لا تزال العلاقات الأمريكية السعودية تسير في اتجاهات غامضة، فبرغم الاتفاق التاريخي بين الجانبين على ضرورة الدعم والمساندة الأمريكية للمملكة العربية السعودية، إلا أن الولاياتالمتحدة أصبحت تغير من مواقفها كثيرا، فبعد قانون جاستا وتوابعه، يأتي اليوم تقييد دعم المملكة في حربها مع الحوثيين، وهو ما أكدته وكالة "رويترز" مؤخرا، إن الولاياتالمتحدة قررت تقييد الدعم العسكري للحملة التي تقودها السعودية في اليمن بسبب مخاوف بشأن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المدنيين كما ستعلق مبيعات أسلحة مزمعة للمملكة. تغييرات في عمليات التدريب وأوضحت الوكالة، أن الولاياتالمتحدة ستعدل أيضا عن عمليات التدريب المستقبلية لسلاح الجو السعودي، للتركز على تحسين عمليات الاستهداف السعودية، مبينة أن هذا يبيّن مدى الإحباط الذي تعانيه الإدارة الأمريكية من الحرب اليمنية. الدعم ليس "شيك على بياض" وليس لأول مرة أن تأتي مثل هذه التصريحات، وإنما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" قبل ذلك، أن دعمها للمملكة العربية السعودية في حرب اليمن أصبح متواضعا بعد تصاعد القتال مجددا في الفترة الأخيرة، مؤكدة أنه "ليس شيكاً على بياض". تقليل الدعم وعلاقته بأسعار النفط وتأتي أيضا تصريحات أخرى في هذا المضمار، حيث حذر البروفسور "نيك بوتلر" وهو رئيس معهد السياسات الملكية بلندن، في تصريحات له سابقة، من لعب السعودية بالنار حسب وصفه، إذا رفعت إنتاجها النفطي أكثر، مشيرا إلى أن نهج المملكة خطير ويعد إضرارا خطيرا بنفسها. وأوضح "بوتلر"، في مقال نشره بصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، أن هذا النهج السعودي، قد يؤدي إلى رد فعل غاضب من الرئيس الأميركي الجديد "دونالد ترامب"، وهو من الممكن أن يتم إزائه سحب الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن، وإعادة التفاوض أو إلغاء بعض الضمانات الدفاعية بين الطرفين، في الوقت الذي تحتاج فيه السعودية هذا الدعم الأمريكي. أمريكا تغير قناعتها دائما تبعا للمصالح وفي سياق ما سبق أكد محمد حامد، الباحث في شؤون العلاقات الدولية، إن المواقف الأمريكية من الحرب في اليمن متغيرة ومتقلبة كثيرا، مشيرا إلى أنها بدأت مؤيدة لعاصفة الحزم ثم تبدلت المواقف وأصبحت تدعم الحل السياسي ومنذ فترة سحبت المستشارين الأمريكان في هذه الحرب المندلعة إلى اليوم في اليمن. وكشف حامد، في تصريحات خاصة ل"الفجر"، أن واشنطن دعمت هذه الحرب نظرا للعلاقات التاريخية مع الرياض، والتي تعهدت واشنطن بحماية أمن السعودية منذ الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، مبينا أنها غيرت قناعتها بعد ذلك لإدراكها أن الحوثيين لابد أن يكون لديهم دورا رئيسيا في حكم اليمن مستقبلا، وتجلي ذلك في مبادرات الأممالمتحدة التي يترأسها المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد. انتصارا للحوثي وعن إبراز هذه الخطوة التي تقضي بتقليل الدعم الأمريكي في هذا التوقيت، أوضح الباحث في العلاقات الدولية، أن هذه الخطوة تعتبر انتصارا معنويا لجماعة الحوثي، خاصة أن اليمن بدأ يدخل تحت مظلة الدعم الإنساني نظرا للظروف القاسية التي يمر بها المدنيين في هذا البلد. إيران تربح كثيرا من هذه القرارات وعن الدور الإيراني لفت حامد، إلى أن إيران تربح دائما كلما فسدت العلاقات الأمريكية الخليجية فهي دائما تخرج فائزة، معللا ذلك أن الرياض خصمها التقليدي في المنطقة وأي إدانة دولية للتحالف العربي في اليمن يصب في صالح أسهم إيران وحلفائها في المنطقة. الدعم الأمريكي سينتهي مع تولي ترامب من ناحيته أكد هشام عبد الفتاح، الباحث بالعلاقات الدولية والمتخصص بالشأن الخليجي والإيراني، إن ما يأتي من قرارات أمريكية تجاه تقييد أو تقليل الدعم للسعودية في اليمن، يأتي كوضع طبيعي لما سيكون عليه الوضع الأمريكي تجاه السعودية، حيث مع تولى ترامب الرئاسة الأمريكية، سينتهي هذا الدعم تماما. وأضاف في تصريحات خاصة ل"الفجر"، أن سبب هذه القرارات هي الرؤية الجديدة الذي يطرحها الآن دونالد ترامب، والتي يعتقدها في مخالفته وجهات نظر السعودية الخاصة بقضايا المنطقة، لافتا إلى أنه يختلف كثيرا مع المملكة بشأن القضية السورية واليمنية. يجب إيجاد بدائل وعن السعودية، شدد عبد الفتاح، ضرورة أن تبحث السعودية عن إيجاد بديل لهذه العلاقة التي بدت تتدهور كثيرا، وأهمية تغيير السياسات الدبلوماسية أيضا وإيجاد بدائل قوية، لا سيما مع التهديد الإيراني، الذي يزداد كثيرا من خلال الاستفادة الكبرى التي تصب في صالحه من جراء الاتفاق الإيراني الأمريكي في المنطقة. ترامب يعصف بالسياسات القديمة ويبددها كما أكد عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر السابق بواشنطن، أن هذه القرارات الأمريكية الخاصة بتقييد الدعم السعودي في الحرب على اليمن، تأني من جملة التغييرات السياسية في المنطقة التي تظهر جالية الأن مع تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية. وأضاف في تصريحات خاصة ل"الفجر"، أن دونالد ترامب يعد من أكثر رؤساء الولاياتالمتحدة استغرابا في سياساته التي يراها، لا سيما أن هذه السياسات عكفت عليها الولاياتالمتحدة الأمركية فترات كبيرة للغاية، مبينا أن التغيير يأتي مع تزاحم قضايا المنطقة التي أصبحت تغير المشهد السياسي العالمي بوتيرة سريعة للغاية. استفادة إيران وبيّن أن إيران من الدول التي لديها مشكلات أيضا مع الولاياتالمتحدة، وأن هذا القرار ليس معناه أنه يتودد لإيران، وإنما في جملته يخدمها في حربها مع السعودية المندلعة في اليمن.