تكية محمد أبو الدهب علامة في تاريخ مصر الإسلامية. متحف نجيب محفوظ سيستقر بتكية أبو الدهب . تكية أبو الدهب شاهد علي عصرين. على بعد خطوات من الجامع الأزهر الشريف تجد بناء مهيب الشكل ذو قبة ضخمة، والتي تعد من أضخم القباب بالقاهرة الإسلامية كلها، وعندما تسأل عن البناء يأتيك الجواب أن هذا هو مسجد محمد بك أبو الدهب.
يقول محمد عبد الرحمن مفتش منطقة الغورية، إن البناء ليس مجرد مسجد وإنما هو مجموعة أثرية متكاملة عبارة عن مسجد ومدرسة وتكية يقع المسجد تجاه الجامع الأزهر، شرع في إنشائه الأمير محمد أبو الدهب سنة 1187 ه - 1703م، وكان أبو الذهب تابعا لعلى بك الكبير أحد أمراء مصر، اشتراه سنة 1175 هجرية -1761م وقلده الإمارة وعرف بأبى الذهب لأنه لما ارتدى الخلعة بالقلعة صار ينثر الذهب على الفقراء في طريقه إلى منزله، وعظم شأنه في وقت قصير إلى أن انفرد بإمارة مصر. ويتابع محمد عبد الرحمن أن مشكلة الآثار الإسلامية بشكل عام أنها وسط المجتمع العمراني مما يعرضها للإهمال والتعديات وعدم الاهتمام الكافي وخاصة في المناطق التجارية أو المجاورة للأسواق الشعبية كما في حالة تكية ومجموعة محمد أبو الدهب.
وأضاف أن الوزارة تسعي جاهدة لعمل مشاريع ترميم بشكل عام، ولكن هذه المشاريع تقلصت بعد 25 يناير، فنجد أن هناك آثار تحتاج إلي ترميم عاجل مثل جامع الفكهاني وحمام السكرية، ومنها المشاريع التي تمت أعمال الترميم فيها وتم فتحها للزيارة كسبيل محمد علي وسبيل نفيسه البيضا وبوابة زويلة، ولكن بدون مشاريع صيانة أي بدون متابعة مستمرة للآثر بعد ترميمه ومتابعة أي "ترييح" يظهر في جدرانه أو علي عناصره المعمارية والزخرفية والتي من المفترض ان يتم معالجتها فورًا، ولأنه بدون مشروعات الصيانة تتدهور حالة الأثر مرة اخري مما قد يؤدي لاحتياجها لمشروع ترميم من جديد.
يقول "باسم الأشقر" مدير عام التعديات الأثرية بمنطقتي الأزهر والغورية، إن تكية أبو الدهب تعد ثاني أهم مجموعة أثرية في القاهرة التاريخية وتجسد روعة العصر الإسلامي بعد مجموعة الغوري، وتتميز بتكاملها ما بين جامع وتكية، حتى أصبحت من أهم التكايا في ذلك العصر.
ويتابع أن تكية أبو الدهب تتمتع بموقع فريد فهي تطل على الجامع الأزهر وعلي شارع الإمام محمد عبده، كما تتقاطع مع شارع الأزهر، وبالقرب منها يوجد خان الزراكشة، وأيضاً تطل علي مجموعة السلطان قصوه الغوري. وتضم التكية سبيلا وكُتابا وحوضا كان يستخدم في السابق للدواب وبها مسجد مكون من ثلاثة طوابق أنشئ للمتصوفة آنذاك، بالإضافة إلي حوض وسبيل ملحقين بالمسجد من الناحية الجنوبية، فيما يطل الحوض والسبيل بواجهتهما الرئيسية علي شارع الإمام محمد عبده بالأزهر تجاه سوق التبليطة.
ويضيف أن كلمة "التكية" هي تطور للفظة "خانقاة" والتي نشرها صلاح الدين الأيوبي للقضاء علي المذهب الشيعي وكان يسكنها المتصوفة، وتطور لفظ خانقاه إلي تكية في العصر العثماني حيث تغيرت وظيفة التكية من دار عبادة للمتصوفة الي مكان يؤوي كل من ليس له مأوي وتقوم السلطنة بالإنفاق عليها من خلال وقف الأوقاف، ومن هنا جائت تسمية "تنابلة السلطان" حيث اطلق العامة هذا اللقب علي من يسكنون التكايا.
