طبقا لنظرية المؤامرة، (وهي مشروعة أحيانا)، فإن أجهزة الأمن المصرية لم تقاوم عملية اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة لإعادة إحياء قانون الطوارئ!!. وطبقا لنظرية المؤامرة أيضا، (وهي مشروعة هنا دائما)، فإن إسرائيل تتعمد إثارة الرأي العام المصري، وقتل جنودنا علي الحدود، ودعم العمليات الإرهابية في سيناء.. لتستثمر انشغال مصر بثورتها، واقتصادها المنهار، وفوضتها الأمنية لتحقق مخطط "الوطن البديل" للفلسطينيين، ويتم تهجير أهالي غزة إلي سيناء، كجزء من أحلام الكيان الصهيوني المزمنة " إسرائيل من النيل إلي الفرات"!. لا أدعي أنني أفاجئ القارئ بمخاوف جديدة، أو أن المجلس العسكري الحاكم في غفلة عن أطماع إسرائيل.. لكني فقط أفكر بصوت مرتفع. ولنبدأ من تصريحات (أو تهديدات) الباحث الأمريكي "وليام كوانت" الذي عمل مستشارا للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيسين "نيكسون" و"جيمي كارتر" لجريدة "اليوم السابع".. التي أكد فيها صراحة أن التفكير في إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد" يعني: (دخول القوات الإسرائيلية لسيناء، وخوض مصر حربا جديدة، وهي ليست مستعدة لذلك الآن)، تلك هي النقطة الجوهرية للرد علي المطالبة بإلغاء "كامب ديفيد" في هذه المرحلة الانتقالية من عمر الوطن. أنا مثل ملايين المصريين أناصب الكيان الصهيوني العداء، وأرفض كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، ومهانة الوجود الأمني الضعيف لمصر علي الحدود.. ارفض -مثل كل المصريين- صفقات تصدير الغاز بالبخس إلي العدو الإسرائيلي.. لكن، لا يمكن أن نخسر "الأرض" كدليل علي وطنيتنا، ورفضنا للممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة!. لا يمكن أن أقضي علي حق عودة الفلسطينيين لأراضيهم بتقديم "الوطن البديل"، أو أشارك في تحقيق الحلم الصهيوني باستعادة سيناء!!. لقد رأيت بنفسي دموع المشير "عبد الغني الجمسي" رحمه الله، وهو يحدثني عن المفاوضات حول عدد القوات المصرية في سيناء.. والآن نري جميعا مأساة تدني التواجد المصري في سيناء فمن الجنون أن نعطي ذريعة سياسية لإسرائيل لدخول أراضينا (كما فعلت عدة مرات) بحجة حماية أمنها!. لابد أن يكون الغضب الشعبي ورقة ضغط علي العدو، و ليس ورقة مساومة في يد العدو.. لكننا حولنا الغضب إلي فوضي بلا هدف محدد، وأصبح كل همنا طرد السفير وكأننا لا نري حجم الأسلحة التي تدخل سيناء، ولا الجواسيس الذين يعيثون فيها فسادا. لقد أصبحت الأنفاق السرية مع قطاع غزة رمز التعاطف مع الشعب الفلسطيني، لكن لا أحد يسأل ما الذي تصدره لنا؟. لا أحد يسأل أصلاً هل نحن الآن مستعدون لمواجهة العالم أجمع بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد؟.. فقط أسأل، ربما نستعيد رشدنا لنتأمل المعركة الدبلوماسية التي يخوضها الفلسطينيون الآن بلا سند.. فلسطين تسعي للحصول علي عضوية الأممالمتحدة، لتكون بذلك دولة مستقلة.. في ظل رفض أمريكي وانقسام أوروبي، فلماذا لا ننظم مليونية لدعم فلسطين بدلا من الاشتباك مع الجيش والشرطة كما حدث يوم اقتحام سفارة العدو؟. لابد أن نعترف أن الثورة في واد، والمجلس العسكري والدبلوماسية المصرية في واد آخر.. وهذا ليس معناه أن طرفا منهما علي حق والآخر باطل، لكن معناه الحقيقي أن آليات الثورة هي الحماس والاعتصام والتظاهر أو حتي تجاوز القانون الدولي الذي يحمي السفارات الأجنبية.. وعلي النقيض من ذلك تتحلي الدبلوماسية عادة بالصبر وأهم أدواتها التفاوض وحسابات النتائج قبل الأهداف. تسقط "كامب ديفيد".. وتسقط إسرائيل وكل من يدعمها، حتي لو كانت كلماتي تعلق في رقبتي تهمة "معاداة السامية".. هذا من طبيعة أي ثائر، لكن حماية الحدود والحفاظ علي الوطن من مهام أي رجل عسكري.. والفرق بين "الطبيعة" و"المهمة" كبير !!. "كامب ديفيد" اتفاقية ملعونة، لكن لا يجوز استخدامها لكسب جماهيرية أي مرشح للبرلمان أو للرئاسة!. إنها خنجر مسموم موجه لصدورنا جميعا الفلسطينين قبل المصريين، وليست وزارة نغيرها بمليونية في ميدان التحرير.. فإن شئتم الحرب علي الأقل اختاروا التوقيت بدقة. ما أسهل أن أكتب مقالا ألعن فيه الجميع، لأكسب شعبية مزيفة.. وما أصعب أن تقول الحقيقة في عالم متوتر وثوار أعصابهم عارية ومكهربة.