"موت وخراب ديار"، هكذا يمكن أن نصف حال سيناء بعد ما مرت به من أحداث إرهابية أبطالها تنظيم "داعش" الإرهابي الذي قتل عدد من الأهالي وأنهكت بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، بل حولت أهلها إلى "إرهابيين" في نظر البعض الذي يعتبرهم أنهم من مساعدي منفذي العمليات الإرهابية في المنطقة. "الفجر" تواصلت مع عدد من شباب سيناء لمعرفة مدى الأزمات والمعانأة التي يشعر بها أهالي سيناء، في ظل حربهم على الإرهاب.
الأزمات الاقتصادية في سيناء في البداية، يقول إسلام الشريف، ويعمل مخرج بإحدى القنوات الفضائية إن الحظر تسبب في مشكلة إقتصادية في سيناء عامة والعريش خاصة، فهناك سهولة في وصول الأكل والشرب ولكن الأسعارمضاعفة وأغلى، بسبب ما تواجهه العربات من صعوبات وكمائن وتفتيش على طول الطريق، أسعار جميع السلع زادت عن معدلها الطبيعي، وهناك منتجات يحظر دخولها مثل البلاستيك والفوم والأسلاك والأجهزة الكهربائية، كما أن الحظر اوقف جزئيا حركة البيع والشراء مما أضطر أصحاب المحلات بإغلاق تجارتهم وتشريد الشباب العامل من بعدهم، فينساق الشباب الذين لا يجدوا عمل و أموال وينضموا للجماعات الإرهابية التي تقدم لهم الأموال.
إغلاق المنشآت السياحية بسيناء وأضاف "الشريف" ل"الفجر"، تسببت الأزمة الإقتصادية في إغلاق المنشآت والقرى السياحية والمطاعم والمقاهي، كل ذلك أدى إلى عدم وجود وظائف، مما قد يدفع الشباب إلى الانضمام لداعش، متابعًا: "إغلاق الطرق والشوارع الرئيسية في مدينة العريش سبب أضرارًا للمواطنين، فقد خلق نوع من الصعوبة في التنقل، مضيفًا: "نريد للمواطن السيناوي أن يشعر أن الدولة معه وليس ضده" .
مطالب ب"تنمية سيناء" وعن الحلول الطروحة لمواجهة الإرهاب، ذكر إسلام أن هزيمة الإرهاب في سيناء لن تأتي إلا بالتنمية، والأمن والأمان والاستقرار لن يتحقق إلا بتنمية سيناء، مطالبًا الدولة بالنظر للشباب وشباب المستثمرين ومساعدتهم على إقامة المشروعات، بتسهيل الإيجارات وطرق السداد وتخفيض الضرائب لأن المعيشة أصبحت صعبة والشباب يأخذون القروض لإقامة مشاريعهم الخاصة وعندما يتعسرون في السداد ويدخلون السجن، يخرجون حانقين وينضموا للجماعات الإرهابية.
ويتابع: إن إدارة الرئيس السيسي بدأت بالفعل في النظر لسيناء، وهناك مجمع مصانع يتم انشاؤه، كما أن هناك مصنع للرخام سيتم افتتاحه في 25 من أبريل الجاري لخدمة أهالي سيناء وتشغيل الشباب، ولكن لا يوجد دور لجهاز تنمية سيناء قائلًا: "رئيس جهاز تنمية سيناء موجود في مكتبه في القاهرة ولا يقوم بأي شئ حقيقي لتنمية سيناء، "نحنا بدنا تنمية حقيقية"، والرئيس السيسي طالب كل مسؤول لا يقوم بدوره أن يرحل عن منصبه".
وتوجه إسلام بالشكر لمحافظ شمال سيناء عبد الفتاح حتحور، واعتبره من أكفأ المحافظين الذين تولوا منصب محافظ شمال سيناء، مؤكدا: "هو شخص صامد وقوي يستغل كل الإمكانيات المتاحة على الرغم من الوضع المأساوي الذي تعيشه بلدنا، هذا الرجل من الطراز الفريد وأحييه على مجهوده على الرغم من قلة المواد المتاحة".
صورة الأهالي "إرهابيين" وعن صورة أهالي سيناء في الإعلام، يقول "إسلام": هناك صورة سلبية يصدرها دائمًا الإعلام عن أهالي سيناء فقبل الثورة كانوا تجار مخدرات، الآن اصبحوا إرهابيين ثم دواعش، وهذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، بدليل أن كل بيانات الجيش تؤكد أن نحر الجماعات الإرهابية يتم بالتعاون مع أهالي سيناء.
