حدد المجمع المقدس شروطًا للراغبين فى الدخول إلى سلك الرهبنة، منها الحصول على مؤهل دراسى مناسب أو خطاب تزكية من أب الاعتراف ومن الأسقف، وغيرها من الشروط، وفى المقابل وضع كل دير بالإضافة إلى ذلك شروطًا خاصة به لقبول الراغبين فى الرهبنة، وهو ما أوجد بورصة للمزايدة بين الأديرة فى وضع الشروط استنادًا لشهرة المكان، والترقية منه إلى درجة أسقف، ومن ثم مطران، وعدد من البطاركة الذين خرجوا منه، فيما تتراجع الشروط إلى أدنى حدودها فى الأديرة التى لا تتمتع بشهرة كبيرة. الشروط العامة التى وضعها المجمع المقدس شروط بديهية لا تحمل فى طياتها أى تصنيفات طبقية تتعلق بمستوى المؤهل الدراسى أو عمل المتقدم للرهبنة، فى حين تهتم التصنيفات الداخلية للأديرة بالتمييز بين المتقدمين، وتتلخص شروط المجمع فى أن يكون طالب الرهبنة مسيحيًا أرثوذكسيًا على دراية بطقوس الكنيسة وألحانها، ولديه أب اعتراف ويشهد له بمداومة العبادة، وحاصل على مؤهل جامعى أو بكالوريوس الكلية الإكليريكية ولايزيد عمره على 30 عامًا، ولا يقل عن 23 عامًا، ويكون من المترددين على الدير ويعرف رهبانه ويعرفونه، ولم يسبق له الزواج أو الخطبة، وبحالة صحية ونفسية جيدة.
فى برية شيهيت بوادى النطرون التابعة لمحافظة البحيرة، تقع أهم وأكثر الأديرة شهرة محليًا وعالميًا، وهو ما رفع بورصة الشروط إلى أقصى معدلاتها والتى تجاوزت المعايير الدينية والعمرية والتعليمية إلى أن وصلت لشرط التزكية من أساقفة، وعدد لا بأس به من الرهبان «توصية»، ووصلت إلى مستوى طلب «واسطة» للقبول استنادًا لسمعة الدير واحتمالية أن يصبح الراهب أسقفًا أو حتى بطريركًا للكنيسة فى المستقبل، وكذلك سمعة وشرف الانتماء إلى أهم الأديرة التى تعتز بها العائلات القبطية. والأولوية والفرصة لخريجى كليات القمة من الطب والهندسة والألسن، بينما تنعدم الفرصة تمامًا أمام خريجى كليات التجارة والآداب والحقوق، وسن المتقدم عامل آخر وكذلك المناصب والشركات التى التحق بها، فكلما كان أصغر من 30 عامًا ووصل إلى منصب كبير فى إحدى الشركات الكبرى ارتفعت أسهمه وزادت فرص قبوله، مع الحصول على قبول ودعم من رهبان الدير، وكذلك رئيسه والربيطة «مشرف ونائب رئيس الدير». وقد خرج من دير الأنبا بيشوى وحده نحو 35 أسقفًا، فضلًا عن الأساقفة من رؤساء الدير نفسه، و3 بطاركة منهم البابا تواضروس الثانى، ومن دير البراموس 28 أسقفًا و7 بطاركة من بينهم الراحل البابا كيرلس السادس، ومن السريان 33 أسقفًا وبطريركيان منهم الراحل البابا شنودة الثالث، ما يعنى أن آخر 3 بطاركة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ 1959 حتى الآن خرجوا من أديرة وادى النطرون.
تعتبر أديرة الصعيد على قمة الهرم، ولها قدسيتها العالية، وتأتى فى المنزلة التالية لأكبر منطقة رهبانية فى العالم، وهى وادى النطرون، وفى مقدمة أديرة الصعيد دير المحرق الذى سيم منه 26 أسقفًا، وقدم الدير 5 بطاركة فى تاريخ الكنيسة، ولذلك تعتبر شروطه للقبول فى الرهبنة عالية لكنها أقل فى شدتها من أديرة وادى النطرون. ويتمسك المحرق بمسألة الحصول على مؤهل جامعى، وتعتبر كليات القمة ميزة إضافية لكنها ليست شرطًا أساسيًا، وتظل أولوياته فى الحصول على مؤهل دينى مثل الكلية الإكليريكية أو معهد التربية الكنسية شرط هام، إلى جانب ضرورة التردد على الدير لسنوات سابقة أمر ضرورى، ليتمكن سكان الدير من التعرف على الشخص وروتينه فى الصلوات والعبادات، وكذلك التودد لرهبانه وقياداته.
