصرية خاصة تلك التى جعلت نفسها فى خانة المعارضة منذ عقود وبعضها أقل. الناصريون الناصريون منقسمون حكما حول الموقف من البرادعى، فرغم إحاطة البرادعى نفسه، أو أن بعض الناصريين اختار الإحاطة به لأسباب لا علاقة لبعضها بالرجل نفسه، فإن الحزب العربى الديمقراطى الناصرى معترض بشدة على حركة البرادعى لأسباب عديدة أهمها: 1- أن الرجل وفى كل إطلالة إعلامية له لا يوفر ثورة 23 يوليو من النقد والتجريح والتطاول على منهجها وإنجازاتها مكررا معزوفة الماركسيين والإخوان المسلمين والليبرايين أنصار المنهج الأمريكى فى الحكم على الأمور ضد جمال عبدالناصر ونظامه وإغراق الرجل والنظام والإنجازات فى سلة واحدة اسمها تقديم عبدالناصر للديمقراطية الاجتماعية العدالة على للديمقراطية السياسية«الحرية». 2- أن ولاء البرادعى الداخلى لوالده الوفدى الذى عادى الثورة وإنجازاتها التى شملت تغيير المجتمع المصرى من مجتمع النصف بالمائة إلى مجتمع المشاركة الشاملة والكاملة للعمال والفلاحين فى مؤسسات الدولة ومصانعها وأراضى مصر.. مازال حاكما للرجل، وهو يعتبر أن الفرصة قد واتته للانتقام لوالده الذى خسر موقع نقيب المحامين فى عصر عبدالناصر لمصلحة وفدى قديم آخر لكنه، وجد فى الثورة الاجتماعية التى قادها جمال منهجا ينسجم مع أفكاره ودعوته للعدل الاجتماعى هو النقيب الأشهر أحمد الخواجة «رحمه الله». فهل هى مصادفة أن يكون عداء البرادعى نسبة ال50% للعمال والفلاحين فى المؤسسات التشريعية.. هو الأمر شبه الوحيد الذى جهر به البرادعى.. انتقاما متأخرا نحو نصف قرن من فلسفة عبدالناصر الاجتماعية وانحيازه للعمال والفلاحين. 3- أن حملة البرادعى أضافت إلى انقسام الناصريين التنظيمى وأحيانا الشخصى، انقساما سياسيا لم يعهدوه سابقا. صحيح أن بعض الناصريين أو مدعى الانتماء إلى الناصرية سببوا انقساما فى صفوف الناصريين لانحيازهم مرة لنظام صدام فى العراق وهو يذبح الناصريين فى بلدهم ومرة لنظام الأسد وهو يذبح الناصريين فى سوريا كما الفلسطينيين أو النظام القذافى وتقلباته بين أمين القومية العربية، وملك ملوك قبائل وعروش أفريقيا.. لكنه كان انقساما حول مصادر الدخل لهذا التنظيم أو الشخص أو الصحافى التى يوفرها العراق وليبيا أما فى حملة البرادعى فإن الانقسام الناصرى هو حول مبرر وجود الناصريين أنفسهم، حين يجد البعض أن البرادعى يطرح نفسه نقيضا للثورة وعبدالناصر والناصرية والناصريين أنفسهم وهو قد وضعهم بين خيارين أحلاهما مر بالنسبة إليهم: وهما إما أن يبيعوا الناصرية ويغيروا جلودهم إما أن يتمسكوا بمواقفهم المبدئية للإبقاء على ما تبقى من الناصرية أو ثورة 23 يوليو أى ملاقاة النظام المصرى فى منتصف الطريق أو أوله أو آخره. الوفديون بعد الناصريين انقسم حزب الوفد المنقسم أساسا على نفسه بين حنين إلى ماض لن يعود ويريد رؤيته قادما على أكتاف ابن أحد الوفديين القدامى محمد مصطفى البرادعى وبين من وجد فى البرادعى متطفلا على نضال الوفد خلال 62 سنة منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى سنة 2010 جاء يقطف ثمرة صبر الوفد وانتظاره فرصة للعودة.. كإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والأنكى فى كل الصبر أو انتظاره أن مؤيدى البرادعى فى الوفد لم يبرروا فعلتهم إلا بكون البرادعى معاديا لثورة يوليو وابن وفدى قديم عادى جمال عبدالناصر. الإخوان رغم أن البرادعى بعلمانيته يبدو نظيفا لدعوة جماعة الإخوان لدولة دينية فى مصر، وهم الذين رفعوا شعار الإسلام هو الحل، فإن ما يجرى هذه الأيام بين الجماعة والبرادعى هو باطنية حقيقية حيث يضمر كل منهما للآخر موقفا هو غير الموقف الذى يعلنه، حتى بدا أن البرادعى استعار من الإخوان كحركة دينية جهازها السرى الذى يعكس حقيقة فلسفتهم أما ما يظهرونه فيشبه ما يقوله البرادعى نفسه فى تكاذب متبادل لا حدود له.. وجماعة الإخوان التى لا تجرؤ على إعلان تأييدها للبرادعى حتى لا يكسب النظام نقطة لمصلحته فى استعداء الجماعة للوفديين القديم لا تجرؤ أيضا على إعلان رفضها له بسبب علمانيته، لأن حركة البرادعى رمت حجرة كبيرة فى بركة الإخوان الراكدة عند حالة رد الفعل التى نعيشها فى مواجهة النظام المصمم على التعامل معها بمفهوم أمنى هو من اختصاصها عبر الزمان. وعندما يجول البرادعى فى بعض المساجد فإنه لا يبيع من البضاعة نفسها التى تصدرها أو تستوردها جماعة