ما الموارد الأساسية لصندوق حماية البيئة؟.. القانون يجيب    وزير الخزانة الأمريكي مرشح محتمل لخلافة جيروم باول في رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي»    لبنان: نكثف جهودنا الدبلوماسية لإلزام إسرائيل بوقف هجماتها    القوات الإسرائيلية تقتل شقيقين بذريعة محاولتها خطف سلاح جندي في نابلس    سموتريتش يتحدى عقوبات بريطانية مرتقبة: سنرد بالاستيطان    سيميوني: اهتمام برشلونة وأرسنال بجوليان ألفاريز منطقي    ابو المجد يعلن قائمة منتخب شباب اليد استعدادًا لمونديال بولندا    ورش حكي ومسرح عرائس ولقاءات توعية في احتفال مكتبة البحر الأعظم بعيد الأضحى    "المونيتور": قلق أمريكي من محاولة اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع    امتحانات الثانوية العامة 2025.. 8 محظورات على الطلاب الابتعاد عنها    كييف وموسكو تتبادلان دفعة جديدة من الأسرى بعد هجمات ليلية    "نيمبوس" متحور كورونا الجديد "قاتل" و"سريع الانتشار".. ارتفاع الإصابات ب "كوفيد" في إنجلترا بنسبة 97%.. الصحة العالمية تحذر: اللقاحات قد لا تكون فعالة في بعض الحالات    تشغيل تجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    تفاصيل تعديلات مشروع قانون الإجراءات الضريبية الموحد وأهدافه    عضو ب حزب «البتريوت الأوكراني»: «زيلينسكي» يطالب الغرب بضغط ملموس على روسيا بعد الهجوم العنيف على كييف    بعثة باريس سان جيرمان تطير إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية 2025    رئيس الوزراء يستعرض الفرص الاستثمارية بقطاعى السياحة والآثار    توزيع لحوم الأضاحي على 21 ألفا و680 أسرة من الأكثر احتياجا في أسوان    تقرير عالمي يحذر إنتر ميامي من ثلاثي الأهلي.. ويستشهد بمواجهة باتشوكا    جدل في الزمالك بسبب تقرير ميدو بشأن الفريق.. ومصدر: «باعته بالإنجليزي»    لافيينا ينجح فى البقاء بدورى المحترفين بالموسم الجديد    أمين «البحوث الإسلامية» يتفقَّد إدارات المجمع ويشدد على أهميَّة العمل الجماعي وتطوير الأداء.. صور    وزير البترول: توفير فرصتي عمل لأسرة البطل خالد شوقي ووديعة بمليون جنيه    لطلاب الثانوية العامة.. مراجعات نهائية مجانية لكل المواد تبدأ فى سوهاج غدا    «ملحقش يلبس بدلة الفرح».. كيف أنهى عريس الغربية حياته قبل زفافه ب48 ساعة؟    مواعيد قطارات طنطا - الإسكندرية اليوم الثلاثاء فى الغربية    نقيب المحامين ل«الأعضاء الجدد»: الركود الاقتصادي يؤثر على المهنة ونواجه تحديات كبيرة    ملك زاهر تكشف عن تعرضها لوعكة صحية وتطلب الدعاء من جمهورها    تارا عماد تخطف أنظار الجمهور بإطلالتها في حفل زفاف أمينة خليل الثاني (صور)    نوال الزغبي تطرح " ماضي وفات".. تفاصيل    إعلام إسرائيلى: ترامب طلب من نتنياهو إنهاء الحرب    5 أبراج بتعرف تسمعك وتقدم لك الدعم أحسن من ChatGPT.. أبرزهم العذراء    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    الأوقاف تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025م.. تعرف عليها    الجريدة الرسمية تنشر قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    الثقافة تحتفل بعيد الأضحى بحدائق أكتوبر ضمن برنامجها بالمناطق الجديدة الآمنة    هويسن: الانتقال لريال مدريد كان رغبتي الأولى    الحكومة النمساوية تكشف هوية منفذ الهجوم على مدرسة في جراتس    التقويم الهجري.. سبب