قدمت التماسا للرئيس السيسى بعد 27 عامًا سجنا وقَبِلهُ بعد 15 يومًا عم عجمى: هربت من عشماوى مرتين وأصبح صديقى حصلت أكثر من مرة على لقب السجين المثالى وإدارة السجن كانت تعتمد علىّ فى تهدئة المساجين والدتى لم تتحمل الظلم الذى وقع علىّ وفارقت الحياة أمام عينى «ياما فى الحبس مظاليم» مثل شعبى دارج يطلق على من أوقعهم حظهم العثر خلف القضبان ظلما، فكثيرا ما نسمع عن حكايات حول مساجين قضوا عقوبة السجن فى قضايا لم يرتكبوها، فى السطور التالية قصة أحد هؤلاء المساجين الذين قضوا نحو 27 عاما خلف القضبان وأخيرا أفرج عنه بعفو رئاسى. «27 سنة من عمرى ضاعوا هدر كنت بموت بالبطىء فى كل يوم يمر عليا داخل زنزانة السجن وأنا مترقب تنفيذ حكم الإعدام ظلم دون ذنب .. مبقتش عارف أعيش وسط الناس حاسس بغربة شديدة بعد خروجى، الشوارع غريبة والناس أكثر قسوة».. بدموع تزرف، وقلب يئن بالوجع، وروح أرهقتها كثرة الماسى التى حملها فى جعبته منذ قرابة ثلاثين عامًا قضاها داخل أسوار السجن؛ يبدأ ابن قرية اسنيت بمحافظة القليوبية، عبد الفتاح على العجمى (52عامًا، سائق)؛ بسرد قصته المؤلمة التى باتت معاناة ممتدة معه حتى هذه الساعة التى يعيشها خارج السجن وبين أهالى قريته، معقباً «مش عارف أعيش وسط الناس.. أنا أرجع السجن تانى أعيش جواه أهون عندى بكتير من العيشة مع مجتمع بيعاقبنى على ذنب معملتهوش». داخل شقة بسيطة مجردة من جميع الخدمات، يجلس الرجل الخمسينى على سجادة الصلاة، يصمت قليلاً ليسترجع ذاكرته ويعود مرة أخرى فاتحاً قلبه ل«الفجر» متحدثاً عن الظلم الذى تعرض له كاشفًا مأساة إنسانية بحجم الآلام التى تجرعها عقب سجنه كل هذه السنوات والحكم عليه بالإعدام دون ارتكاب جريمة،قضى خلالها رحلة قاسية مدتها 27عامًا حتى خرج بعفو رئاسى فى نهاية عام 2017، مضيفاً «دخلت السجن حينما كنت شاباً على مشارف ال22 عامًا من عمرى وخرجت منه شيخاً عجوزا على أعتاب ال50 هكذا قدر الله لى وأنا رضيت بما شاء الله». وعن سبب دخوله السجن يقول: «فى تمام الرابعة عصراً يوم الثلاثاء، الموافق الخامس من شهر فبراير عام 1991 أثناء عودتى من العمل فوجئت ببعض رجال مركز شرطة كفر شكر متواجدة داخل شقتى لإلقاء القبض عليٍ لاتهامى بقتل سيدة عجوز بدافع سرقة مجموعة مجوهراتها الخاصة، وبعض الأموال»؛ متابعاً «معرفتش كده إلا لما قبضوا عليا وهما بيحققوا معايا داخل القسم ..مكنتش عارف أعمل إيه الناس كلها والجيران بقوا يقولوا لا عبد الفتاح ميعملش كده ده مظلوم وكلنا نشهد بحسن خُلقه وتدينه الشديد». واستطرد فى حزن شديد: «تعرضت وأسرتى لتعذيب بطريقة أكثر وحشية كوسيلة ضغط للاعتراف على ارتكاب جريمة لم أفعلها»، مردفاً: «فى تلك المرات قام أحد رجال الشرطة بتعذيب والدتى أمام عينى لكى أعترف بارتكابى تلك الواقعة أنى قُمت بقتل جارتنا السيدة المسنة ولكن والدتى السيدة الكبيرة فى السن لم تكن تتحمل حفل التعذيب البشعة التى تعرضت لها ولفظت أنفاسها الأخيرة من شدة الاعتداء ضرباً عليها وفارقت الحياة أمام عينى». ويستكمل عجمى الذى قضى فى بداية القبض عليه 60 