حصل دير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر على عدد من الأساقفة، حيث خرج من دير الأنبا بولا 9 أساقفة، من بينهم الأنبا يؤانس أسقف أسيوط وسكرتير البابا شنودة، و3 بطاركة، أما دير الأنبا أنطونيوس فخرج منه 5 أساقفة من بينهم 2 من مطارنة الكرسى الأروشليمى، أحدثهما الأنبا أنطونيوس المطران الحالى، كما خرج منه 10 بطاركة. وتعد أديرة البحر الأحمر مقصدًا هامًا للشباب الراغبين فى الحصول على خلوة روحية «فترة اعتكاف للعبادة والصوم»، وقوانينه أقل شدة من تلك التى تحددها أديرة وادى النطرون وكذلك الصعيد، وتهتم بالأساس بالتقرب من الدير وكثرة التردد عليه، وقد تستثنى شرط الحصول على مؤهل جامعى، وشرط الحصول على موافقة رئيس الدير، أو مؤهل من إحدى الكليات الدينية. ويأتى دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون بالمنيا فى مرتبة عالية، بالرغم من خروج عدد من الأساقفة منه، فضلًا عن قديسين معاصرين تنيحوا فى وقت قريب، ويقبل الدير الحاصلين على مؤهلات متوسطة ولا يحتاج إلى وساطة، كما أنه لا يهتم بالمستوى المالى والاجتماعى للعائلة، وقد يقبل فى بعض الأحيان طالبى رهبنة متقدمين فى العمر، شرط ألا يكون سبق لهم التفكير فى الزواج أو الخطبة أو غيرها.
بالرغم من شهرة دير أبو مقار بوادى النطرون دوليًا، إلا أنه على المستوى المحلى ليس من الأديرة المحببة إلى قلب أى بطريرك لاختيار رهبان منه، وقد خرج منه علماء فى اللاهوت والتاريخ والفن والعمارة القبطية، لكن موقف الراحل البابا شنودة من رئيس الدير الأب متى المسكين، يجعله من الأديرة غير المحببة رغم محاولات البابا تواضروس إدماج الدير فى حياة الرهبنة والكنيسة، لكن الأساقفة القدامى أصحاب الفكر الأصولى والمتبنين لآراء البابا شنودة وكذلك جريمة قتل رئيس الدير، تجعل العوائق كبيرة أمام البابا تواضروس، ولم يقبل الدير رهبانًا جددًا منذ سنوات، كما أن شروطه أكثر صرامة وشدة من أى دير آخر لأنه يهتم بالعلم والبحث العلمى، وكذلك طول أوقات العبادات وتشددها، ولم يخرج منه أساقفة منذ سنوات سوى رؤسائه فقط. أما باقى الأديرة الأخرى التى تقبل رهبانًا ذكورًا، فهى الأقل فى تخريج أساقفة، وبالتالى الأقل شروطًا، ومنها أديرة أبو فانا ووادى الريان بالفيوم، ودير الشايب الأنبا باخوميوس بالأقصر، والأنبا شنودة بسوهاج، ودير الأنبا بيشوى، والأنبا بيجول بسوهاج. وجميع هذه الأديرة لا تضع شروطًا تتجاوز تلك التى حددها المجمع المقدس، بل على العكس قد تقبل استثناءات مثل المؤهل المتوسط أو أقل، والبعض ممن رسموا رهبان لم يكونوا شمامسة، ولا يجيدون قراءات الألحان والطقوس. ما يؤكد على أن تشدد الشروط مرتبط فقط بالشهرة وكثرة الترقيات إلى رتب الأسقفية، وتخفف الشروط فى الأديرة التى تقبل رهبنة الفتيات، فلا تشدد فى المؤهل الدراسى ولا العمر، وتقبل من مرت بفترة خطبة، وتبرر الأديرة ذلك بأن الفتاة قد تكون تعرضت لضغوط أسرية، كما أن الفتاة فى النهاية لن تحصل على أى منصب كنسى.