وسط استعداد الأطفال لطقوس العيد والاحتفال بالملابس الجديدة وحصولهم على العيدية، هناك أطفال من طبقات أخرى تكمن احتفالات العيد بالنسبة لهم في مساعدة آبائهم وذويهم في عمالهم، لاسيما إذا كان مرتبطًا بمناسبات كالأعياد.
من أهم هذه الأعمال المرتبطة بعيد الأضحى"الجزارين"، وبائعي الأغنام، الذين يحرصون على اقتياد آبنائهم معهم لمساعدتهم في أعمالهم، ما يجعل الأعياد بالنسبة لهم منحصرة بين إطعام المواشي وروائحها ولون الدماء. أول ما تطأ قدميك في مدبح السيدة زينب، ترى طفلًا يرتدي جلبابًا فضفاضا، ملامحه تظهر بعض الهدوء الممزوج بالحزن، يهرول متجهًا إلى "شادر المواشي"، ليلحق والده لمساعدته والوقوف معه خلال ذبح الأبقار. أطفال في عمر الزهور، لم يتعارفوا من قبل إلا عن طريق ساحة مدبح السيدة زينب، يأتون مع أقاربهم العاملين في "المدبح" من مناطق شتى، يلتقون كل يوم ويبيتون أحيانا سويًا في ساحته لاسيما قبل قدوم عيد الأضحى، يجمعهم "الرزق" الذي يبحثون عنه وسط الأضحيات لبيعها. في منتصف شادر "المواشي"، يقف طفلاً لم يتجاوز عمره عشر سنوات، كان الأصغر سنًا والأكثر حركة داخل أروقة "المدبح"، يده بيد والده:"أهو بحاول أساعد أبويه شوية.. أحسن من الغريب". وبنظرة بريئة مع ضحكة تحمل وراءها سرًا لا يجب الإفصاح به، يسيرون بثقة واضحة ممزوجة بفخر شديد مُبررين فرحتهم لمساعدة أسرهم وعدم احتياجهم لأحد، يجرون "الخروف"، كأنها دمية يلعبون معها، استعداد لذبحها، دون خوفًا وقف بكل عزة كرجل كبير، مبتسمًا للحياة، وبجواره صديقه بالمدبح مرتدياً "تيشيرت" أبيض اللون ملطخة بالدماء، واضعاً حول خصره ساطورًا حاملاً بيده سكين، لاستعداده لتقطيع اللحوم. هؤلاء الأطفال الذين انتشروا في الشوادر، معظمهم طلبة يدرسون، ولكنهم ورثوا مهنة آبائهم، حاملين مستقبلهم على أكتافهم منذ نعومة أظافرهم، يسعون في طريقهم لتحقيقه، فيجتهدون بالعمل لكي يساعدوا أنفسهم قبل أسرهم ليكونوا قادرين على مواجهة واقعهم الأليم. في عيون طفلا صامتٍ جالس شاردًا متأملا لما يقوم به ذويه من مهنة ورثوها عن آبائهم في انتظار مستقبله الذي مازال مبهمًا حتى الآن، تشع من عينيه عدة أسئلة بعضها فطن عن مهنة آبائه الذي تراوده شكوك بأن مصيره لن يكون أحسن حالا منهم، والبعض الآخر أسئلة ربما لا يعيها هو نفسه، تكمن كيف يهدر طفولته في أعمالا كهذه.