في مشهد يتكرر يوميًا أمام مبنى السجل المدني بمدينة الواسطى شمال محافظة بني سويف، يتزاحم مئات المواطنين منذ ساعات الصباح الأولى في طوابير طويلة تمتد خارج أسوار المبنى، وسط حالة من الاستياء والغضب بسبب بطء الإجراءات، وقلة الموظفين، وضيق المكان. المشهد بات مألوفًا لأهالي المركز والقرى المجاورة، الذين يضطرون للقدوم قبل الفجر أملًا في إنجاز معاملاتهم الرسمية مثل استخراج بطاقات الرقم القومي، شهادات الميلاد، أو القيد العائلي. سجل مدني الواسطي بالأرقام.. طوابير ومعاناة يومية أمام سجل مدني الواسطى: تشير تقديرات الأهالي إلى أن أكثر من 300 مواطن يترددون يوميًا على سجل مدني الواسطى لإنهاء معاملاتهم المختلفة، من استخراج بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد إلى القيد العائلي. ورغم هذا العدد الكبير، لا يتجاوز عدد الموظفين داخل السجل 7 فقط، يعملون في مساحة محدودة لا تتناسب مع حجم الإقبال، ما يؤدي إلى تكدس الطوابير في الشارع الخارجي منذ السابعة صباحًا وحتى إغلاق الأبواب بعد الظهيرة. وتوضح شهادات الأهالي أن ما يقرب من 40% من المنتظرين سيدات، كثيرات منهن بصحبة أطفال، إضافة إلى عشرات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. أما أمام المبنى، فالوضع لا يقل سوءًا، إذ تمتد الطوابير لمسافة تتجاوز 100 متر في أوقات الذروة، يقف المواطنون خلالها وسط مياه طفح الماسورة وتحت حرارة الشمس أو الأمطار دون أي مظلات أو تنظيم.
مشاهد يومية من المعاناة: يقف المواطنون أمام السجل المدني في شارع ضيق وسط المدينة، وتبدأ الطوابير من السادسة صباحًا أحيانًا، في انتظار فتح الأبواب في الثامنة. كثير من الأهالي يحملون أطفالهم أو أوراقهم داخل أكياس بلاستيكية، في ظل غياب مظلات تحمي من حرارة الشمس أو الأمطار. يقول أحد الأهالي: "جيت الساعة 6 ونص الصبح، ولسه ما دخلتش لحد 11.. الموضوع محتاج تنظيم مش أكتر." ويضيف آخر من قرية قمن العروس: "الموظفين بيحاولوا يساعدوا، بس عدد الناس فوق طاقتهم، ومفيش سجل مدني تاني يخدم القرى الكبيرة."
سيدات يفترشن الأرض أمام السجل المدني: في مشهد بات مؤلمًا ومعتادًا أمام سجل مدني الواسطى، تفترش عشرات السيدات الأرض منذ الصباح الباكر في انتظار دورهن لإنهاء معاملات بسيطة، وسط حرارة الشمس أو برد الشتاء دون مظلة تحميهن أو مقعد يجلسن عليه. تحمل بعض الأمهات أطفالهن الرضّع، بينما تفترش أخريات الأرصفة بأوراقهن في انتظار النداء على أسمائهن. تقول إحدى السيدات من قرية صفط الشرقية: "جيت من الفجر ومعايا بنتي الصغيرة، الدنيا زحمة ومفيش مكان نقعد فيه، فاضطريت أقعد على الرصيف." ويصف الأهالي المشهد بأنه غير آدمي، مطالبين بتوفير مظلات ومقاعد انتظار وتنظيم الطوابير بطريقة تحفظ كرامة النساء وكبار السن. بين دموع التعب وصبر الانتظار، يبقى المشهد شاهدًا على معاناة إنسانية يومية تتكرر أمام مبنى السجل المدني دون حلول جذرية. معاناة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة: لا يختلف حال كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة كثيرًا عن السيدات، إذ يقفون في طوابير طويلة أو يجلسون على الأرصفة أمام السجل المدني في الواسطى دون مقاعد أو ممرات مخصصة لهم. يصل بعضهم متكئًا على عصاه أو على أذرع أبنائه، ويضطرون للانتظار بالساعات حتى يتمكنوا من الدخول إلى المكتب المزدحم. يقول أحد المسنين من قرية قمن العروس: "عندي 70 سنة، وجيت أعمل بطاقة الرقم القومي، قعدت على الرصيف ساعتين عشان ماقدرتش أقف."