التسمية وموعد اعتماده    مؤسسة الجامعات الأوروبية في مصر تستضيف حفلًا فنيًّا جماهيريًّا مميزًا    الإجازات الرسمية المقبلة في 2025.. إليك القائمة الكاملة    شروط التعيين في الوظائف وفقا لقانون الخدمة المدنية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بقرية سياحية في مطروح    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات أولى جلساتها عقب إجازة العيد    التضامن الاجتماعي: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا في مختلف المحافظات خلال شهر مايو    مدير معهد بحوث الإرشاد الزراعي يتفقد محطة بحوث كوم امبو    السعودية في مهمة صعبة أمام أستراليا لاقتناص بطاقة التأهل لمونديال 2026    المؤبد ل 8 متهمين لشروعهم في قتل شخصين بالقليوبية    الحكومة تستعد للإعلان عن القضاء على مرض الجذام    «الرعاية الصحية»: أكثر من 189 ألف خدمة طبية وتوعوية خلال عيد الأضحى    الحكومة تجهز فرصًا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    مستشفى القلب بجامعة أسيوط يستقبل 1856 حالة خلال شهر    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    الأزهر للفتوى يوضح سبب تسمية بئر زمزم    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رشا سمير تكتب: "لعب حى البياض".. الموت والحياة "تحت القصف"
نشر في الفجر يوم 21 - 04 - 2017

"ربنا، سبحانه وتعالى، أعطى لكل مخلوق شيئاً يحمى به نفسه.. أعطى البقرة قرنين لتنطح بهما كل من يأتى ليؤذيها.. وأعطى النحلة إبرتها التى تؤلم حتى أكبر الأجسام، وأعطى القطّة مخالب، والجروة أنيابا.. الله سبحانه أعطى لكل مخلوق من مخلوقاته شيئاً يحمى به نفسه.. إلا أنا".
خلقنى هكذا بلا مخلب ولا إبرة ولا شوكة.. حين أقول ذلك الآن يتبدى لى جسمى، من تحت الثياب، أبيض بياضا يشمله كله.. قطعة واحدة ليس فيها جزء أقوى من جزء ولا جزء أضعف من جزء.
هكذا يستهل حسن داود روايته «لعب حى البياض» الصادرة عن دار الساقى للنشر فى 223 صفحة من القطع المتوسط..
حسن داود الروائى اللبنانى المتميز الذى صدرت له عدة مؤلفات أغلبها يدور حول وطنه لبنان بكل ما عانى خلال الحرب، الوجع يتجلى بوضوح فى قلم داود كلما أخذه السرد إلى تلك المناطق المحظورة للحديث عن الألم.. ألم الفقد والموت والدمار الذى خلفته الحرب.. ومن جنوب لبنان إلى شمالها يأخذنا بقلمه ليرسم حياة بشر تعودوا الفرح حتى أنهم حين جاءهم الحزن زائرا ثقيلا ألبسوه ثوب الفرح ورقصوا معه السامبا على صوت الناى الحزين!.
الكتابة بالنسبة له - حسبما قال - لها طقوس خاصة جدًا، فرضتها عليه الحرب، ففى الساعة السادسة مساءً تبدأ المدفعية فى ضرب طلقاتها المستعرة وتتوقف فى الثامنة أو التاسعة، وفى هاتين الساعتين يكون قد استنزف كليًا.
ولا ملجأ إلا النوم، فيستيقظ فى الرابعة صباحًا يبدأ فى الكتابة حين ينساه العالم للحظات، فكتب فيها «مئة وثمانون غروباً»، «لا طريق إلى الجنة»، «أيام زائدة»، «نقّل فؤادك»، «كلمن»، «لعب حى البياض»، «روض الحياة المحزون»، «زمن الأوتماتيك»، و«بناية ماتيلد». كلها روايات خلد فيها كل أبطاله وقلقه تجاه العالم فى حروف وكلمات.
فى رأيه الشخصى أن ما يدفع الروائى لكتابة رواية، هو تغير المسارات، وهو عادة ما تفعله الحرب، التى تجعل الناس يتحولون تحولا جذريًا، وتختلف أوصافهم على ما اعتادوا عليه، حيث يحل الخوف والرعب والاختباء، مكان الهدوء والاستقرار..
