في إحدى أزقة منطقة المبيضة وتحديدا خلف المسجد المعلق يعمل عم " محمد محمدين" أقدم بائع مخلل فى مصر، والذى أخذ تصنيع المخلل كفكرة مشروع يوفر له دخلا، للأنفاق على أسرته، حيث يتعدى عمر المحل الذى يصنع به المخلل 68 عاما. وبالرغم من أنه يبلغ من العمر 87 عاما " إلا أنه يتمتع بذاكرة فولازيه، وحيوية الشباب، أنه الشيخ محمد محمدين والذى ولد فى عام 1931 من القرن الماضى، وأمتهن مهنة تصنيع وبيع المخلالات منذ 1950، وهو ما يعتبر أقدم وأشهر بائع للمخلالات "والطرشى" فى محافظة الفيوم، زاع صيته، حتى وصل لبلدان أوربا، ودول الجزيرة العربية، إلى جانب محافظات مصر من الأسكندرية حتى أسوان. ويروى "الشيخ محمد" إلى "الفجر": قصته مع المهنه قائلا " بدأت تصنيع المخلل فى عام 1950، وكانت هوايه ولم تكن مهنة، والدى الذى كان موظفا فى المساحة، وهى كانت فكرة مشروع يوفر لى دخلا، للأنفاق على أسرتى، وبالفعل بدأت بتخليل، اللفت والزيتون والبصل، وكان الكيلو لا يتعدى قرش صاغ وذلك خلال خمسينات القرن الماضي. وتعلمت أصول المهنة الذى لازلت أعمل بها حتى الآن وهى سر نجاح وشهره المحل والتى من أهمها النظافة وعمل المخلل فى أوانى نظيفة والبعد عن الألوان الصناعية المضرة بالصحة، ولهذا فإن المخلل الذى أقوم بتصنعيه يكون بدون رائحة نهائيا". ويضيف فى هذا الوقت كان الزبون، يطلب نصف كيلو خلال شهر رمضان، فى حين كنا ننظر لمن يطلب 2 كيلو من المخلالات والطرشى من الأشياء الفريدة وغير المألوفة. ويضيف أنه يتم أختيار نوعية المخلالات حيث نأتى " بالفت " المزروع على جسور الحقول، بعيدا عن نظام الأحواض والمساحات الكبيرة، كما نجلب الجذر من " بنها " واللفت يتم جلب بذورة من اليابان ويتم زراعته بقرية العدوه وهى نوعية تتحمل الملوحة، والفلفل من محافظة المنيا، والزيتون من محافظتى العريش ومرسى مطروح، كما نأتى ببذور القرنبيط من الأردن، وزراعتها فى الفيوم، ونستعيين بالبصل والليمون من قريتى شعلان وفيديمين بالفيوم. وأكد أن أغلب المخلالات من زيتون وليمون وجذر الذى يصنع حاليا ويعرض فى الأسواق، بنظام" السلق " فى المياه المغليه، وهو ما يعرضها للتلف بشكل سريع، ومزاقها غريب، حيث تبدأ عملية التصنيع والتخزين، قبل مجيئ شهر رمضان ب 11 شهرا، ويتم وضعه فى براميل، ثم يتحول إلى كرنفال ألوان، داخل " البرطمانات ". كما يتم تصنيع الزيتون الأسود على الطريقة اليونانية، وهى أفضل الدول فى تصنيع وتخليل الزيتون. ويذكر عم "محمد" أن من أشهر زبائنة، الدكتور يوسف والى، نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة الأسبق، والذى كان يرسل له مندوبا شهريا، لشراء الزيتون والليمون والخيار، كما أن الفنانه نجلاء فتحى، أبنة الفيوم، ترسل له قبل رمضان أحد أقاربها لشراء أحتياجاتها من " الطرشى " والمخلل، بالأضافة محافظ الفيوم الراحل، الدكتور حمدى الحكيم كان أحد زبائنه، ومعة اللواء السيد البدوى مدير أمن الفيوم الأسبق، كان يحرص على شراء المخلالات منه. يعبر "عم محمد" أنه في حالة استياء شديد "أى حد دلوقتى بيشتغل مخللاتى وناس كتير بصوا للمهنة" على اساس الربحية فقط، وهذا أثر على المهنة فأصبح هناك دخلاء كثيرين فأصبح بائع الفول وماسح الأحذية وحتى الموظف أصبحوا جميعا يعملوا تصنيع المخلالات، مما أدى إلى فقدان أصول المهنة التى أحاول أن استرجعها وأعمل بها، والتى أهمها النظافة والمصدقية. يقول "محمد" إن الإقبال على شراء المخلل فى رمضان قل نسبيًا عن السنوات الماضية، لأن كثير من الناس تفضل أن تعد طبق سلطة طازج، ولكن هناك زبائن دائمين للمخلل وموجودين حتى الآن ويترددون باستمرار عليه. يذكر "محمد " أن المخلل المفضل لدى الشعب المصرى هو البصل والخيار، ولكن الخيار مطلوب "الحرفنة فى تخليله" حتى يزيد الإقبال عليه وحتى لا يتأثر بحرارة الجو.