بدأ مجلس النواب، اتخاذ أول الإجراءات الحقيقية تجاهالاقتصاد غير الرسمى، حيث تسلمت الأمانة العامة للمجلس مشروعاً لتقنين الاقتصاد الموازى قدمه حزب الوفد بتوقيع 156 نائباً. والاقتصاد الموازى أو اقتصاد الظل، هو الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة التى لا تخضع للضرائب ولا تدخل ضمن الناتج القومى الإجمالى، والتى تؤدى لخسار الدولة من 330 ل550 مليار جنيه، تمثل رسوماً وضرائب كان سيتم تحصيلها إذا خضعت تلك الأنشطة للمنظومة الرسمية. مشروع القانون المقدم للبرلمان اقترح وجود كيان مسئول عن التعامل مع ما يمكن تسميته دولة الاقتصاد غير الرسمى، ويسمى الكيان الجديد «المفوضية التنسيقية لمكافحة الاقتصاد غير الرسمى» وتتبع مجلس الوزراء ويكون مقرها وزارة المالية، وتضم فى عضويتها ممثلين عن الوزارات والهيئات. ويرى البعض يرى أن دمج الاقتصاد غير الرسمى هو الحل المثالى لإنقاذ مصر من مشكلاتها الاقتصادية وتحقيق العدالة الضريبية وتوفير موارد للدولة تمكنها من زيادة الإنفاق على الخدمات وسد عجز الموازنة، بدلاً من الاقتراض وفرض ضرائب جديدة، فى المقابل يوجد معارضون للفكرة، يرون أن الأنشطة غير الرسمية سند مصر فى أوقات الأزمات وتمثل شبكة أمان اقتصادى للفئات محدودة الدخل. 1- خريطة الاستثمارات تتعدد المسميات للقطاع الاقتصادى غير الرسمى، حيث يسميه البعض الاقتصاد السرى أو الاقتصاد البديل أو الاقتصاد الموازى أو اقتصاد بير السلم أو الاقتصاد غير المنظم، لأنه غير قانونى وغير ظاهر للجهات الحكومية، ويشمل مصانع بير السلم التى تتاجر فى الأجهزة الكهربائية والبضائع غير المطابقة للمواصفات، وترتفع التقديرات لحجم هذا النوع إلى 60 و80% من الاقتصاد الكلى لمصر والذى يغلب عليه الطابع الفردى. وتختلف تقديرات حجم الاقتصاد غير الرسمى بين الخبراء، ويقدره الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، ب18 مليون منشأة، يتراوح حجم استثماراتها بين 1.2 و1.5 تريليون جنيه، فيما تقدره أحدث دراسة أعدها محمد البهى إبراهيم، عضو هيئة المكتب التنفيذى، لاتحاد الصناعات ب2.2 تريليون جنيه، بعد زيادته خلال ال4 سنوات الأخيرة. وأرجعت دراسة إبراهيم أسباب هذا الارتفاع لصعوبة إيجاد فرص عمل فى المؤسسات الحكومية مع عدم وجود فرص عمل فى الريف وصعوبة تسجيل الشركات وارتفاع تكلفة تراخيص المشروعات، وفساد الجهاز الإدارى وعدم وضوح منظومة الضرائب. ووفقا للدراسة تنتشر تلك الأنشطة فى جميع أنحاء البلاد وتتعدد ما بين الباعة الجائلين والأكشاك والورش والمصانع الصغيرة غير المرخصة والعقارات غير المسجلة، ويصل عدد الأسواق العشوائية التى تضم باعة جائلين وأكشاك ل1200 سوق تتعامل بالأموال السائلة ويبلغ عدد العاملين بها ما يقرب من 8 ملايين مواطن منهم 3 ملايين بائع متجول. ويضاف إلى الاقتصاد السرى، قطاع المهن الحرة الذى لا يلتزم بسداد الضرائب، وتقدر الدراسة عدد المصانع غير المرخصة بنحو 47 ألف مصنع يعمل بعيداً عن إجراءات الأمن الصناعى أو شروط السلامة والصحة، وتقدر عدد الشركات غير المسجلة ب6 ملايين