1- "صُبحية" صوت الأم
الكتابة عن الأم فى أى رواية تذكرنى دون محاولة للاسترجاع برواية «الأم» للكاتب المخضرم مكسيم جوركى.. إنها الرواية العظيمة التى استطاع فيها جوركى تصوير الحالة التى كانت تعم روسيا آنذاك مشيرا وبقوة بين صفحات السطور لدور الأم التى قتل ابنها من قبل رجال الشرطة، ولكنها استطاعت وبكل الشجاعة المُضى فى مواجهة النظام السلطوى.. اختلف الكثيرون حول الرواية ولكن الأكيد أنهم اجتمعوا على شىء واحد وهو أن الأم فى رواية جوركى كانت رمزاً للثورة.. رمزا للصمود.. الأم التى كانت هى فى كل المواقف روسيا بلا جدال.
لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لرواية «لعب حى البياض»، فحين سُئل المؤلف صراحة عن بطلة الرواية.. التى هى «صُبحية» أفصح دون تردد أو تفكير: «الرواية إذن هى سيرة حياة أمى، مروية بلسانها، هى التى كانت تعتقد أنها لا تملك شيئاً مُهما لتقوله». هكذا اختلف الأمر ما بين الروايتين.. ففى «الأم» أنت تبحث عن رائحة الأمومة فى لمسات الأم وملامح شخصيتها وصمودها ما بين السطور منذ البداية.. وفى حى البياض أنت تبدأ الصفحة الأولى وفى ذهنك صورة راسخة لصورة الأم فى حياة المؤلف وهى البطلة التى تتمحور حولها الأحداث دون أن يترك لك الكاتب مساحة لأى غموض.
شخصيات عديدة تتداخل لتصنع الأحداث.. الحاج عبد اللطيف.. عمر.. رقية.. نهدية.. الحاج حسن.. عواطف.. إنها الشخصيات التى يلتقيها القارئ من خلال قلم حسن داود فى حى البياض.. إنهم أهل النبطية.. والنبطية هي عاصمة محافظة النبطية اللبنانية إضافة لقضاء النبطية وأهم مدن منطقة جبل عامل فى جنوب لبنان.. وهى بلدة ذات أهمية اقتصادية وثقافية.. وحى البياض هو من أهم الأحياء فى جنوب لبنان التى عانت جراء الحرب..
2- النبطية وطبول الحرب
رواية «لعب حى البياض» للروائى حسن داود، ينقلنا فيها لحياة صُبحية التى تتغير حياتها، كما تتغيّر النبطية وأهلها، فلا يعود حى البياض هو نفسه. حين يشتدّ القصف على الحيّ وبين البيوت، يبقى الكل مختبئاً فى مكانه معلقاً بين الموت والحياة، حياة تعيش صبحيّة دوائرها المؤلمة متنقلة من عالمها الصغير فى حيّ البياض إلى منزلها الزوجى، ومن ثم إلى منزل أهل زوجها الذين يتجسدون أمامها فى صورة وحوش كاسرة، ومن ثمّ إلى بيروت.. .رغم خوفها من جارتها، وطاعتها لشقيقة زوجها، وسكوتها الدائم عن حقها الذى يهدره الآخرون بمجرد سكوتها عليه، وفجائعها الشخصيّة التى تغزل أحداث الرواية، وبرغم كل هذا وذاك مازالت صُبحية تقف حاسمة فى بعض المرات النادرة، لتقول «لا».
هكذا استطاع الكاتب الإبحار بين تقلب الأزمنة والأشخاص من الطفولة إلى الموت مروراً بموت الولدين والزوج، والتى جميعها تصب فى صمت امرأة لم تستطع حماية نفسها وتنتهى حياتها وحيدة من فرط تضحياتها، ومن وقوفها الدائم كشاهد صامت على أعتاب الأحداث..
الغريب حقا هو المواراة التى قام بها الكاتب طوال الرواية.. فأنت تتوقع منذ أن تمسك بالصفحات الأولى للرواية أنها رواية تدور فى جنوب لبنان.. إذن هى رواية عن الحرب ومعاناة أهل الأرض الطيبة.. كما أنك تستطيع أن تشم بكل بساطة رائحة لبنان وجمالها وهى ترتدى طرحة صبيحة وجلبابها البسيط طول الوقت.. لكن يأبى الكاتب أن يحقق للقارئ توقعاته، فلا تظهر الحرب اللبنانية فى الرواية إلا فى المشاهد الأخيرة منها، ما السبب؟.. أعتقد هى المحاولة الطبيعية لأى روائى أن يأخذ القارئ إلى منعطفات لا يتوقعها أو يهبط به فجأة إلى وديان لم يتصور أن لها وجودا بين السطور.