وتابع: "حادثتي طنطاوالإسكندرية لم يقم بهم أهالي من سيناء ومع ذلك لم يقل أحد أن أهالي الأسكندرية إرهابيين ولكنها مجرد حالات فردية، إذا لماذا لا يتم التعامل معنا بنفس الطريقة، التعامل معنا يكون كل أهالي سيناء إرهابيين حتى يثبت العكس، وهناك محللين إستراتيجيين وأمنيين يظهروا في بعض القنوات يصدروا تلك الصورة السيئة عن سيناء وهم لا يعلمون أي شئ عنا ولا يعلمون أين هي سيناء، وهذا أمر خطير".
وهنا ووجه إسلام رسالة للإعلام طالبهم فيها برفع القبعة وتوجيه تحية كبيرة لأهالي سيناء عند ذكرهم، فأهالي سيناء رأوا ما لم يره أحد من قبل لكنهم ما زالوا متمسكين بأرضهم وعرضهم، مضيفا: "شلوما هو اللي عايز يصير بسيناء هيك حتى لا تستغل مصر موارد سيناء الطبيعية وتصبح دولة غنية".
وأكد إسلام أن المشكلة في سيناء مشكلة أمنية بحتة، فشعب سيناء أصبح بين المطرقة والسندان، الأمن يرفض تسليح الأهالي ويرفض اللجان الشعبية، وهم لا يستطيعون أن يواجهوا داعش بمفردهم، وذكر: "أنا مواطن لا أحمل أي شئ سوى بطاقتي الشخصية، كيف يمكنني أن أواجه شخص يحمل كلاشينكوف، المواطن السيناوي أصبح مغلوب على أمره ونحن المتهمون في نهاية الأمر، وذلك يزيد الدواعش عددا وفكرا".
وأضاف: "نريد أن نشعر أننا نعيش في دولة، ترك مدينة العريش للداخلية أمر خاطئ ولا بد من تعاون الجيش معهم، ضغر سن شباب الأمن المكزي تسبب في الكثير من القتل الخاطئ، يوجب توظيف عناصر مدربة وكفء".
ذبح أهالي سيناء على أيد "داعش" أما عن الأنفاق الموجودة على طول المنطقة الحدودية، أكد إسلام أنها ليست وليدة اللحظة، وهي موجودة منذ 15 عاما وموجودة بعلم النظام القديم، وكان هدفها قبل ثورة يناير هو إعمار غزة وإدخال المواد الغذائية إلى هناك، مضيفا: "لا أستطيع نكران أن 90% من الإرهاب في سيناء بسبب الأنفاق، ولكن جيشنا تمكن على القضاء على 99% منها".
واستطرد: "أما بخصوص الإرهاب فنحن أكثر من نعاني، لم نرى أحد يتألم على ذبح 480 شخص من أبناء سيناء على يد الدواعش بحجة تعاونهم مع القوات المسلحة المصرية، ولم نرى أي حالات حداد عليهم كما أن الكثيرين لم يسمعوا عن الأمر من قبل، ناهيك عن تردي الحالة الإقتصادية بسبب الإرهاب، وأنا لا ألوم قيادات الأمن على الحالة التي وصلنا لها لأن الكتيك الذي مازال يستخدم خاطئ وقديم ويجب استخدام التقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار والتي يمكنها رصد أماكن الإرهابيين بسهولة ودون خسائر في أرواح جنودنا".
وتابع: "داعش يمكنها الآن دخول قلب المدينة وذبح ابناءنا، ناهيك عن خطف كبير قبيلة الفواخرية "حمدي جودة" وهو رجل يبلغ من العمر أكثر من 80 عاما، خطف ولا أحد يعلم مكانه".
وذكر إسلام أن داعش هي من صنع الموساد، وإسرائيل هي التي تريد أن تصبح سيناء بهذا الشكل حتى يترككها أهلها "لأن عينها عليها"، فإسرائيل تعلم قيمة سيناء جيدا وما تمتلك من مواد خام مثل "الرخام والفوسفات والملح والمنجنيز والرمل الزجاجي"، مضيفًا: "إذا عملت مصر على تنمية سيناء سنصبح أفضل دولة في العالم ويمكنها أن تسد عجز الموازنة، لكن إسرائيل لا تريد ذلك".
