أعتذر عما تركت لكم فى مقالى السابق من شعور بالحزن أو الضيق ولكن هكذا كانت الظروف ، وهكذا مررت بها ولكن سرعان ما تغيرت الأمور. بعد اليوم الأول وقسوته ، وجائت الأيام التالية كان هناك إهتمام منى بالعمل رغم (ضئالته) ورغم (دونيته) إلا أننى إهتممت جداً بأدائه على أحسن وجه. ولم يمضى اسبوع على هذا العمل إلا أن وقعت حادثة رغم أنها (طريفة) إلا أنها غيرت مجرى الأمور معى !! حيث فى ظهيرة أحد الأيام الأولى وجدت أن جميع الأوانى الالمومنيوم أخذت اللون الأسود من الإستخدام وتذكرت (مبيضين النحاس) عندنا فى "مصر". حيث كانوا يستخدمون (الرمال واللوف) فى دعك أو إحتكاك الرمال بجسم الأنية فتجعلها ناصعة البياض ، وكان داخل المطعم (الحديقة الداخلية) وجدت أن لديهم رمال صفراء ، فأخذت بعض تلك الأوانى وأخذت فى تقليد (مبيض النحاس) فى بلدنا ، لكى تخرج الأوانى ناصعة البياض ولم يشفع لى ذلك البياض على الأوانى من أن يبلغ بعض الزملاء من المطبخ البوليس (بأننى مجنون) بعد أن أغلقوا الجزء المؤدى إلى المغسلة وبعد أن شاهدونى استخدم تلك الرمال والتى كانوا يستوردونها من تونس خصيصاً (للديكور) الخارجى للحديقة. وإنزعجوا حينما شاهدونى ولعدم التفاهم بينى وبين أحد منهم ، كان هذا التصرف وفى غياب السيدة صاحبة المحل فى ذلك الوقت وإذ بالبوليس يأتى لكى يصطحبنى إلى (الجازرمة) وهى نقطة شرطة (فيوميشينو) المركزية !! ومكثت فى مكتب منتظراً التحقيق معى ولم تمضى ساعتين إلا وجاء (المارشال) وهو (قائد النقطة) وفى مفاجأة غير متوقعة وجدته يتحدث معى باللغة العربية بلهجة أولاد البلد فى بولاق (ابو العلا) مش معقول سالته انت مصرى قال نعم كنت مصرى وخرجنا عام 1956 من مصر ، ما هى قصتك وحكيت بل وإستمر الحكى بيننا على فناجين من القهوة والسجائر فى كل شيىء عن مصر وعن الحرب وعن الغد ، وعن مهمتى فى "روما" وأننى خرجت لكى أعمل وإستكمل دراستى العليا وليس بيدى شيىء غير أن أتحمل اى شيىء. وبعد ساعات من الحديث الطيب كانت مكالمته مع أصحاب المطعم ومجىء السيد (اماديو) (صاحب المحل) ويحمل نفس الإسم الذى كانوا قد أعطوه لى وكذلك السيدة (جينا) ولكى أنتقل بعد هذه الواقعة من "عامل غسيل أطباق" إلى "ضيف على العائلة" ، حتى أجد عمل مناسب وحتى أسجل فى جامعة (روما) ولكى إلتحق بمدرسة فى (فيوميشينو) لتعلم اللغة الإيطالية (سينيورا فيتوريا) مدرستى والتى إستطاعت أن تعلمنى التحدث خلال شهر واحد !! وكان اول شيىء قمت به تطبيقياً لإستخدام اللغة الإيطالية أن توجهت لبائع (البيتزا) الذى سلب منى خمسة دولارات وأعطانى قطعة من البيتزا تساوى أقل من نصف دولار ، وإسترديت المبلغ الباقى لى !! وتوجهت إلى جامعة "روما" لكى أبحث عن "تخصص الغزل والنسيج" فلم أجد هذا التخصص ووجدت أن هناك تخصص (أركيدتورا) عمارة (بيتورا) تصوير (اريدمنتو) ديكور اثاث ، وقررت الإلتحاق بالسنة التمهيدية بالتصوير ، وكنت فى المساء أذهب إلى مرسم لأحد كبار المعماريين الإيطاليين (سانت موناكيزى) لكى أقوم (بتحبير) الرسومات من الشفاف إلى الكلك نظير عشرة الاف ليرة للوحة وهذا مبلغ كبير للغاية . وفى أحد الليالى حينما ذهبت لإستلام اللوحات المطلوب تحبيرها وجدت خطاب بضرورة حضورى اليوم التالى فى الصباح لمقابلة السيد(موناكيزى) . وللحديث بقية ....