عقب ثورة 23 يوليو عام 1952 واجهت الأحزاب السياسية حملة قاسية وعنيفة لسحب البساط من تحت أقدامها إلى أن صدر قرار بحلها وإلغائها في مطلع يناير 1952. ومنذ ذلك الوقت تحولت كل الطرق لتؤدى إلى طريق واحد هو هيمنة الحزب الأوحد ومنه إلي سياسة صناعة شخص تتجمع لديه كل السلطات وكان الداعي لذلك هو الظروف السياسية الصعبة الناتجة من تحول البلاد من النظام الاشتراكي إلي نظام السوق الحر. وظهور الإقطاعيين ورأس المال المستغل والعدوان والامبريالية الخارجية والتي كانت تحتم ضرورة وجود من يمتلك سلطة إصدار قرارات سريعة وحاسمة إلى أن جاء دستور 71 في عهد السادات مصبوغاً بالخلفية السياسية لتلك الفترة الصعبة واختص رئيس الجمهورية ب 35 صلاحية من بين 55 مادة أقرها الدستور وبنسبة تتخطي 63%. ليقر بمبدأ وحدانية التنظيم السياسي ويمنح رئيس الجمهورية رتبة إله يهيمن على القرار وصناعته ومعتلياً على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والإدارية في البلاد. وتباعاً اشتركت كل القوي السياسية ووسائل الإعلام المصرية وشخصيات المجتمع من رجال دين وفنانين ورياضيين وشرطة وجيش في تدعيم تلك السلطة إقرار مبدأ تقديم فروض الولاء والطاعة للإله والتغني بنعمه وخيراته لتقودنا الأيام من ديكتاتور إلي آخر. وبعد قيام ثورة الياسمين في 25 يناير 2011 وحدوث المعجزة التاريخية بإسقاط الإله عن عرشه توقعنا أن يسقط معه (قرآنه) عفواً دستوره الظالم والداعم للاستبدادية وهذا كتطور طبيعي بعد قيام الثورات, لكن اندفعت كل القوي السياسية عن بكرة أبيها للحصول على قطعة من الكعكة السياسية, وارتفعت لافتات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحد الأدنى من الأجور , ورغم رفضنا لمبارك ونظامه وأشخاصه وكل من تعاملوا معه من قريب أو من بعيد إلا أننا تقبلنا نصيحته بان يتولي العسكر شئون البلاد, ويحكم العسكر خطته للحفاظ علي الدستور دون تبديل ولكن بتغيير بعض المواد الخاصة بتلبية بعض المطالب المتعلقة بتأبيد الرئيس. وساعد العسكر في ذلك إعلام الدولة الزائف ورسائل المحمول التي انهالت علي المصريين تحذرهم من عواقب الفوضى وتعطيل حركة الإنتاج والأجندات الخارجية وغيرها من التعبيرات الواهية لخداع المصريين ولن أبالغ إذا قلت أن الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين, وإعطاء الإخوان المسلمين دوراً واسعاً في الحياة السياسية ومساحة أكبر في الحوار, والحديث عن المادة الثانية من الدستور, والبرلمان أولاً وغيرها كانت أمور مفتعلة الغرض منها خداع الجمهور وتوجيهه لصناديق الاقتراع واختيار نعم ولا وألف لا للتبديل حتى الوقت المباغت الذي تم فيه الاستفتاء لم يكن بالكافي ليسمح للرأي العام بالفهم الكامل لحقيقة النصوص الدستورية الداعمة للاستبداد. وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الكثيرين الطموحين لعصر الحرية وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان, وغير ملائم لطبيعة الفترة الحالية المختلفة تماما عن حقبة السبعينات المليئة بالأزمات السياسية والاحتلال الصهيوني ومشكلة سيناء. أضف إلي ذلك أن التعديلات الجديدة أضافت للدستور مبدأ الإخلال بالمساواة والتمييز ضد المرأة من خلال الإضافة التي تمت للمادة 75 التي كان نصها (يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبويين مصريين وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية) لتضاف إليها جملة وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخري, وألا يكون متزوجاً من غير مصرية. والحقيقة التي يعلمها القاصي والداني أن المقصود بتلك الإضافة هو وضع شروط معينة بغرض استبعاد أفراد بعينهم ليخل بمبدأ المساواة ويكرس للتمييز ضد المرأة ويتناسى أننا أصبحنا في قرية صغيرة ومتجاهلاً لمفهوم العولمة, كما أنني أتساءل إذا كانت الجمعية الوطنية للتغيير لم تطلب شيئاً بخصوص تغيير تلك المادة واللجنة الدستورية برئاسة المستشار سرى صيام لم تتحدث عنها ولم يطلب الرأي العام تعديلها إذاً فمن المسئول عن تعديلها ولماذا؟ وتناسينا أن أوباما ينتمي لأب كيني وله أخت وأربعة أخوات غير أشقاء كينيين ومازالت عائلته تعيش بكينيا, وساركوزي الرئيس الفرنسي ولد بباريس لأب مجري ومن أم يهودية يونانية ومتزوج من إيطالية تدعي كارلا بروني, والتاريخ المصري نفسه يشهد أن اثنين من رؤساء مصر وهما السادات ومحمد نجيب كانا لأمين سودانيتين. نحن حقيقة أمام تحدي واضح وإصرار على إبقائنا داخل قمقم الاستبداد وسيطرة الحاكم. ويكفيني القول أن الرئيس القادم بنفس السلطات يملك حق العفو عن مبارك ووقتها لا نستطيع أن نفعل شيئاً لأننا بذلك سنقفز فوق شرعيته وفوق إرادتنا نحن من اخترناه. لذا فإنني متجرداً من كل تواضع أقدم وجهة نظري وهى أن سلطات رئيس الجمهورية وصلاحياته الواسعة هى من اغتالت حرياتنا وقتلت طموحنا وسرقت هويتنا وبدلت ثقافتنا وأضاعت شخصيتنا. سلطات رئيس الجمهورية هي من قتلت شهدائنا وكممت أفواهنا, وأمنياتي ودعواتي أن يتم تقنينها وتوزيعها بشكل عادل وألا يكون الرئيس القادم إله آخر.