الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    أبٌ مؤسّس أم زعيم مُخلص؟    سد العجز في المعلمين 2025.. ضوابط العمل بنظام الحصة ومكافآت المستعان بهم    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    "الوطنية للانتخابات": ترشح 417 على المقاعد الفردية في اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات مجلس النواب    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. أسعار الذهب اليوم بالصاغة وخبير يكشف الموعد المناسب للبيع والشراء    "بعد تكريمه من المحافظ".. عامل نظافة يحصل علي ماجيستير بالقانون ويترشح لانتخابات النواب في البحيرة (صور)    أسعار الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025    أخبار 24 ساعة.. الحكومة: المساعدات الإنسانية المرسلة لغزة حوالى 600 ألف طن    مساعد وزير قطاع الأعمال: خطة طموحة لإحياء الشركات المتوقفة واستثمارات ب180 مليار جنيه    وزير الطيران المدنى يشيد بجهود العاملين فى إنجاح قمة شرم الشيخ للسلام    وزير الإسكان: فتح باب التظلمات للعاملين المنتقلين إلى العاصمة الإدارية الجديدة    الولايات المتحدة تخطط لتشكيل قوة دولية لإرساء الاستقرار في غزة    استراتيجية مصرية شاملة لفلسطين والمنطقة    سفير تركيا: قمة شرم الشيخ للسلام شكّلت نقطة تحول تاريخية لمصر والمنطقة والعالم    الجيش الإسرائيلي يعلن استلام جثتي رهينتين من الصليب الأحمر    جنرال أمريكي: صواريخ "توماهوك" الأوكرانية قد تستهدف مصنع الصواريخ في كوريا الشمالية    عمرو موسى: الضفة الغربية أمام خطر كبير.. ونتنياهو لا يفهم السلام    الطريق الدموي إلى «نوبل»    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    مالية كفر الزيات يستضيف طنطا في افتتاح الجولة التاسعة بدوري المحترفين    كريم ذكري: شيكابالا اعتزل مجبرًا والزمالك لا يملك بديلًا لدوره    وليد خليل يعلق ل ستاد المحور على قرار علاء عبد العال باستبعاد ثلاثي الفريق قبل مباراة كهرباء الإسماعيلية    سيدات يد الأهلي أمام فلاورز البنينى فى ربع نهائى بطولة أفريقيا    «بدأ يشيل ايده من إدارة الكرة».. محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة بالأهلي    رسمياً.. حقيقة تعديل مواعيد الدراسة بعد بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر    طقس الخميس.. مفاجآت غير متوقعة في درجات الحرارة وأمطار مرتقبة ببعض المناطق    وفاة شاب فى حادث تصادم دراجة بخارية بعربة كارو بحى المناخ فى بورسعيد    نجاة 3 أشخاص بعد سقوط سيارة في ترعة المريوطية بالهرم    السيطرة على حريق أتوبيس بالقناطر الخيرية بسبب ماس كهربائي دون خسائر بشرية    بسبب تسريب غاز.. إصابة عاملين في حريق مطعم بالدقهلية    ضبط 51 قطعة متنوعة في حملة للتصدي لأجهزة الصوت المخالفة والتلوث السمعي بالدقهلية    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    د.رؤوف رشدي يكتب: مع بوادر سلام شرق أوسطي.. هل هي حقًا نهاية التاريخ أم نهاية أطروحة فوكوياما؟    الصورة الذهنية للدولة!    خبير اقتصادي: مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية تؤكد التزام الدولة بتشجيع الاستثمار    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    بخطوات بسيطة.. حضري ألذ كيكة بصوص القهوة    نم جيدًا وتناول هذه الفيتامينات.. 6 طرق علمية لمقاومة نزلات البرد في الشتاء    إنقاذ حياة مريضة بمستشفى سوهاج العام بعد إصابتها بثلاث لدغات عقرب    10 أطعمة تحافظ على المناعة مع بداية انخفاض الحرارة    ليلى علوي رئيسا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة السينمائي    معرض باص وورلد أوروبا 2025 يشهد المزيد من المفاجآت والأرقام القياسية    ترشح 417 على المقاعد الفردية فى اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات النواب    طائرة وزير الدفاع الأمريكي تهبط اضطراريا في بريطانيا    خشية الفضيحة.. تقتل رضيعتها وتلقيها في صندوق قمامة والمحكمة تعاقبها بالمشدد    اليوم.. آمال ماهر تفتتح مهرجان الموسيقى العربية على مسرح النافورة    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    أحدث ظهور.. سهر الصايغ في لحظات روحانية مؤثرة أثناء أداء العمرة    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    بعد دعوته للانعقاد.. تعرف على الضوابط التنظيمية للجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوجه الإعجاز في القرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 13 - 07 - 2016


السؤال:
ما المقصود بتحدي القرآن أن يأتي أحد بسورة مثله ؟ حيث يبدو أنه من الممكن لأي شخص أن يعيد صياغة ثلاثة أسطر من القرآن ، ثم الخروج بمخرجات جديدة ، أو وضع ثلاث أسطر مصاغة ببلاغة من القانون ، أو من أعمال شكسبير ومضاهاة القدرة اللغوية للقرآن .