يومًا داخل مركز الشرطة خاضعاً لتحقيقات إنه حُكم عليه بالإعدام فى درجتين تقاضى، الأولى فى الدرجة الأولى، والثانية فى محكمة الاستئناف، ثم خُفف الحكم إلى المؤبد، بعد خمس سنوات قضاهم فى سجن انفرادى، ذاق فيه معاناة لن ينساها، مؤكدا أن الكثير من الصحف المصرية آنذاك تحدثت عنه بالإضافة إلى الصحفى حسين عبد القادر الذى تبنى قضيته منذ نحو 20 عامًا. ويستشهد «عبد الفتاح العجمى» خلال حواره مع جريدة «الفجر» بقصاصات من صحف قومية نشرت عنه منذ أكثر من 19عامًا ؛توكد عدم تورطه فى القضية واعتراف مرتكب الواقعة الحقيقى عام 2003 بعدما قضى 13عامًا داخل السجن. وكان القدر يلعب دوراً كبيراً فى قضية «عجمى» الشهيرة وأثناء قضاء مدة حبسه داخل سجن شبين الكوم فوجئ بأحد أبناء قريته يدخل السجن فى قضية أموال عامة، وبحكم أقدميته فى السجن قدم له كل ما يحتاجه من دعم مادى ومعنوى. واستكمل: «موقفى الرجولى مع ابن بلدتى كان سبباً أساسياً فى تحريك ضميره، فقد اعترف السجين الجديد لرفاق الزنزانة بأنه القاتل الأصلى، فى الجريمة التى اتهمت فيها، وقاموا رفاق الزنزانة بتدعيم موقفى، بإبلاغ إدارة السجن باعتراف السجين الجديد، لتتحول القضية إلى النيابة من جديد، ويُعاد التحقيق فيها، ومع الوقت قُفلت القضية مرتين»، ولم ييأس العجمى من السعى نحو براءته مثلماً أوضح. وأكد «عجمى» أن هذا التحول القدرى فى القضية دفع مدير تحرير جريدة أخبار اليوم، حسين عبد القادر، لمساعدته وقتها، والتقاه فى السجن، وقدم عددًا من الالتماسات لرفع الظلم عنه، لافتا إلى أنه حصل أكثر من مرة على لقب السجين المثالى بسبب التزامه وانضباطه، إضافة إلى أن إدارة السجن كانت تعتمد عليه فى تهدئة المساجين والسيطرة عليهم؛ نظرًا لأقدميته داخل السجن وبما يتمتع به من احترام وتقدير لديهم . يصمت «عبد الفتاح» لغصون دقائق عائدا بذاكرته للخلف نحو 20عامًا وهى بداية فترة السجن متذكراً لحظة الحكم عليه بالإعدام ويلتقط طرف الحديث مرة أخرى عنها قائلا: «كانت أيام صعبة جدا مش قادر أمحيها من ذاكرتى خاصة أنى قعدت 5 سنين داخل غرفة الإعدام منتظراً موعد تطبيق الحكم عليّ». ويكمل: «فى تلك المرات قام الصول على سلطان الشهير بعشماوى بالدخول عليا داخل غرفة محبسى لكى يمزح معى ويخبرنى بأن موعدى قد اقترب، قالى جهز نفسك ياعجمى عشان الدور عليك.. بعدها حسيت بخوف شديد جدا وخصوصاً أنى مظلوم»، مشيرا إلى أنه جلس مع عشماوى أكثر من خمس سنوات واصبحوا أصدقاء يقصون على بعضهم الروايات، مضيفا «عم على عشماوى كان بيحبنى أوى وبيقولى ياعبد الفتاح مش عاوزك تخاف منى ده قضاء ربنا و أنا حاسس يابنى أنك بريء». وعن رفقائه داخل السجن الذين تم تنفيذ عقوبة الإعدام عليهم يقول «فى ناس كتير كانت مسجونة معايا اتحكم عليهم بالإعدام والحكم اتنفذ على طول.. كنا بنكون نايمين ووقت أذان الفجر نسمع صوت مفتاح باب الزنزانة نقوم بسرعة نلاقى عشماوى داخل ياخد زميل لنا عشان ينفذ عليه الحكم بنصحى نودعه وندعيله ونعمله خاتمة قرآن على روحه ونطلب من ربنا يصبرنا على فراقه..