كشفت التطورات الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي عن تصاعد أنشطة عسكرية واستخباراتية مريبة في مدينتي بوصاصو وأرض الصومال، وسط تقارير تشير إلى عمليات سرية لنقل مرتزقة وأسلحة إلى غرب السودان، في وقت حذّر فيه خبراء من أن هذه التحركات تُنذر بتهديدات خطيرة للأمن الإقليمي، وتمثل امتدادًا مباشرًا لتداعيات الصراع السوداني نحو البحر الأحمر. كما يري مراقبون تحدثوا ل«الفجر» أن تحول بوصاصو وأرض الصومال إلى ممرات خلفية لتغذية الحرب السودانية يمثل خطرًا استراتيجيًا على أمن المنطقة بأكملها، خاصة في ظل التنافس الدولي على السيطرة على موانئ القرن الإفريقي. ويؤكد الخبراء أن مواجهة هذا الخطر تتطلب تنسيقًا عربيًا وإفريقيًا عاجلًا لضمان أمن البحر الأحمر ومنع تمدد الصراع السوداني شرقًا. الصومال تكشف عن عمليات سرية لنقل مرتزقة وأسلحة باتجاه غرب السودان
كشف وزير الدفاع الصومالي، أحمد معلم فقي أحمد، عن معلومات خطيرة تتعلق بعمليات سرية تجري في مدينة بوصاصو التابعة لإقليم بونتلاند شمال شرق الصومال، تشمل نقل مرتزقة كولومبيين وإقلاع طائرات محملة بالمعدات العسكرية إلى دولتي تشاد والنيجر، وصولًا إلى غرب السودان. وقال الوزير، في كلمة أمام مجلس الشيوخ الصومالي، إن هذه التقارير ليست شائعات أو أخبارًا مفبركة، مؤكدًا أن هناك بالفعل تحركات مشبوهة تتم من بوصاصو نحو مناطق النزاع في إفريقيا. وأضاف معلم فقي أن على أعضاء مجلس الشيوخ عدم التستّر على هذه المعلومات، داعيًا الحكومة الصومالية إلى التحقق الفوري من طبيعة هذه العمليات التي تجري داخل الأراضي الصومالية دون إشراف رسمي. وكانت تقارير صحافية قد نشرت في وقت سابق تحقيقات استقصائية تحدثت عن شبكة دعم عسكري سري تديرها إحدى الدول العربية لصالح قوات الدعم السريع في السودان، انطلاقًا من مدينة بوصاصو بولاية بونتلاند، وسط مخاوف إقليمية ودولية من تصاعد الصراع وتورّط أطراف جديدة في الحرب الدائرة بدارفور.
محور جديد للإمداد والتمويل من جانبه قال الدكتور عبد الناصر سلم، الباحث في الشؤون الإفريقية، إن منطقة أرض الصومال تحولت مؤخرًا إلى محور جديد لأنشطة الدعم اللوجستي والتمويل غير المشروع لقوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن الانفتاح غير المعلن بين الإقليم وبعض القوى الإقليمية منح المليشيا القدرة على إيجاد خطوط إمداد جديدة عبر الموانئ الخاضعة لإدارة شركات إماراتية، وعلى رأسها ميناء بربرة. أضاف سلم في تصريحات خاصة ل«الفجر»، أن تراجع الدور التشادي كممر لوجستي للدعم السريع بسبب الضغوط الدبلوماسية والتوترات الداخلية في نجامينا، دفع المليشيا إلى نقل محور دعمها شرقًا نحو القرن الإفريقي، في تحول يعكس تغير ميزان النفوذ الإقليمي داخل المنطقة. أوضح أن هذا النمط من التحالفات الموازية يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن الجماعي في البحر الأحمر، داعيًا إلى رقابة دولية مشددة على الموانئ والمطارات الواقعة في المناطق غير المعترف بها دوليًا.
بونتلاند وأرض الصومال.. ممر للأسلحة وملاذ للمرتزقة كما نوه اللواء أمين إسماعيل، الخبير العسكري والأمني، في تصريحات ل«الفجر»، إلى أن ما يجري في ولايتي بونتلاند وأرض الصومال من تحركات أجنبية متزايدة يؤكد أنهما تحولتا فعليًا إلى ممر للأسلحة ومعبر لتدخلات خارجية تهدد استقرار القرن الإفريقي والسودان على وجه الخصوص. وأوضح إسماعيل أن وجود قوات أجنبية متعددة من دول مثل الصين وفرنسا وإريتريا داخل تلك المناطق جعل السيطرة الوطنية عليها شبه معدومة، مضيفًا أن بعض القوى الخارجية تستخدمها كقواعد لعمليات تهريب المرتزقة والمعدات العسكرية إلى داخل السودان. وشدد على أن هذه الأنشطة ساهمت في إطالة أمد الحرب السودانية وأضرت باستقرار الإقليم ككل، محذرًا من أن استمرارها دون رقابة قد يحوّل المنطقة إلى بؤرة صراع إقليمي مفتوح.
تحركات مقلقة على سواحل البحر الأحمر في السياق ذاته، قال المحلل السياسي السوداني مجدي عبدالعزيز ل«الفجر»، إن المعلومات المتداولة بشأن التحركات في صوماليلاند وبونتلاند تؤكد وجود مساعٍ ممنهجة من قوات الدعم السريع لإيجاد موطئ قدم على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، مشيرًا إلى أن المليشيا تسعى لتأسيس نقاط مراقبة واتصالات بحرية تهدد أمن الممر الملاحي الأهم في العالم. وأضاف عبدالعزيز أن الدعم المالي والسياسي الموجه لتلك الكيانات الانفصالية يسهم في تعقيد المشهد الإقليمي، مؤكدًا أن استقرار البحر الأحمر لن يتحقق إلا بتعاون الدول المشاطئة وتفعيل آلية أمنية جماعية تحظر أي تدخلات خارجية أو تمويلات غير مشروعة.
امتداد تأثيرات الحرب السودانية إلى القرن الإفريقي من جانبه، أكد الدكتور سمير رمزي، الخبير في الشؤون الإفريقية، في تصريح خاص ل«الفجر»، أن ما يجري في الإقليم يعكس اتساع نطاق التداعيات الأمنية للنزاع السوداني وتشابكها مع الصراعات الأخرى في المنطقة، وهو ما أدى إلى تصاعد التهديدات الإقليمية الناتجة عن استمرار الحرب. وأوضح رمزي أن امتداد تأثير الصراع السوداني إلى القرن الإفريقي لم يعد مجرد احتمال، بل بات واقعًا ملموسًا من خلال تزايد النشاطات العسكرية غير المشروعة والتدخلات الخارجية. وأشار إلى أن هذه التطورات تؤكد صحة التحذيرات الأممية والدولية بضرورة وقف كل أشكال الدعم الخارجي لطرفي النزاع داخل السودان وخارجه. وشدد الخبير الإفريقي على أن وقف التدخلات الخارجية هو المدخل الأساسي لأي تسوية سياسية حقيقية، مؤكدًا أن استمرار تغذية الحرب بالمال والسلاح سيجعل من السودان بؤرة دائمة لعدم الاستقرار تمتد آثارها إلى البحر الأحمر والقرن الإفريقي ودول الجوار.