الإخوان ولا ينافسها فى وكالة واحدة فقط بل إنه يضيف إلى بضاعة الحكومة التى نزلت السوق لمنافسة الإخوان فى شراء وبيع المناخ الدينى المستشرى على حساب العلم والنور وثقافة الحياة والإنتاج والاعتماد على العقل.. بضاعة أخرى تضرب كل فرصة لمنهج التغيير الذى يزعم البرادعى أنه جاء لأجله! حزب التجمع ربما يكون حزب التجمع الوطنى الوفدى التقدمى هو الجهة الحزبية الوحيدة فى مصر التى جهرت بموقفها من البرادعى شجاعة كافية لأن تعود حركة المعارضة ضد حملته لا تسقطها فى أحضان النظام. وهذا الموقف لحزب التجمع سبب اعتراضات حقيقية داخل الحزب بين الشباب الذين يريدون استعجال قطف ثمار مواقفه ولا يحتملون الانتظار كما بين الشيوخ الذين يئسوا من انتظار تغيير النظام أو استقطابه لهم أو استقطابهم له. وبسبب البرادعى فإن حالة الانقسام باتت عامة على كل الأحزاب والجبهات المصرية سواء التى لها حضور إعلامى سياسى دون شعبية وحتى أننى ليس لها أى حضور لا إعلامى ولا سياسى ولا شعبى. انقسام آخر سببته حملة البرادعى بين الأحزاب القائمة مجتمعة أو متفرقة وبين المعتقد أنه جمهورها الخفى أو المفترض الذى خشى الظهور لاعتبارات شخصية أو أمنية أو سياسية وهو جمهور وسائل الاتصال الحديثة «FaceBook» وغيره.. هذا الجمهور لم يخسر ولن يخسر شيئا إذا راهن على شخص معين ولم يصل به إلى ما يريد، فجمهور الفيس بوك فى معظمه منفتح على كل جديد، أو تنظير أو اعتراض وهو يشعر بنفسه وحضوره وقدراته بإنشاء مشروع سياسى أو مشروع مرشح.. وهذا يكفيه ولن يضحى بأكثر من كبسة زر على جهازه أو على إحصاء أو مقاييس لنشاطه. فحملة البرادعى فى الأصل قائمة على رد الفعل وإبرزها رد فعل قوى الاعتراض فى المجتمع المصرى سواء اليسار أو الهيئات المدنية أو الحزبية، وهى رغم تعدد أسماء الهيئات التى تحملها أو تعمل تحتها، وربما فى كل موسم يخرج لنا اسم جديد.. فإنها باتت معروفة بالاسم والعنوان والرأى وحجم التحرك، وهو لا يتجاوز بيانا مرة، أو مقالا مرة أخرى أو اعتصاما على- درج سلم نقابة الصحافيين - أو التجمع فى مقر حزب ما أو جبهة ما ويحصى أى مراقب عدد النشطاء السياسيين المثقفين بين حركات مختلفة منذ نحو 15 سنة مثلا فلا يجد أكثر من خمسين اسما أعظم مؤهلاتهم كثرة ظهورهم الإعلامى وطبقات أصواتهم المميزة ومن يراقب رد فعل السلطة على كل هذا يكتشف كم هى مطمئنة إلى أن حدود الاعتراض معروفة ومفهومة. وفى تقدير مراقبين، فإن السلطات المصرية تبدو فى اطمئنان شديد وهى تستعلم عن حركة البرادعى ومن حوله ولسان حالها يقول التالى: 1- إن كل من حول البرادعى فى تناقضاتهم، وتباين مشاربهم الفكرية والسياسية والحزبية فاقدو الأمل من أى تعاون مع الحكومة المصرية أو مع الحزب الوطنى الديمقراطى، حتى بات القاسم المشترك فى الالتفاف الذى يخفى هذه التناقضات هو عداؤهم للرئيس حسنى مبارك. 2- منبع العداء للرئيس مبارك مستمر ومستمد من عداء لسياساته فى مختلف المجالات، ومستمر بسبب ما يعتقدونه سعياً ضمنياً منه لتوريث السلطة لنجله جمال، وهم يريدون البرادعى بديلا لجمال مبارك. 3- إن خصوم الرئيس مبارك ونجله جمال، وجدوا فى البرادعى اسما معروفا فى العالم من خلال وظيفته السابقة، كى يتوحدوا حوله، فى اعتقاد راسخ لديهم أنه يشكل غطاء لحركتهم ومواقفهم تنفيسا شخصيا وإنسانيا عن طول صبرهم فى انتظار البديل، وعقم المحاولات السابقة لمنافسة الرئيس. 4- إن الإصرار على شخص البرادعى كمنافس لمبارك، دليل على حالة إفلاس سياسى أو رئاسى شامل من بديل داخلى، جعلهم يلجأون لبديل قادم من الخارج فى استحضار لتجارب سابقة حصلت فى بعض بلدان آسيا أو أفريقيا. 5- هناك إيمان كامل بأن شخصية وسمعة البرادعى الدولية، تشكل غطاء وحماية من الغرب وإعلامه قد تحمى الرجل ومن معه، أو تكون وسيلة إقحام الغرب وإعلامه فى الشئون المصرية تماما فى استعادة واستعارة أخرى لحالات مشابهة فى الداخل المصرى عندما أعتقد الإخوان المسلمون أن سياسة جورج بوش الابن لنشر الديمقراطية هى بابهم الأمريكى للعبور إلى السلطة المصرية.. أو كما توهم سعد الدين إبراهيم أو أيمن نور.. أن ثقافتهما الأمريكية كافية لهما كى يحصلا على رضا بوش لإيصال أى منهما إلى تحقيق طموحه الشخصى والسياسى. ويخشى كثيرون بعد هذا أن تطمئن السلطات المصرية إلى كل هذا لتردد قول جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يامربع