وحصلت على الموافقة ، وجائت بالإجابة نعم ، يا خبر ابيض عدت إلى بيتى أحمل تصريح السفر وكذلك أحمل هماً عظيماً حيث ليس بمقدورى أن أوفر مصاريف السفر ولا أستطيع مواجهة والدى رحمة الله برغبتى بالسفر حيث كان ذلك يعتبر " دربا من دروب اللا معقول !! " فأسرتى ما صدقت أننى أستلمت العمل ، حيث المرتب هم فى أشد الإحتياج إليه ، وحتى مرتبى أثناء الخدمة العسكرية ، كملازم إحتياط حوالى عشرة جنيهات شهرياً ، فقط ، وكان المرتب برتبة العريف مجند مؤهلات عليا مبلغ أثنين جنية شهرياً ، أى والله العظيم هذه كانت المرتبات ، حيث مرتب المهندس فى الشوربجى لا يزيد عن سبعة عشر جنيهاً شهرياً ، وهم ( أى أسرتى ) فى أشد الإحتياج لهذا الراتب للمساعدة فى مواجهة المعيشة . فكيف لى أن أواجههم برغبتى المجنونة ، أن أسافر وإلى أين لا أعلم !! حتى أنا لا أعلم إلى أين سأسافر فلم أحدد بعد البلد الذى أريد أن أسافر إليه المهم تكون أوربا أو أمريكا ، وليس غيرهم ، وهكذا ، معى تصريح بالسفر ولا أمتلك الوسيلة ، وكنا نقطن فى هذا الوقت أمام كازينو الحمام فى الجيزة ، فى منزل مكون من أصحاب المنزل ونحن فقط ، وأثناء دخولى إلى المنزل وجدت الحاجة المرحومة صاحبة المنزل تجلس فى حديقة المنزل ترعى دواجنها ، وهى كانت سيدة عظيمة طيبة ، وحينما شاهدتنى مرحبة بى ، كعادتها سألتها فى أن أتحدث إليها منفرداً ، وفوراً أخذتنى حيث أنفردت بى وصرحت لها بما يحيرنى وهو أننى فى أشد الإحتياج لمبلغ من المال ، سوف أقوم بسداده فور حصولى على عمل بالخارج ، وشرطى ألا تعلم أسرتى بذلك ، وكان قرارها غداً صباحاً تعالى معى إلى مكتب بريد ميدان الجيزة لكى أعطيك مالدى فى دفتر التوفير ، وهنا إنفتحت طاقة قدر جديد أمامى ، وفى اليوم التالى وفى صباح مُشِمْسَ من شهر مارس ، كان فى دفترالحاجة العظيمة مبلغ ثمانون جنيهاً بالتمام والكمال ، وأعطتهم لى وهى ناصحة لى بالإهتمام بنفسى وبمستقبلى ، وفوراً وطبقاً للقواعد السائدة والتى سردتها فى مقالى أمس ، توجهت إلى مكتب شركة مصر للطيران بجانب سينما قصر النيل ( وسط البلد ) ، وهو مازال موجود ( حتى اليوم وأمام ثلاث سيدات يشغلن المكاتب فى هذا المكتب ، كان سؤالى بعد التحية ، 80 جنية يوصلوا إلى أين ؟؟ وضحكن لى السؤال الغريب ، وقالت إحداهن ، 105 جنية نيويورك ، 95 جنية لندن ، 75 جنية روما ، 55 جنية أثينا ، وهنا كان قرارى أريد تذكرة إلى روما (75 جنيهاً ) وتبقى معى خمسة جنيهات إستبدلتهم ببلغ خمسة عشر دولار ( الجنية بثلاث دولارات أمريكية )!! وفوراً إستخرجت جواز السفر ، ومن التحرير إلى شارع شامبليون مقر السفارة الإيطالية حصلت على تأشيرة إيطاليا فى نفس اليوم فى منتهى الإحترام والتقدير ، والسعادة أيضاً متمنيين لى رحلة طيبة وزيارة سعيدة إلى بلاد الرومان العظيمة!! وتحدد موعد السفر بعد يومين من هذه اللحظة ، وفى طريقى إلى مطار القاهرة صباح ذلك اليوم السابع عشر من شهر مارس ، لم يعلم أحد حيث تركت خطاب لوالدى رحمة الله بأننى ساتغيب أسبوع عن البيت !! وفى أول مرة فى ( طائرة اليوشن ) كانت الساعة التاسعة صباحاً من مطار القاهرة ، وصلت إلى روما الساعة الثانية عشر ظهراً ، لكى أخرج وسط يم من الناس وشكل ثانى للمطارات ، حيث كل التعليمات على اللافتات كلها باللغة الإيطالية ، ولم أعرف غير كلمة Informazione- أى أستعلامات على ما أظن فى ذلك الوقت ، وسألت الموظفة أريد أن أصل مدينة روما ، وبالقطع أنجليزى ( مكسر ) سواء منى أو من الموظفة نفسها ، وفهمت أننى لا أمتلك قيمة تذكرة الأوتوبيس أو القطار من المطار إلى روما حيث المسافة حوالى سبعون كيلو متر ، وكل ما أمتلكة ( خمسة دولار ) هم المتبقين معى ( بعد أن جازفت وأشتريت خرطوشة ( سجاير مارلبورو ) ، والتى كنا نتنشق عليها فى القاهرة ، حيث "الوينجز والهوليود" ، ولم تظهر "الكيلوباترا" بعد ولا حل أمامى سوى أن أستخدم ( قدمى ) للوصول إلى أقرب مدينة من المطار ، حوالى سبعة كيلومترات مدينة "فيوميشينو" !! والمسمى بأسمها المطار ، "مطار فيوميشينو" الدولى ، وخرجت إلى المجهول !! وللحديث بقيه !!