الصراع مشتعل في مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويتصاعد يوميا بين أطراف عديدة، إلا أن أشهر هذه الأطراف، وبالرغم من غياب وجه محدد له، هو ما يسميه شباب الثورة بفلول الحزب الوطني المنحل، وما يهمنا هنا، هو أن إحدى الساحات الرئيسية لهذا الصراع هو شبكة الإنترنت، وهنا أستطيع تسجيل ملاحظاتي الشخصية، ذلك إنني أقوم بمتابعة يومية مطولة لمختلف المواقع المصرية وخصوصا المواقع الإخبارية، وما لفت انتباهي بشدة هو التعليقات على المقالات المختلفة، سواء على المواقع المعروف أنها تدعم الثورة، أو حتى على المواقع الإخبارية التقليدية، ما أن ينشر مقال يتناول الرئيس السابق، المجلس العسكري، شباب الثورة، المظاهرات الاحتجاجية ومختلف الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، حتى ينهال سيل من التعليقات لتحية مبارك والدفاع عن المجلس العسكري والهجوم على شباب الثورة والحديث المستفيض عن الآثار السلبية لثورة الخامس والعشرين من يناير، وما يلفت الأنظار هو سرعة الردود، بعد دقائق من نشر المقال، وحجمها الكبير، وقبل أي شيء آخر، حدة اللهجة، واستخدام الألفاظ الجارحة ، ثم يتوقف هذا النوع من الردود، بعد قليل، لنقرأ ردودا تبدو طبيعية تتراوح بين الموافقة والمعارضة وبلهجة أكثر اعتدالا وعندما حاولت فهم هذه الظاهرة، كان عنوان رئيسي يعود دوما، اللجنة الإلكترونية للحزب الوطني المنحل، وهي لجنة تم تشكيلها للرد ومهاجمة الأفكار الشريرة، على حد تعبير أمين الإعلام في الحزب الوطني «علي الدين هلال»، وعادت اللجنة لتعلن عن حل نفسها بعد قيام الثورة بصورة رسمية ولكن الناشطين الحقوقيين لا يصدقون ذلك، والمثال في موقع «شايفينك» الحقوقي الذي أكد أن اللجنة الالكترونية للحزب الوطني عادت للعمل، شارحا أسلوب عملها تقنيا، حيث تعتمد وفق موقع «شايفينك» على مواقع تسمح بإنشاء أعداد كبيرة من حسابات البريد الإلكتروني دفعة واحدة وبكلمات مرور موحدة، ليستخدمها هؤلاء الأشخاص من اللجنة الالكترونية في التصويت على الفيس بوك مثلا، أو إرسال التعليقات المختلفة، ويؤكد موقع «شايفينك» أنه تم، على سبيل المثال إنشاء أكثر من خمسين ألف عنوان بريد إلكتروني تتألف من رقم متسلسل تليه علامة @ ثم caira.uk.com، وأن كافة هذه العناوين لها كلمة مرور أو كود وحيد هو واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة، عناوين تتمتع بحسابات على فايس بوك، وقد قمت بالتجربة ولكنها لم تنجح، وسواء كانت اللجنة الإلكترونية وراء ما ينشر على الشبكة أو لجنة أخرى، فإنه من الواضح أن الأمر شديد التنظيم وسنعود إليه في الأيام المقبلة
نتابع حديثنا عن اللجنة الإلكترونية، أو ما يعتبره أنصار الثورة في مصر الذراع الإلكتروني للفلول، والمقصود بالفلول أنصار الرئيس السابق «حسني مبارك» مؤشرات كثيرة، كما قلنا، على أن العمل يجري بصورة منظمة، ويتمتع بقدر من التمويل لا نعرف حجمه الحقيقي، من يقف وراءه، وما هي طبيعة تحالفاته في هذا الإطار نبحث عن التسريبات، أو الشهادات، وهي ليست بالكثيرة، وربما لا تتمتع دوما بالمصداقية المطلوبة، وأولى هذه الشهادات تأخذ مصداقيتها من المصدر، صحيفة الأهرام الرسمية جدا، التي كانت قد نشرت قبل شهور شهادة، أو اعترافات أحد الناشطين من مدينة الإسكندرية في اللجنة الإلكترونية للحزب الوطني الذي استقال بعد قيام الثورة، شهادته عما حدث قبل وبعد الخامس والعشرين من يناير، عن قيام قيادات الحزب بتنظيم وحدات من الشباب، في اللجنة التي كان دورها تشويه صورة من ينضمون إلى مواقع ومجموعات المعارضين وتسفيه أفكارهم والسخرية منها، بمقابل مادي أو مقابل الحصول على امتيازات واستثناءات في كثير من