الجواب:
الحمد لله
من حكمة الله تعالى أنه ما بعث من رسول إلا وأعطاه من الآيات ما تدل على صدقه ورسالته .
وكان كل نبي من الأنبياء السابقين يبعث إلى قومه خاصة ، ولم تكن دعوتهم عامة لجميع البشر ، ولا خالدة إلى يوم القيامة ، فأعطاهم الله آيات حسية يؤمن بها من رآها ، ثم من سمع بها من الأجيال المتعاقبة القريبة ، فإذا ضعف الإخبار بها بعث الله نبيا آخر بآيات أخرى ... وهكذا ، كآيات موسى وعيسى علهما السلام .
إلا أن شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يختلف عن سائر الأنبياء ، فهو خاتم النبيين فلا نبي بعده ، ودعوته عامة لجميع الجن والإنس ، خالدة إلى يوم القيامة ، فناسب ذلك أن تكون آيته العظمى الدالة على صدقه باقية إلى يوم القيامة ، محفوظة بحفظ الله لها من التغيير والتبديل ، تقيم الحجة على المعاندين ، ويؤمن بها أصحاب القلوب السليمة ، فكانت آية النبي صلى الله عليه وسلم العظمى هي القرآن الكريم ، مع ما أعطاه الله أيضا من الآيات الحسية كانشقاق القمر وغير ذلك .
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (7274).
ومعنى ذلك : أن القرآن الكريم هو أعظم آيات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو معجز غاية الإعجاز ، أي : يعجز البشر بل الجن والإنس عن الإتيان بمثله ، قال الله تعالى : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الإسراء/88 .
وقد تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله ، أو أن يأتوا بعشر سور فقط مثل سورة ، أو أن يأتوا بسورة واحدة فقط ، مثل سوره ، ولو كأقصر سوره التي لا تتجاوز سطرا واحدا ، كسورة الكوثر وسورة الإخلاص ونحوهما .
قال الله تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) هود /13 .
وقال تعالى : ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/23 .
وقد أخبر الله تعالى خبرا صادقا أنهم لن يستطيعوا فعل شيء من ذلك : ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) البقرة/24.
وأعداء القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام يسمعون هذا التحدي ويقرع آذانهم ، ويكرر القرآن على آذانهم بطلان أديانهم ، ويسفه عقولهم ويتوعدهم بالنار ، وهذا يعني : أنه قد وجد عندهم المقتضى للإتيان بمثله وهو تكذيبهم للقرآن ومحبتهم أن يظهروا بطلانه للناس .
ولم يمنعهم من ذلك مانع ، فلا حيل بينهم وبين الكلام ، ولا بينهم وبين الكتابة ، ولا بينهم وبين إجابة هذا التحدي .
ومع كل هذا ، لم نسمع عن أحد منهم -وتعدادهم بالمليارات- وفيهم الفصحاء والبلغاء والأدباء والكتاب والعلماء ... إلخ .
لم نسمع عن واحد منهم أنه قبل هذا التحدي واستطاع أن يأتي بسطر واحد من الكلام كأقصر سورة من سور القرآن الكريم ، إلا بعض محاولات بائسة لبعض فصحاء العرب ، أضحكت أقوامهم عليهم قبل أن يضحك منها المسلمون !!
وهذا التحدي لا يزال موجودا إلى اليوم يقرع آذانهم ، ولن يزال هكذا إلى قيام الساعة .
والجن والإنس عاجزون عن الإتيان بمثله .
