■ الرئيس الأسبق للإمام: هتأكلنا إيه يامولانا.. والشعراوى يرد: قالوا لك لابس إيه وما قالوش طابخ إيه؟ ■ ننفرد بنشر وثائق بخط يد الشيخ لأول مرة ■ أحمد شفيق وعمرو دياب وشمس البارودى يزورون ضريح الشعراوى متخفين الطلاب الماليزيون بالأزهر: نزور ضريح الإمام كل شهر.. وندين له بالفضل طوال 5 عقود من حياته، وحتى الآن، أنارت كلماته دروب التائهين، وكفت تفسيراته السائلين، اعتبره البعض مُحدِّث عصره، إنه الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى، الذى رغم مرور 18 عامًا على وفاته، ما زالت كلماته نبراسًا يهتدى به المصريون. زارت «الفجر»، مسقط رأسه، وصلنا إلى حيث ولد الإمام، فى قرية «دقادوس» مركز ميت غمر بمدينة المنصورة، تأملنا التفاصيل، وفهمناها، حيث تستقبلك صوره، التى لا يخلو «توك توك» منها، ومقولاته، التى تتزين جدران القرية بها، هناك.. سيدلك دفء صوته الصادر من مذياع قديم، إلى بيته، وضريحه، ومجمعه الإسلامى المُتكامل. فاضت «دقادوس» بالخير إكرامًا للإمام، فأينما ساقتك قدماك ستجد ما ينفع الناس متبوعًا باسم الشيخ، فهذا مسجد، وذاك مستوصف، وتلك دار أيتام، ورغم مرور نحو عقدين من الزمان على وفاة «الشعراوى»، ما زال الناس يتبركون بسيرته، الأمر الذى جعل ضريحه قبلة الجميع، وفى ظل انخراط البعض فى التعبير عن حبهم للإمام بما لم يُنزل الله به من سلطان، اضطر أبناؤه إلى وضع لافتة كبيرة على مدخل ضريحه، كتبوا عليها: «هذا الرجل قد مات ولن ينفع أحدا.. نرجو من السادة الزائرين احترام المكان». 1- المجمع الإسلامى على مدخل مجمع الشعراوى الإسلامى، سيعوقك زحام الرجال والنساء المنتظرين للكشف على أبواب المستوصف الطبى، ويساره يستقبلك ممر طويل، يقودك مباشرة إلى ضريح الإمام الشعراوى، فور وصولك إلى هناك سترى محبى الإمام ومريديه يفترشون الأرض، وحلقات قراءة القرآن مكتملة العدد. عم صالح، كبير خدام الضريح، لم يعرف عن تلك السيدة أى شىء، لكنه اعترف لنا أن أكثر زوار الضريح من السيدات، اللائى يأتين للتبرك وقراءة الفاتحة للإمام من مختلف قرى محافظة الدقهلية، والمحافظات المجاورة، وفى ذكرى ميلاد ووفاة الإمام، نستقبل الزائرين من مختلف محافظات مصر، كما يأتى العديد من الأشقاء العرب. وصعد بنا إلى الطابق الأول من «مجمع الشعراوى الإسلامى»، الذى يحوى مسجدًا كبيرًا، يوجد به الضريح، بالإضافة إلى مستشفى، ودار لتحفيظ القرآن، وهناك استقبلنا سعيد إبراهيم، 60 عامًا، تلميذ الإمام، وأحد كبار موظفى المجمع، الذى أخبرنا بتوافد أعداد غفيرة من الطلاب الماليزيين الذين يدرسون فى الأزهر لزيارة ضريح الإمام الشعراوى بصفة دورية، كل شهر. ومع تكرار زياراتهم، أثار ذلك فضولى، فسألتهم: لماذا تحرصون على زيارة ضريح الإمام؟.. فأجابوا بلغتهم العربية التى حسنّها القرآن: لولا الشيخ الشعراوى لما استطعنا الإقامة فى مصر، لدراسة علوم الإسلام بالأزهر الشريف، لأنه تبرع بجائزة دبى التى حصل عليها قبل وفاته لبناء مجمع سكنى للطلاب الماليزيين فى القاهرة، هذا علاوة على تفسيراته المبسطة للقرآن، وخطبه الرائعة عن الإسلام، والتى كانت سببًا رئيسيًا فى دخول العديد منا إلى الإسلام. اصطحبنا الحاج سعيد بعد ذلك، إلى قاعة كبار الزوار، التى اعتاد الشيخ الشعراوى الجلوس فيها طوال إقامته فى «دقادوس»، فى تلك القاعة ستشعر بروح الإمام محتضنة صوره المعلقة على جدرانها، يغلف اللون الأخضر جميع مقاعدها، لفت انتباهنا زهو الألوان، فسألناه عن آخر موعد تجددت فيه القاعة، ففاجأنا متبسمًا: «الكراسى والألوان دى من أيام الشيخ الشعراوى». وأشار لنا على المقعد المخصص للإمام، الذى كان يحب الجلوس عليه، ولم يغيره أبدًا، فوجدناه الأكبر حجمًا، والأجمل نقشًا، يتوسط القاعة، وتحيطه باقى المقاعد من كافة الجوانب، أمامه مباشرة صورتان كبيرتان للحرم المكى، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قد أهداهما الملك فهد بن عبد العزيز الخادم الأسبق للحرمين الشريفين، إلى الإمام الشعراوى، على اليمين، ستجد وثيقة كبيرة من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، مهداة إلى عبدالرحيم نجل الإمام، تتيح إقامة طريقة «شعراوية» للاحتفال بمولد الإمام، إلا أن رفض عبدالرحيم حال دون إتمام الأمر. 