ويروي آخر من قرية أبوصير أنه اضطر للعودة إلى بيته دون إنجاز معاملته بعد أن أغلق المكتب قبل دخوله، مؤكدًا أن "الطوابير الطويلة تقتل اليوم كله". يطالب الأهالي بتخصيص شباك خدمة سريع أو أولوية دخول لكبار السن وأصحاب الإعاقات، مؤكدين أن احترام تلك الفئات واجب إنساني قبل أن يكون إداريًا. أسباب الأزمة: 1. كثافة سكانية عالية مركز الواسطى يضم أكثر من 650 ألف نسمة، ولا يوجد سوى مكتب سجل مدني واحد يخدم هذا العدد الكبير. القادمون من قرى مثل قمن العروس، بني حدير، صفط الشرقية، والميمون يضطرون إلى السفر لمسافة تتراوح بين 10 إلى 20 كم لإنجاز أوراقهم. 2. قلة الموظفين وضعف التجهيزات عدد النوافذ داخل المكتب لا يتجاوز 5 شبابيك خدمة فقط، في حين يقف المئات يوميًا أمام البوابة، ما يسبب اختناقًا إداريًا وتأخيرًا في تسليم الطلبات. 3. غياب النظام الإلكتروني الكامل رغم التحول الرقمي في بعض المصالح، إلا أن الإجراءات ما زالت تتم يدويًا في أغلب الخدمات، مما يزيد من زمن الانتظار ويؤدي إلى تكدس المواطنين. 4. مشكلات المواصلات والطرق يعاني القادمون من القرى من نقص المواصلات، خصوصًا في الصباح الباكر، مما يضطر بعضهم للقدوم سيرًا على الأقدام أو بسيارات أجرة أو بالتوتوك بتكلفة مرتفعة. شهادات من الأهالي: المواطن من القرية الشكوى الأساسية محمود.ع قمن العروس "بنقعد بالساعات علشان شهادة ميلاد أو قيد عائلي." منى.س صفط الشرقية "مافيش ظل ولا كراسي.. والناس واقفة بالشمس." خالد.أ الميمون "محتاجين سجل مدني فرعي في القرى الكبيرة بدل الزحمة دي." ماسورة مياه دائمة الطفح.. الأهالي يقفون في المياه لإنهاء معاملاتهم: في مشهد يختصر الإهمال والمعاناة، تطفح ماسورة مياه رئيسية أمام سجل مدني الواسطى بشكل شبه دائم، لتتحول المنطقة إلى بركة من المياه الراكدة تختلط بالطين والقمامة. يجد المواطنون أنفسهم مجبرين على الوقوف وسط المياه أثناء انتظار دورهم للدخول إلى السجل، فيما تتساقط قطرات المياه من المواسير المكسورة بلا أي تدخل يُذكر. تقول إحدى السيدات وهي تحمل أوراقها بحذر فوق يدها: "بنقف في الميه كأننا في سوق سمك.. والمكان بقى خطر على الأطفال وكبار السن." ويؤكد الأهالي أن المشكلة مستمرة منذ شهور رغم البلاغات المتكررة، دون أن تتحرك الجهات المعنية لإصلاح الماسورة أو تمهيد الطريق، مما جعل المشهد اليومي أمام السجل المدني أقرب إلى مأساة إنسانية تُغرق الكرامة في المياه.
ردود المسؤولين مصدر بمحافظة بني سويف (رفض ذكر اسمه) أوضح في تصريحات محلية أن هناك خطة لتطوير مكاتب السجلات المدنية بالمراكز ضمن مبادرة التحول الرقمي، تشمل زيادة عدد الموظفين وتوسيع المقرات. كما أشار إلى أن مديرية الأمن بالتنسيق مع مصلحة الأحوال المدنية تدرس إنشاء فرع جديد أو نقطة خدمات متنقلة لخدمة قرى مركز الواسطى لتخفيف الضغط عن المكتب الرئيسي. مطالب الأهالي: 1. توسعة مبنى السجل المدني الحالي أو نقل المكتب إلى مقر أوسع. 2. تعيين موظفين إضافيين لتسريع إنهاء المعاملات. 3. إنشاء سجل مدني فرعي في قرى كبيرة مثل قمن العروس لخدمة القرى المجاورة. 4. توفير مظلات ومقاعد انتظار أمام المكتب لحماية كبار السن والنساء. 5. تطبيق نظام الحجز الإلكتروني لتقليل الزحام. المشكلة ليست في المواطنين، بل في غياب التخطيط الإداري لتوزيع الخدمات على عدد السكان. ففي الوقت الذي تتجه فيه الدولة للتحول الرقمي، لا يزال مواطنو الواسطى يقفون في طوابير من "القرن الماضي" لإنهاء أوراقهم الرسمية، ما يجعلهم يشعرون بأن الريف ما زال بعيدًا عن مظلة التحديث. تظل مأساة الأهالي أمام سجل مدني الواسطى صرخة متكررة تطالب بالحل قبل أن تتحول إلى أزمة دائمة. فكل مواطن يقف في تلك الطوابير لا يبحث عن رفاهية، بل عن حقه في خدمة كريمة وسريعة تحفظ كرامته وتوفر وقته. ويبقى الأمل أن تستجيب الجهات المعنية لتلك المعاناة اليومية التي تختصر في مشهد بسيط: مواطن يحمل أوراقه منذ الفجر، واقف أمام باب مغلق، ينتظر أن تُفتح له نافذة من الحل.