وتابع: "سيناء هى البلد الوحيدة التي ذكرت في القرآن في قوله تعالى "والتين والزيتون وطور سينين"، وجودها في القرآن بسبب قيمتها الكبيرة الحقيقية، نحن لن نترك سيناء لأننا لن نسمح لإسرائيل بالعودة مرة أخرى، " ولو دخلوا هيدخلوا على جثثنا".
شباب سيناء يتحول لعاطلين أما محمد رضوان، وهو أحد شباب المستثمرين في سيناء من مدينة العريش، فيؤكد إن المعيشة في سيناء أصبحت "صعبة" بسبب الكمائن الموجودة على الطرق داخل المدينة، فالأهالي يمروا يوميا ب 7 كمائن، مضيفا أن تلك الكمائن ثابتة ولا تفيد بشئ ولا يتم فيها القبض على إرهابي أو داعشي واحد، لأنهم يعلموا جيدا أماكنها فيتجنبوا المرور من هناك.
وذكر محمد أنه يعاني من أزمة إقتصادية كبيرة بسبب تلك الأكمنة، فهو يمتلك أحد المقاهي" الكافيهات"، والتي توقف الناس عن الذهاب إليها بسبب الأكمنة الكثيرة التي يمرون بها، موضحًا: إنه كان يعمل لديه أكثر من 25 عامل، الآن أصبح لديه 9 عمال فقط، بسبب الخسائر التي يتعرض لها مما اضطره لفصل الكثيرين منهم، مضيفا: "لا أريد فصل المزيد لأنهم فاتحين بيوت، لكنني لا أستطيع أن أدفع لهم رواتبهم من مالي الخاص". . كما طالب محمد بالوقوف إلى جانب شباب المستثمرين مثله، ومساعدتهم عن طريق تخفيض القيمة الإيجارية، مضيفا: "مش قادر أدفع القيمة الإيجارية، المفروض يساعدونا لأننا صامدين في وجه ظروف لم يرها أحد من قبل سوى أهل سيناء"، مؤكدًا أن قلة الأموال قد تدفع البعض لمساعدة الدواعش بخبر أو معلومة من أجل المعيشة، مناشدًا باحتضان شباب سيناء حتى يساعدوا الدولة في القضاء على الإرهاب.
وأكد أن الإرهابيون الموجودون في سيناء هم الجهاديون والتكفيريون الذين أفرج عنهم الرئيس المعزول محمد مرسي في فترة حكم الأخوان، ومنهم من هرب وقت فتح السجون، كما أن البعض منهم أتوا من الحدود مع قطاع غزة لوجود حماس هناك، وهي فصيل من الإخوان.
وبسؤاله عن استعدادهم لترك سيناء، أكد إسلام أنهم لن يتركوها لأنها وقتها ستصبح مطمع لإسرائيل "شلومو"، مضيفا:" كل ما يحدث في سيناء هو بسبب الموساد الإسرائيلي، وأجهزة استخباراتية كثيرة تلعب في سيناء، ولكن قواتنا المسلحة تقوم بواجبها على أكمل وجه، تقضي على الإرهابيين وداعش"، مؤكدًا أن الحديث عن تهجير أهالي سيناء وتركههم لبلدهم أمر مستحيل، فمن يقول ذلك لا يعلم أهل سيناء جيدا، مضيفا: "نحن مع قواتنا المسلحة قلبا وقالبا".
كما طالب محمد باستغلال العائلات الموجودة في سيناء وعمل لجان شعبية من شباب كل عائلة لمساعدة قوات الأمن في هزيمة داعش الدخيلة على أرضهم، مؤكدا أنهم هم من يعيشون فيها ويعلمون بلدهم جيدا، مضيفا :"سنحارب مع قواتنا المسلحة حتى آخر نفس".
وأكد محمد أن شيوخ وعائلات كثيرة تركت البلد خوفا من داعش، لأنهم يقتلون أي شخص له أي عمل مع القوات المسلحة، متابعا: "نحن نريد الدفاع عن أنفسنا ولكن كيف بدون سلاح؟".
وبسؤالهم عما يريده أهل سيناء، قال إسلام بلغته البدوية ":بدنا حد يطبطب علينا، بيكفي ضرب"، نريد نظرة لأبناء سيناء وشباب المستثمرين، نريد "طبطبة" بالفعل وليس الكلام "لأن أحنا زهقنا كلام"، وأؤكد، سنظل دائما وأبدا خلف قواتنا المسلحة".