تشهد محافظة مرسى مطروح على الساحل الشمالي المصري تحولًا تنمويًا غير مسبوق، بعد توقيع اتفاق استثماري ضخم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة "الديار القطرية" لتطوير منطقة علم الروم بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 29.7 مليار دولار، ما يجعل المشروع من أكبر الاستثمارات العقارية في تاريخ مصر الحديث. موقع استراتيجي وتاريخ غني تقع منطقة علم الروم على بُعد نحو 12 كيلومترًا شرق مدينة مرسى مطروح، وتطل على الساحل الفيروزي للبحر الأبيض المتوسط، في موقع يجمع بين الجبال والرمال البيضاء والمياه الصافية. وترجع تسميتها – حسب مؤرخين – إلى حصن روماني قديم كان يُستخدم كعلامة بحرية في العصور القديمة، ما يمنحها بعدًا تاريخيًا يضيف إلى قيمتها السياحية والثقافية.
خطة تطوير متكاملة دون إضرار بالمجتمع المحلي شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة مشروعات بنية تحتية موسعة، أبرزها توسعة ورصف طريق علم الروم بطول 17 كيلومترًا لخدمة الزوار والمصطافين، في إطار خطة متكاملة لرفع كفاءة المدينة. وأكدت محافظة مطروح أن التطوير لا يستهدف تهجير أي من السكان المحليين، بل يهدف إلى تحسين جودة الحياة والخدمات بما يتماشى مع رؤية الدولة للتنمية المتوازنة والمستدامة.
صفقة استثمارية تاريخية حسب وكالة رويترز، تبلغ قيمة الأرض نحو 3.5 مليار دولار، فيما تصل الاستثمارات العينية – التي تشمل إنشاء البنية التحتية والمرافق والوحدات السكنية – إلى ما بين 26.2 و26.5 مليار دولار. ويمتد المشروع على واجهة ساحلية بطول 7.2 كيلومترات ومساحة إجمالية تقارب 1،985 هكتارًا (نحو 4،900 فدان)، مع توقعات بتحقيق إيرادات سنوية لا تقل عن 1.8 مليار دولار. كما تنص الاتفاقية على تخصيص 15٪ من أرباح المشروع لهيئة المجتمعات العمرانية بعد استرداد الاستثمارات.
رؤية المشروع: مدينة ساحلية عالمية يتضمن المشروع، وفقًا للتصميمات الأولية، مجتمعات سكنية فاخرة تضم فلل وشاليهات بإطلالات مباشرة على البحر، إلى جانب منشآت ترفيهية وسياحية متكاملة مثل: مارينا لليخوت ومرافق بحرية متطورة. ملاعب غولف ومناطق خضراء واسعة. مؤسسات تعليمية وصحية حديثة. بنية تحتية رقمية وذكية، تجعل المنطقة وجهة للسكن والعمل والسياحة في آنٍ واحد. وتسعى الرؤية العامة إلى تحويل علم الروم إلى مدينة متكاملة تنافس الوجهات العالمية في جودة الحياة والاستثمار العقاري والسياحة المستدامة.
انعكاسات اقتصادية واسعة يرى خبراء أن المشروع يمثل قفزة نوعية في مسار جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، في ظل توجه الحكومة نحو تعمير الساحل الشمالي الغربي ليكون محركًا جديدًا للنمو الاقتصادي. وسيساهم المشروع في توفير آلاف فرص العمل خلال مراحل الإنشاء والتشغيل، إلى جانب تنشيط قطاعات المقاولات والسياحة والخدمات في محافظة مطروح.
تحديات أمام التنفيذ رغم الطموح الكبير، يواجه المشروع مجموعة من التحديات، أبرزها: حجم البنية التحتية المطلوبة لتغطية مشروع بهذا الاتساع. ضمان التمويل المستدام وسط تقلبات الأسواق العالمية. تحقيق توازن مجتمعي يحافظ على خصوصية المنطقة وسكانها الأصليين. المنافسة الإقليمية مع مشروعات ضخمة في مدن ساحلية عربية مجاورة. ويؤكد مختصون أن نجاح المشروع يتوقف على إدارة دقيقة وتنسيق مؤسسي فعال بين الجهات الحكومية والمستثمرين لضمان الالتزام بالجداول الزمنية والمعايير البيئية.
مشروع الأفق الجديد للساحل الشمالي تحمل منطقة علم الروم اليوم وعدًا بتحول تاريخي من شاطئ محلي إلى مدينة عالمية متكاملة، تمزج بين الجمال الطبيعي والاستثمار الذكي. وإذا تم تنفيذ المشروع وفق الرؤية المعلنة، فستتحول مرسى مطروح إلى أحد أهم محاور التنمية على البحر المتوسط، بما يعزز مكانة مصر كوجهة واعدة للاستثمار والسياحة في المنطقة.