كنا بنحس بوجع وحزن شديد جدا بعد تنفيذ الحكم عليهم .. ناس كتير كانت مظلومة واتعدمت ظلم وفراقهم كان مأثر فينا جامد». أما كواليس عفو الرئيس السيسى عنه يقول العجمى «كنت قد يأست من كثرة الالتماسات وطلبات العفو، فقررت أن أكتب خطابًا طريفًا إلى الرئيس السيسى، أطلب منه الخروج لمشاهدة مونديال كأس العالم، وزيارة قبر أمى، والعودة مجددًا إلى السجن». وأوضح العجمى أنه كتب مزحة فى خطابه إلى الرئيس، معبرا له عن إصابته بالملل من هدف مجدى عبد الغنى، قائلا: «أريد أن أشاهد هدفًا جديدًا للمنتخب المصرى الذى لم يشارك منذ مونديال 1990»، أى قبل دخوله السجن بعام تقريبا، متابعا «ياريس أنا موجود هنا فى السجن من وقت جول مجدى عبد الغنى وبصراحه زهقت جدا.. نفسى أتفرج على مباريات المنتخب المصرى لأنى لم أشارك منذ فترة بعيدة». ويضيف: «كانت المفاجأة الصاعقة، أنه بعد 15 يومًا فقط، جاءنى رد الرئيس، وفوجئت بقيادات من الداخلية تمزح معى، مدير مباحث المصلحه قالى حضر نفسك علشان تسافر روسيا»، ثم خرجت مباشرة من السجن بعد هذا الموقف ولم أكن أصدق نفسى من شدة الفرحة». منذ قرابة الثلاث سنوات خرج «عبد الفتاح العجمى» من السجن حاملاً معه الحسرة والانكسار على ما فاته من عُمره، لم يسلم ذلك الرجل بعد ظهور براءته من وصمة العار التى أصابته باقى حياته دون اقترافة أى ذنب، فيقول العجمى بدموع تغلبها الوجع: «من يوم ماخرجت من السجن وأنا حاسس إنى عايش غريب وسط أهلى وجيرانى ..مبقتش عارف أعيش إزاي؛ الجميع يتنمر عليا ويحذر المعاملة معى وكأنى مسجل خطر.. لم أجد عملا ولا سكناً فقدت كل شىء»، مشيراً إلى أنه بعد خروجه من السجن وجد ابنته الوحيدة «ولاء» متزوجة ولديها أطفال. قرر «عبد الفتاح» بعد الإفراج عنه بعفو رئاسى البحث عن عروسة لطلب يديها للزواج ولكنه لم يحظ بذلك الأمر أيضا مؤكداً أنه رفض أكثر من مرة كونه «سوابق» على حد قوله» كل ما اتقدم لواحدة أهلها يرفضونى ويقولولى معندناش بنات لجواز أنت رد سجون وسوابق ونخاف على نفسنا منك». وقبل مرور ستة أشهر حالفه الحظ بمقابلة إحدى فتيات قريته أثناء ذهابها إلى شراء طلبات المنزل وتقدم لأسرتها لطلب يديها للزواج بشكل رسمى وافقت الفتاة وأسرتها عليه معقباً: «دى مراتى شيماء ربنا عوضنى بيها وبحنيتها وطيبة قلبها عن كل حاجة وحشة عشتها وشوفتها فى حياتى .. أصغر منى ب «30» سنة بحسها بنتى مش مراتى مستحملانى ووقفت جنبى نفسى ربنا يقدرنى عشان أرد لها ولو جزء بسيط من جمايلها معايا». واختتم «عبدالفتاح العجمى» حديثه مناشداً الجهات المعنية ورئيس الجمهورية بتوفير سكن له ومصدر دخل كى يتمكن من العيش وتوفير مستلزمات أسرته قائلاً «ياسيادة الرئيس أرجو من حضرتك مساعدتى أنا بعتلك طلب التماس عام 2017 وقت وجودى داخل السجن وحضرتك قمت بالرد عليا بعدها ب 15يوما ووجدت اسمى ضمن المفرج عنهم بعفو رئاسى أرجو من سيادتك توفير شقة أسكن بها،ووظيفة محترمة أعمل بها»، مرددا: «ياريس أنا ابنك وأنت دايما عون وسند أولادك رديت فيا الروح لما أفرجت عنى.. أنا عارف ومتأكد أنك مش هتسيبنى وهتقف معايا وتلبى ليا كل طلباتى».