ويقول "محمد عبد الرحمن" مفتش أثار منطقة الغورية أنه من المقرر بعد الانتهاء من أعمال ترميم تكية أبو الدهب افتتاح متحف الأديب نجيب محفوظ بها حيث سيتم تخصيص عدد من قاعاتها لمقتنيات الأديب العالمي إضافة قاعات عرض سينمائي وقاعات ندوات وقاعات محاضرات، وسيتم تأسيس المتحف بالتعاون ما بين وزارتي الاثار والثقافة.
ويتابع "عبد الرحمن" أن تكية محمد ابو الدهب هدمت في القرن التاسع عشر وتم بناؤها علي الطراز المعماري في عهد الخديوي إسماعيل عدا الواجهة فهي من عصر الإنشاء، وأبرز عناصر التكية المعمارية ساقية مياه من عصر محمد بك ابو الدهب، وصهريج السبيل الملحق بها وكذلك تم الكشف عن حوض دواب كان ملحق بالمجموعة ويقع بمدخل التكية، ومن عهد إسماعيل استجد الطراز المعماري الانجليزي وهو عبارة عن فناء رئيسي وفناء فرعي ويطل عليهما حجرات متسعة وكذلك تغطية الحجرات "بكمر" حديد تسمي "ايبيمز" وبينها آجر "طوب محروق" وتلك التقنية من عصر الخديوي اسماعيل، والمتبقي من أصل التكية منذ عصر محمد ابو الدهب هو الواجهة المطلة علي شارع محمد عبدة في مواجهة وكالة الغوري وسوق التبليطة.
وعن مشروع ترميم التكية يقول باسم الأشقر مدير عام التعديات بمنطقتي الأزهر والغورية، إن التكية مرت بمشروع ترميم متكامل استهدف صيانتها وتطويرها، كانت مرحلته الأولي إزالة التعديات والإشغالات والحوائط والمحلات الملاصقة، واستعادة الجزء السفلي للمسجد من دون أية إضافات، بالإضافة إلى فك الأرضية وإعادة تركيبها وتنظيف الحوائط من التراكمات ومعالجة زخارف القبة وإظهارها، ثم المرحلة التالية وهي أعمال الترميم الدقيقة لمكونات المجموعة، وإنشاء وحدات إضاءة على هيئة مشكاوات تلائم العصر العثماني مأخوذة من النموذج الموجود بمسجد محمد علي بالقلعة.
ويضيف "الأشقر" أن تكية أبو الدهب معماريًا تختلف عن التخطيط المألوف للتكايا، حيث تتكون من صحن أوسط مكشوف، به حديقة ونافورة، وحول الصحن قاعات على مدار ثلاثة طوابق، وبأسفل هذه الطوابق ميضأة عظيمة تمتلئ بالماء من نافورة تستمد ماءها من بئر حفرها أبو الدهب، وتتميز هذه البئر بمذاق عذب على عكس باقي الآبار الأثرية التي غالبا ما يخرج ماؤها بنسب ملوحة عالية، وهي تُعد أحد نماذج العمارة الخيرية والدينية المهمة التي انتشرت في العصر العثماني بالرغم من كونها تجمع نماذج مملوكية نادرة، وتُعد واحدة من أهم الملامح التي انتشرت في العصر العثماني التي تمزج الروحانيات بالعمارة التاريخية.
ويختتم محمد عبد الرحمن مفتش منطقة الغورية الحديث عن التكية، أنه حاليًا يتم أعمال الترميم الداخلية للتكية بواسطة شركة المقاولون العرب، والتي تستهدف الحفاظ علي الطابع الأثري الأصلي لعصر الإنشاء وهو عصر الخديوي إسماعيل، حيث هدمت التكية وبنيت في عصره، وكذلك الحفاظ علي الطابع الأثري للواجهة والتي ترجع لعصر محمد بك أبو الدهب.