شركة. بينما تقدر عدد العقارات غير المسجلة بالشهر العقارى، بنسبة 80% من إجمالى العقارات فى مصر والتى تصل ل30 مليون مبنى، بالاضافة إلى مخالفات المبانى والبناء على الأرض الزراعية والتى تقدر ب6.5 مليون وحدة سكنية مخالفة، ما يتسبب فى إهدار الثروة العقارية لمصر نتيجة لبطء وصعوبة إجراءات التسجيل التى تتم وفقاً لقوانين تعود لعام 1946. وحسب دراسة الباحثين أسماء الخولى وإبراهيم الغيطانى، عن الدمج الآمن للاقتصاد غير الرسمى فى مصر، فإن الاموال المدفوعة دون مقابل مثل البقشيش والتسول والرشاوى هى إحدى أشكال الاقتصاد السرى لأنها لا تدخل فى الحسابات القومية ولا تخضع للضرائب ويستفيد منها السعاة والعاملون بجراجات السيارات وعمال النظافة وغيرهم. وتضيف الدراسة للقائمة، الدروس الخصوصية والكتب الموازية التى لا تخضع للضرائب أو الرسوم، والأجرة الإضافية التى يحصل عليها سائقو التاكسى بعيداً عن تعريفة العداد، وظاهرة التوك توك الذى يحقق دخلاً كبيرا لا يخضع للمحاسبة من قبل الدولة، بالاضافة إلى التعاملات النقدية فى الدولار بالسوق السوداء والتى تقدر ب30 مليار دولار حسب تقديرات وزارة الاستثمار. 2- محاولات الحكومة رغم تصريحات الحكومة المتكررة حول ضرورة ضم القطاع الموازى للقطاع الرسمى، إلا أن الدولة ليس لديها قاعدة بيانات للعاملين فيه، ولا يمكنها تحديد منتجاته أو البضائع التى يتعامل فيها والتقديرات الصادرة عن القطاع تقوم بها المراكز البحثية الاقتصادية ومنظمات الأعمال الخاصة. ووفقا لإبراهيم الغيطانى، رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، فإن الحكومات التى جاءت بعد ثورة 25 يناير حاولت طرح حلول للتعامل مع القضية لكنها لم تسفر عن معالجة كاملة لها، حيث كانت مجرد سياسات فردية من قبل مسئولين فى الحكومة وليست استراتيجية واضحة، ولذلك يجب إعادة النظر فى السياسات وتبنى جدول زمنى لاتخاذ إجراءات فاعلة ومتكاملة. ويرى الغيطانى، أن الحوافز التى وفرتها الحكومة لدمج الاقتصاد السرى محدودة للغاية وتعتمد على تبسيط الإجراءات التنظيمية والإدارية، لافتاً إلى أن عدم وضوح أنواع الضرائب التى ستخضع لها منشآت القطاع غير الرسمى، حيث تظهر دعوات بتطبيق الضريبة المقطوعة وأخرى تطالب بدمجهم فى المنظومة الضريبية التقليدية. وتتفق معه ريم عبد الحليم، الباحثة الاقتصادية بوحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حيث ترى أن ما طبقته الحكومة من حوافز لم يكن كبيراً، ويتمثل فى تمويل متخصص للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة ومتوسطة الحجم مثل الحصول على قروض من الصندوق الاجتماعى للتنمية ولكن بقيت مشكلة مخاطر التعثر فى السداد. وتؤكد عبدالحليم، أن من أهم المشكلات التى تعوق الدمج هى عدم وجود تشريع متكامل لمعالجة قضية الخروج من السوق أو الإفلاس، وأن صدور قانون التمويل متناهى الصغر لم يحل مشكلة مخاطر التعثر ولكن تركها لكل جمعية وشركة مرخص لها بالإضافة لمحاولات تبسيط التسجيل فى التعديلات الأخيرة لقانون الاستثمار التى لم تحقق عائدا. وتشير عبدالحليم إلى أن الحكومة لم تقدم حوافز تدريبية مختلفة لأن الجهة الوحيدة التى تقوم بتقديم تدريب فعلى للمشروعات الصغيرة فى مجال الصناعة هى الحضانات، والتى تقدم خدمات من خلال 16 مركز تدريب، 14 منها فى القاهرة وحدها ومركز فى دمياط للأثاث وآخر للصناعات الغذائية فى المنيا. 