تتصاعد وتيرة تأزم العلاقات بين الولاياتالمتحدة باطراد مستمر في السنوات السبع الأخيرة؛ بداية من التباين في وجهات النظر بين إدارة أوباما منذ مجيئها إلى البيت الأبيض 2009 حول توجهات الأخيرة في المنطقة، مروراً بالتباين في إدارة ما بعد انتفاضات "الربيع العربي"، وصولاً إلى تدهور في العلاقات الثنائية بين البلدين هو الأول من نوعه منذ نشأة السعودية، لتتضاعف الأزمة بمغادرة أوباما ووصول من ينتوي على ماهو أبعد من إدارة ظهر واشنطن للرياض في المنطقة إلى الصدام علانية معها والإضرار بها لتحقيق مصلحة "الناخب الأميركي" الذي أنتخب دونالد ترامب على أساس إنهاء ترهل السياسات الأميركية في الداخل والخارج، والتي وصلت لذروة غير مسبوقة في عهد إدارة أوباما المنتمية للحزب الديمقراطي. ولا يغيب على المتابعين للعلاقات الثنائية بين واشنطنوالرياض أن الوتيرة السريعة للتأزم بين البلدين تصاعدت إلى معدلات غير مسبوقة في العام الجاري، ليس حول أمر ثالث خاص بسياسة أحد منهم تجاه قضية معينة ولتكن مثلاً توجه أوباما للتفاوض والدبلوماسية كبديل عن الحرب في معالجة مسألة البرنامج النووي الإيراني، أو موقف واشنطن المتحفظ على طريقة الرياض في إدارة حرب اليمن، ولكن على نحو ثنائي في أمور ذات طبيعة حساسة مثل محاكمة السعودية بصفتها مسئولة عن هجمات 11 سبتمبر، وتابعات ذلك الأمر التي أخرها قانون «جاستا» وتهديد الرياض بسحب أرصدتها الاستراتيجية من الولاياتالمتحدة، وأخيراً نية إدارة ترامب الجديدة إنهاء عقود من إستراتيجية الطاقة القائمة على استيراد النفط الرخيص والتي بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي باجتماع واتفاقية «كوينسي»، والتي تعد البداية الحقيقية لوجود المملكة وتحولها من دويلة صحراوية حديثة العهد معدومة الإمكانيات إلى أحد القوى المؤثرة في المنطقة وأحد أقوى اقتصاديات العالم، حتى وإن كان اقتصاد ريعي قائم على تصدير النفط بنسبة تتجاوز 90% من مجمل اقتصاد المملكة حتى العام الماضي. في هذا السياق علّق الباحث والمحلل الأكاديمي المختص بشئون دول الخليج والشئون السعودية، سايمون هندرسون، ومدير برنامج سياسات الخليج في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، على قرار الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي بحظر توريد أسلحة وذخائر للمرة الثانية في أقل من عامين للرياض، وذلك بعد استئناف تزويد الأخيرة بالقنابل الذكية بعد إيقاف الأمر لفترة وجيزة بعد استخدام الرياض لذخائر وقنابل أميركية في قصفها لأهداف مدنية في اليمن، مثل نوع "MOAB" التي استخدمته في بداية الحرب مارس 2015. وجاء تعليق هندرسون على ضوء التطورات الأخيرة الخاصة باستجابة السعودية للمتغيرات التي طرأت في الشهور الأخيرة على علاقتها بالولاياتالمتحدة وأخرها فوز ترامب بالرئاسة، وبحث الرياض عن بديل للرعاية الأميركية المعهودة، ممثلة في عودة إلى الحماية البريطانية التي ساهمت في إيجاد المملكة وتأسيسها، وتماشياً مع توجه لندن لتعزيز تواجدها في منطقة الخليج استجابة للتخوفات السعودية، التي عبرت عنها رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تريزا ماي إبان زيارتها -وترأسها فيما يبدو- لقمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة قبل أيام. وفيما يلي نصّ تعلّيق هندرسون: في 13 ديسمبر، أعلن مسئولون أمريكيون أنه سوف يتم حظر بيع حوالي 16,000 من معدات الذخيرة الموجهة إلى السعودية بسبب مخاوف من عدم دقة الضربات الجوية المستهدفة التي تقوم بها المملكة والتي تسبب في إيقاع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين في اليمن. وقد جاء هذا الإجراء الغير متوقع على ما يبدو في أعقاب تجميد مبيعات القنابل العنقودية في وقت سابق من هذا العام، فضلاً عن التحذيرات التي وُجهت إلى الرياض بأن المساعدات الأمريكية "ليست صكاً مفتوحاً". وتجدر الإشارة إلى أن معدات الذخيرة الموجهة