فيكف يصح بعد ذلك أن يقال : إنه من الممكن لأي شخص أن يأتي بثلاثة أسطر مصاغة ببلاغة يضاهي بها القرآن ؟!
إن هذا الإمكان هو مجرد فرض يفرضه الذهن فقط ، ولكن لا وجود له في الواقع ، إذ لو كان ذلك بإمكانهم فلماذا لم يفعلوا !!
وها هو التحدي لا يزال قائما ، (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) الطور/34 ، (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) البقرة/23.
على أن أوجه إعجاز القرآن الكريم ليست محصورة فيما يتعلق باللغة العربية من حيث النظم والأسلوب والبلاغة والفصاحة ، وإنما أوجه إعجازه متعددة ، ذكر منها العلماء السابقين عشرة أوجه من أوجه الإعجاز ، وزاد المتأخرون أوجها أخرى ، ولا يبعد أن تكون هناك أوجه أخرى لا نعلمها يظهرها الله عز وجل للأجيال القادمة تكون مناسبة لعلومهم وعقولهم .
قال القرطبي رحمه الله :
" ووجوه إعجاز القرآن عَشْرَةٌ :
مِنْهَا : النَّظْمُ الْبَدِيعُ الْمُخَالِفُ لِكُلِّ نَظْمٍ مَعْهُودٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَفِي غَيْرِهَا ....
وَمِنْهَا: الْأُسْلُوبُ الْمُخَالِفُ لِجَمِيعِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ .
وَمِنْهَا: الْجَزَالَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ مِنْ مَخْلُوقٍ بِحَالٍ ...
وَمِنْهَا : التَّصَرُّفُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَرَبِيٌّ ، حَتَّى يَقَعَ مِنْهُمُ الِاتِّفَاقُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى إِصَابَتِهِ فِي وَضْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَحَرْفٍ مَوْضِعَهُ .
وَمِنْهَا: الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ في أول الدنيا إلى وقت نزوله مِنْ أُمِّيٍّ مَا كَانَ يَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ، فَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ مِنْ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أُمَمِهَا، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ فِي دَهْرِهَا، وَذَكَرَ مَا سَأَلَهُ أَهْلُ الكتاب عنه، وتحدوه به من قصص أَهْلِ الْكَهْفِ، وَشَأْنِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَحَالِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَجَاءَهُمْ وَهُوَ أُمِّيٌّ مِنْ أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، لَيْسَ لَهَا بِذَلِكَ عِلْمٌ بِمَا عَرَفُوا مِنَ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ صِحَّتَهُ، فَتَحَقَّقُوا صِدْقَهُ...
وَمِنْهَا: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، المدرك بالحسن فِي الْعَيَانِ، فِي كُلِّ مَا وَعَدَ اللَّهُ سبحان، وَيَنْقَسِمُ: إِلَى أَخْبَارِهِ الْمُطْلَقَةِ، كَوَعْدِهِ بِنَصْرِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِخْرَاجِ الَّذِينَ أَخْرَجُوهُ مَنْ وَطَنِهِ. وإلى مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِهِ:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " ... " وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ " ... " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " وَ" إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" ، وَشِبْهُ ذَلِكَ
وَمِنْهَا: الْإِخْبَارُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ، فمن ذلك:
مَا وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَيُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ". فَفَعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " وَقَالَ:" لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ". وَقَالَ" وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ " وَقَالَ:" الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ". فَهَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ عَنِ الْغُيُوبِ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَيْهَا إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَوْ مَنْ أَوْقَفَهُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْقَفَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ لِتَكُونَ دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ.
وَمِنْهَا: مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ جَمِيعِ الْأَنَامِ، فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَفِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ.
وَمِنْهَا الْحِكَمُ الْبَالِغَةُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ تَصْدُرَ فِي كَثْرَتِهَا وَشَرَفِهَا مِنْ آدَمِيٍّ.
وَمِنْهَا: التَّنَاسُبُ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ".
قلت: فهذه عشرة أوجه ذكرها عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:" وَجْهُ التَّحَدِّي فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ بِنَظْمِهِ وَصِحَّةِ مَعَانِيهِ، وَتَوَالِي فَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ. وَوَجْهُ إِعْجَازِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وَأَحَاطَ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ عِلْمًا، فَعَلِمَ بِإِحَاطَتِهِ أَيَّ لَفْظَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَلِيَ الْأُولَى، وَتُبَيِّنَ الْمَعْنَى بَعْدَ الْمَعْنَى، ثُمَّ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ" انتهى باختصار.