3- لعب حياة صبيحة
كُتب الترحال على صبحية.. التى تتنقل بين البيوت ولا تمتلك من مصيرها شيئا..
إنها فتاة شابة تهوى أن تُخيط اللعب القماشية وكأنها تصنع بشرا.. بل تؤمن أنهم جنان يمتلكون الروح ولكنها روح قليلة!..
هكذا أصبحت خياطة اللعب تسليتها التى تأخذها من حياتها الخشنة فى بيت أهلها إلى أن انتقلت إلى بيت زوجها وأصبحت جزءا من أسرة غليظة، وحوش بحسب وصفها، فأصبحت حياتها مع زوجها بسببهم صعبة وكانت صبحية تدرك طول الوقت أن حياتها الزوجية من المؤكد كانت ستصبح أفضل لو عاشت بمفردها مع زوجها.
فى بيت حى الصباح حيث بيت الأهل فى الجزء الأول كانت صبحية تخيط الثياب الصغيرة على مقاس اللُعب فى أيامها الأولى.. وصارت تجعل اللُعب على هيئات كثيرة ليس فقط بنات صغيرات مربوطات الشعر كما بدأت.. بل على شكل أولاد صغار مفتوحى الأعين وبلا شعر فى الرأس.. وقبل أن تخرج من بيتها لم تنس صبيحة أن تطلب من أمها أن تُبقى اللعب حيث هى وألا تنقلها إلى بيت زوجها لأنهم سيقولون إنها طفلة وأنها لن تنجب أولادا بسبب ذلك..
هكذا يتوصل القارئ بسلاسة من أين جاء عنوان الرواية الذى استغربته أنا فى بداية الأمر، ثم توصلت بعد قليل إلى مغزاه من خلال بشر تحركهم الأحداث كاللُعب.
4- شجرة الصفصاف
ترتبط حياة صُبحية بشجرة صفصاف وحيدة تقول عنها:
«هى شجرتى، أصير فى أحيان أفكر أن لكل شخص شجرته التى يتركها مثلى لآخرته، هذا مع أن أحدا لا يقول لأحد عن ذلك.. هناك شجرة فى جبانة النبطية أتخيل أنها هى التى ستمرض عنى حين أمرض أنا.. أعرف أنها شجرة موجودة فى رأسى أكثر مما هى موجودة فى مكانها هناك فى الجبانة.. كما لم أكن أتخيلها تتغير مع تغير النبطية منذ أن بدأت تسقط عليها القنابل والصواريخ».
5- الحرب والموت.. وجهان لعملة النهاية
تفوح رائحة الموت بمفاهيمه القاسية من بين الصفحات الأخيرة للرواية.. فمن سقوط صبحية بين براثن المرض ومقاومتها له وشعورها الدائم بأن مصيرها ارتبط بمصير شجرة الصفصاف.. إلى الحرب وسقوط القذائف على أهل النبطية وحى البياض، قذائف تحصد أرواحاً وأخرى تدك بيوتاً وتهدم أسواراً.
فلا أحد يبغى الموت أو يحبه.. هكذا تقول صبحية وهى تتحدث عن النهايات.. والحرب..
إن النبطية موجودة فى كل مكان.. النبطية ليست فقط جزء من لبنان بل هى كل لبنان..
وصبحية ليست مجرد أم لابن اسمه حسن بل هى أم كل شاب يبحث عن هويته وسط أنقاض الحروب.. صبحية هى لبنان.
بعد قراءة ممتعة ورحلة مختلفة بين صفحات رواية «لعب حى البياض» أستطيع أن أقول إن الروائى حسن داود قلم رشيق متمكن من لغته السردية بل لغته الفصحى السليمة..
لقد استطاع داود بهذه الرواية أن يرسخ لنفسه مكانا أعمق بين الأدباء وهو ما يعد استكمالا لأعماله الروائية الناجحة الأخرى.
وعلى الرغم من أن الرواية عدد صفحاتها ليست كبيرة ولكنه استطاع فى مائتى صفحة أن يأخذنى فى رحلة قد تصل إلى ألف صفحة من الحكى.. إنها رواية تستحق القراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.