مصالح الدولة، وبعد الثورة تلقى أعضاء اللجنة مهمة الدعوة إلى مظاهرات مؤيدة للرئيس والنظام، مقابل مادي، ووعود بمناصب حزبية لتلك القيادات، وشقق ووظائف فور انكسار الثورة واستباب الأمر، مع التأكيد على أن بعضا من رجال الشرطة وأمن الدولة بشكل خاص سيؤمنون تلك المظاهرات، هذا فيما يتعلق بالشهادة التي نشرتها صحيفة الأهرام الرسمية شهادة أخرى، كان قد نشرها «وائل قنديل» رئيس تحرير جريدة الشرق، وتتناول قضايا أكثر دنيوية، شهادة طالب فنى صناعي يروي كيف تلقى مع زملائه عرضا لكتابة تعليقات ضد الثورةوشبابها وضد البرادعى وايمن نور... مقابل ثلاثمائة وخمسين جنيه يوميا وتوصية لمعاهدهم للنجاح بتقديرات، ويواصل الشاهد موضحا انه بعد عشرةأيام تلقوا ثلاثمائة جنيه، وبعد أسبوعين تلقوا خمسة وأربعين جنيه لكل يوم، الملاحظ عموما، وكما قلنا أن هذا النوع من التعليقات يتميز بالكثير من البذاءة والألفاظ الجارحة والاتهامات المرسلة دون أدلة، ولا يبذل المعلقون أدنى الجهد لتقديم حجج لما يقولون، ويقتصر الأمر على مقولات من نوع «مبارك بطل الضربة الجوية»، «ولا يوم من أيامك يا مبارك»، «حركة السادس من إبريل تتلقى ملايين الدولارات من الخارج»، والعشرات إن لم نقل المئات من هذه التعليقات شديدة الذكاء فترينات أنصار مبارك على الفايس بوك النشاط المحموم على مواقع الإنترنت وصفحات الفايس بوك للدفاع عن الرئيس المصري السابق «حسني مبارك» والهجوم على رموز ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتوجيه انتقادات شديدة لنتائجها، هو بالنسبة للكثيرين من عمل اللجنة الإلكترونية للحزب الوطني المنحل، التي عادت للعمل سرا، وبدعم مالي مختلف المصادر، سواء من رجال الأعمال المؤيدين للنظام السابق أو حتى من جهات عربية. وإذا كنا قد تحدثنا عن مجالات هذا النشاط على مستوى الردود بصورة مكثفة على مقالات المواقع الإخبارية، والمشاركة في التصويت على الاستفتاءات المختلفة على الإنترنت، فإن النشاط الرئيسي يكمن في تقديم العشرات إن لم نقل المئات من الواجهات، وأعني صفحات الفايس بوك المناصرة والمدافعة عن النظام السابق نستطيع رصد ثلاثة توجهات رئيسية لهذه الصفحات، أولها للدفاع عن مبارك، وأشهر هذه الصفحات «أنا آسف ياريس»، وفي حقيقة الأمر هناك عدة صفحات فايس بوك تحمل هذا العنوان، أو صفحة «ولا يوم من أيامك يا ريس»، «أبناء مبارك»، «ثورة غضب أبناء مبارك»، الخ والتوجه الثاني يقوم على دعم شخصيات النظام السابق وترشيحاتهم مثل رئيس الوزراء السابق «أحمد شفيق» والمدير العام للمخابرات «عمر سليمان»، بل وذهب الأمر بالبعض لإنشاء صفحة بعنوان «ولا يوم من أيامك يا عادلي» وزير داخلية «مبارك»، وصفحات أخرى تتبني المجلس العسكري، وترفض أي انتقادات توجه له، وكأن لسان حال هذا التوجه يقول، (نقبل بأي شخص كان ينتمي بصورة أو بأخرى للنظام السابق، ونرفض من قاموا بالثورة) وتحديدا، يأتي هنا التوجه الثالث ويتمثل في صفحات الهجوم على رموز الثورة مثل صفحة «كارهي وائل غنيم»، وصفحة «كارهي علاء الأسواني»، الكاتب الشهير، وهناك أيضا صفحة «كارهي يسري فودة»، وحركة السادس من إبريل لم تنساها اللجنة الإلكترونية مع العديد من الصفحات، «كذبة 6 إبريل»، «معا ضد 6 ابريل» وغيرها وبالنسبة للمضمون، هناك ما لا يمكن أن ننقله هنا لمراعاة الآداب العامة، سواء من ألفاظ أو تعبيرات، وهناك الاتهامات الطريفة، لرموز الثورة مثل «وائل غنيم» بالانتماء إلى الماسونية العالمية، وأجهزة المخابرات الغربية، واتهامات أخرى تقليدية بالانحلال الخلقي أو تعاطي المخدرات، وكل ذلك بدون أي دليل بطبيعة الحال هذه بعض ملامح الحرب الإلكترونية التي يخوضها من تبقى من أنصار «مبارك»