3- تجارب ناجحة ويرى خبراء أن الحكومة ليس لديها حوافز حقيقية يمكن تقديمها لجذب القطاع غير الرسمى، لأنها تتعامل بمنطق الجباية فقط والرغبة فى تحصيل مزيد من الضرائب من خلال دمج تلك الأنشطة وهى نظرة ضيقة للقضية. ورغم مرور سنوات على إنشاء وحدة العدالة الاجتماعية بوزارة المالية لتكون مسئولة عن تحديث القطاع الموازى، إلا أنها لم يتم تفعيلها بشكل محسوس حتى الآن، لكن تجربة منظومة الخبز التى قامت بها وزارة التموين فى عهد الوزير السابق خالد حنفى، تعتبر من أهم التجارب الحكومية الناجحة فى ضم العاملين فى القطاع غير الرسمى. وزارة التموين استطاعت ضم 25 ألف بقال تموينى غير رسمى لمنظومة الخبز من خلال فكرة النقاط، حيث تقدم البقالون للحصول على سلع فارق نقاط الخبز لمديريات التموين بالمحافظات مما ساعد فى معرفة الدولة لهم والتعامل معهم. من ناحية أخرى نجحت تجارب مختلفة لمنظمات المجتمع المدنى فى تنظيم العلاقة بين الدولة والعاملين فى القطاع غير الرسمى، من خلال تنمية مهارات العاملين المتعلقة بالتنظيم والتفاوض، ما أتاح وسهل ضمهم للمنظومة الرسمية. وتعتبر تجربة جمعية بائعى أطعمة الشارع بمحافظة المنيا، نموذجاً مهما لتنظيم العاملين فى القطاع غير الرسمى بطريقة إنسانية وتنموية، حيث استطاعت الجمعية بالتعاون مع مسئولين حكوميين والباعة بعد توقيع اتفاق مع المحافظة، تنظيم دورات تدريبية للباعة فى تداول الأطعمة والنظافة الشخصية من خلال مسئولى الصحة ما أدى لتوقف المحليات عن مطاردة الباعة بعد اتباعهم للقواعد المتفق عليها. كما لعبت الجمعية دوراً فى تنمية وتطوير الباعة من خلال توفير القروض ومستلزمات إنتاج الاطعمة وإدارة صندوق للزمالة وتقديم الرعاية الصحية وتصميم عربات جديدة وأكشاك دائمة فى بعض المناطق. ومن التجارب التى نجحت فى تقديم خدمات للعاملين فى القطاع الموازى، ما ساعد الدولة على التعرف عليهم ورصدهم، تجربة منظمة التجارة العادلة المصرية والتى ركزت على تدريب أصحاب 34 ورشة يدوية غير رسمية لتحسين إنتاجهم وتسويق منتجاتهم من خلالها لضمان ربح عادل. كما تقوم خدمة فودافون كاش، التى قدمتها الشركة لتحويل الأموال بالتعاون مع البنوك بجذب مزيد من العملاء أصحاب الخطوط التليفونية للتعامل مع البنوك والخدمات المصرفية فى الوقت الذى لا يتعدى إجمالى عملاء البنوك 10 ملايين عميل بينما يوجد أكثر من 100 مليون عميل لشركات المحمول. وتقدم شركة فورى لخدمات الدفع، تجربة ناجحة أيضا فى إمكانية ضم ودمج ملايين من الأشخاص فى القطاع الرسمى حيث يتيح سداد الفواتير عبر مختلف الوسائل ومنها تجار التجزئة والصيدليات ومحال البقالة، وهو ما قامت به الشركة عندما قدمت خدمات الدفع للأكشاك بمنطقة وسط البلد فاستطاعت الدولة رصدهم ومعرفتهم.