من هذا القبيل تُمكّن القنابل من ضرب أهداف بصورة أكثر دقة. وقد انعكس إحباط إدارة أوباما – بخياراتها المحدودة – من إنهاء الصراع المستعصي، في تقارير وسائل الإعلام المتناقضة حول التطورات: فقد جاء في عنوان صحيفة "واشنطن بوست"، بأنه "من خلال إجراء تغييرات صغيرة، تحافظ الولاياتالمتحدة على مساعداتها العسكرية للسعودية على الرغم من التوبيخ التي وجهته بسبب المجازر في اليمن"، في حين كتبت صحيفة "نيويورك تايمز"، بأن "الولاياتالمتحدة تحظر بيع معدات الأسلحة إلى السعودية وسط مخاوف من حرب اليمن". وفي الوقت نفسه، وفي الخطاب الرئيسي الذي ألقاه العاهل السعودي أمام "مجلس الشورى" في 14 ديسمبر، لم يذكر الملك سلمان أحدث تقييد على بيع الأسلحة إلى بلاده. ويتم تعيين أعضاء "المجلس" من جانب الملك، وهو يمثل محاولة حديثة النشأة تقوم بها المملكة من أجل مشاركة سياسية أوسع على الصعيد الوطني. ومن خلال تنويهه إلى إيران – التي تدعم المتمردين الحوثيين في البلد المجاور – دون أن يذكرها صراحة، ذكر العاهل السعودي "نحن في السعودية نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها". كما أعرب عن أمله في نجاح مساعي الأممالمتحدة "في الوصول إلى حل سياسي باليمن". ومنذ بدء التدخل بزعامة السعودية في مارس 2015، استعادت قوات دولة الإمارات مدينة عدنالجنوبية نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. بيد، فشلت القوات السعودية في شمال اليمن في استعادة الأراضي، وما زال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، بما فيها العاصمة والأراضي التي يتواجد فيها معظم سكان اليمن الذين يقدر عددهم بنحو 27 مليون شخص. وفي محادثات خاصة، انتقد مسئولون أمريكيون أداء الجيش السعودي، الذي تقع مسؤوليته على عاتق وزير الدفاع ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً والابن المفضل للملك سلمان. وفي بداية الحملة، كان الأمير بن سلمان يشعر بالسعادة عندما كان يتم تصويره كمهندس الحرب. أما الآن فينأى بنفسه عن أي لوم. ومن الناحية النظرية، يُعتبر الجيش السعودي أحد أفضل الجيوش تجهيزاً في العالم. ولكن في واقع الأمر هو عبارة عن نمر من ورق، حيث شكّل خيبة أمل كبيرة لمورّديه الأجانب، وأكبرهم الولاياتالمتحدة. فقد كان أداء سلاح الجو السعودي ضعيفاً جداَ، في حين كان أداء القوات البرية السعودية سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة. وانهالت الرياض باللوم على إيران لدعمها المتمردين في ما يُعد حرباً بالوكالة، ولكن فشل المملكة في تحقيق أي ميزة عسكرية ينبع على ما يبدو من قصورها في ميدان المعركة أكثر من تدخل طهران. وقد انعكست طبيعة الخصومات على التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في الشهر الماضي، حيث قال: "لهذا السبب قام السعوديون، وإيران، والجميع، بتحريك دميتهم وخوض حروب بالوكالة". وقد أكسبته كلماته الدقيقة ولكن القليلة الحذر دبلوماسياً توبيخ رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي أرادت أن تكون واضحة بأن تلك التصريحات لا تعكس سياسة الحكومة. وفي السياق ذاته، إن قيام واشنطن بلوم السعودية يبدو شيئاً غريباً على الأرجح للعديد من الحلفاء الإقليميين في الوقت الذي تسمح فيه إدارة أوباما لطهران بأن تطلب تزويدها بطائرة بوينج جديدة، والتي يمكن أن تستخدم لدعم العمليات العسكرية الإيرانية في المستقبل. وليس هناك شك بأن الحلفاء يشعرون بالسخط أيضاً من عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية إجراءات ملموسة رداً على سقوط ضحايا مدنيين سوريين بأعداد ضخمة في حلب، تلك الكارثة الإنسانية التي وقعت بتحريض من القوات التي تعمل بالوكالة عن إيران. وتشكّل الإشارة الأخيرة للملك سلمان حول التوصل إلى حل سياسي فرصة دبلوماسية يجب على واشنطن تشجيعها، ولكن يبدو أنه لا يمكن للقنابل أو التصريحات أن تصيب الأهداف الصحيحة في الوقت الحالي.