وقال الأستاذ محمد قطب رحمه الله في مقدمة كتابه "لا يأتون بمثله" (ص 8، 9) : "لقد كان العرب فى جاهليتهم قوما أولى فصاحة نادرة، وكانوا يعتزون بفصاحتهم إلى الحد الذى أطلقوا على غير الناطقين بلغتهم لفظة ((العجم)) ووصفوهم ب ((العجمة))، وفيها إشارة واضحة إلى أنهم يعدونهم دونهم لا لسبب إلا لأنهم لا يستطيعون الكلام باللغة الفصيحة- لغتهم هم- التى يتميزون بها!
وإذ كان ديدن الرسالات السماوية أنها تتحدى المنكرين بمعجزة تفوق قدراتهم البشرية، ليستيقنوا أنها من عند الله، ولو جحدوها ظاهرا، إمعانا فى الكفر والعناد ، كما قال سبحانه وتعالى عن موقف آل فرعون من معجزات موسى عليه السلام: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) النمل/14 .
إذ كان هذا ديدن الرسالات، فقد تحدى الله سبحانه وتعالى كل قوم فيما برعوا فيه وعدوه موضع فخرهم ، فتحدى قوم فرعون بآيات تفوق السحر الذى كانوا بارعين فيه، وكانوا يستخدمونه لفتنة الناس عن ربهم، وتأليه الفرعون بدلا من الله ، وتحدى قوم عيسى عليه السلام بآيات تفوق براعتهم فى الطب الذى كانوا يمارسونه ويعتزون بإتقانه؛ فأعطاه القدرة على نفخ الحياة فى الطين، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، ليستيقنوا أنه من عند الله:
)ورسولاً إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) آل عمران/49 .
فلما بعث الله الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فى العرب ، كان من المناسب أن تكون الآية التى يتحدى بها المنكرين فصاحة من نوع ودرجة لا يقدرون على الإتيان بمثلها، لتستيقنها أنفسهم ولو جحدوا بها ظاهراً كقوم فرعون ، فكانت معجزته الكبرى صلى الله عليه وسلم هى هذا القرآن، الذى تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فلم يستطيعوا، بصرف النظر عن المحاولة العابثة التى قام بها مسيلمة الكذاب، والمحاولة الأخرى التى قامت بها المتنبئة سجاح ، فلم تستطع هذه ولا تلك أن تقنع العرب بأن القرآن يمكن أن يأتي أحد بمثله .
هذا بالإضافة إلى أن الله قد أراد أن تكون معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية على الزمن ، لا تذهب بذهاب القوم الذين شاهدوها ، لأن الله أراد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأن تكون رسالته هى الرسالة الخاتمة ، الباقية إلى آخر الزمان .
إذا أدركنا ذلك، أدركنا سر اهتمام القدامى من الكتاب العرب بالإعجاز البيانى فى القرآن، حيث كان هو موضع التحدى ، وحيث كان عجز العرب- المعتزين بفصاحتهم- عن الإتيان بمثله، دليلا يقينيا على أن هذا القرآن هو كلام الله ، وليس من كلام البشر، وأنه- بهذه الصفة- هو دليل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى رسالته .
نعم ... ولكن القرآن لم يكن معجزا فى بنائه اللفظى وحده ، وإن كان إعجازه اللفظى كافيا- وحده- للدلالة على أنه من عند الله ، وكافيا- وحده- لإقامة التحدى أمام الإنس والجن إلى قيام الساعة‍‍‍‍‍‍!
القرآن معجز فى جميع مجالاته، وعلى جميع أصعدته" انتهى .
ثم ذكر أنه لا يمكنه الحديث عن كل مجالات الإعجاز في القرآن الكريم ، لأن هذا يحتاج إلى مجهود ضخم يقوم به فريق من الباحثين ، ولذلك سيكتفي بالإشارة إلى بعض مجالات الإعجاز القرآني ، واختار منها :
الإعجاز البياني .
الإعجاز الدعوي .
الإعجاز التربوي
الإعجاز التشريعي .
الإعجاز العلمي .
وتكلم عن هذه المجالات فأجاد وأفاد رحمه الله .
والله أعلم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.