2- المنزل فور انتهائنا من زيارة مجمع الإمام، انتقلنا إلى منزله، فوجدناه ملاصقًا تمامًا للمجمع، بالدرجة التى تتيح متابعة ما يحدث داخله من المنزل بوضوح، خاصة أن المنزل كبير وواسع، يتكون من 4 طوابق، هممنا بالدخول إلى المنزل، لنتعرف على من بداخله، فأعاقتنا الأسلاك الشائكة المحيطة بكافة جوانب المنزل. فسر لنا أحد العاملين ذلك، فقال: المنزل لا تجلس فيه سوى الحاجة سعاد، زوجة الشيخ عبدالرحيم نجل الإمام الشعراوى، ولا تصح زيارتها؛ لأنها تجلس بمفردها، أما الأسلاك الشائكة، فلأن بعض الباعة الجائلين حاولوا مرارًا وتكرارًا افتراش رصيف البيت، ما سبب إزعاجًا كبيرًا لأبناء الإمام، بالإضافة إلى قفز الأطفال من على السور ودخول المنزل بسهولة، دون احترام خصوصيات أهل البيت. 3- المسجد فى الشارع الخلفى من المنزل، وجدنا مسجد الإمام الشعراوى، تحدثنا مع سمير عبد اللطيف، خادم المسجد، الذى أخبرنا أن هذا المسجد تم بناؤه من الألواح الخشبية، وجدرانه كانت متآكلة، حتى حدث زلزال 1992، فانهار انهيارًا تامًا. جلس عمد ومشايخ قرية دقادوس لجمع الأموال لإعادة بنائه، كونه المسجد الوحيد فى القرية آنذاك، واتصلوا بالشيخ الشعراوى، طلبوا منه التبرع لبناء المسجد، فقال لهم: «ماتلموش من حد فلوس، ولو حد دفع حاجة رجعوها له تانى، أنا سأتكفل ببنائه»، وبالفعل فى اليوم الثانى مباشرة أتى المهندسون والعمال، وتم بناؤه بهذا الشكل الرائع الذى هو عليه الآن. 4- وثائق بخط يد الإمام تنشر لأول مرة أخرج لنا أحد العاملين بالمجمع الإسلامى، وثائق جديدة لم يُكشف عنها قبل ذلك، خطها الشيخ الشعراوى بيمينه، ومن بين ركام التراب الذى غطى تلك الوثائق النادرة، أخرج لنا العامل ورقة كتبها الإمام أثناء عمله فى وزارة الأوقاف، عندما كان وكيلا لشئون الدعوة فى محافظة الدقهلية. وتظهر الوثيقة دعوة الإمام الشعراوى لأئمة مساجد المحافظة للاجتماع الفورى آنذاك، ليتدارسوا جميعًا شئون الدعوة وأساليبها، واختتم الإمام دعوته ب«أسأل الله أن يوفر كل أجهزتنا لجدية العمل، وجدية الأداء، حتى نكون حفظة الدين وورثة الأنبياء.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. إمضاء محمد متولى الشعراوى». ليس ذلك فحسب.. بل حصلنا على وثيقة أخرى، خاطب فيها الإمام مفتشى المساجد، وطالبهم بتكثيف المراقبة على مساجد طنطا على مدار الشهر، وأخرى بتكليف أئمة المساجد لأداء صلاة الجمعة بأنفسهم، وأخرى بخط يد الإمام، لمواعيد جداول اجتماعات المشرفين على المساجد يوميًا. 5- حكايات الحفيد الأكبر ربما لم يدرك محمد عبدالرحيم محمد متولى الشعراوى، الحفيد الأكبر للإمام، قيمة الاسم الذى يحمله فى صغره، إلا أنه حتمًا عرف الآن، أن جده هو أحد أوسع علماء المسلمين شهرة فى العصر الحديث. قال محمد: عشت فترة طفولتى فى أحضان جدى، وترعرعت فى منزله، نهلت من علمه، وحكمته، أوصانى جدى، ومن بعده أبى، عليهما رحمات الله، أن أحتفظ بانتسابى إلى قرية دقادوس، وأن أعيش بداخلها، فأنا الحفيد الأكبر على 20 حفيدًا للشيخ الشعراوى، ورعاية تاريخ العائلة والحفاظ على تراثها مسئوليتى أنا وأقرانى. وفتح لنا محمد، خزينة مواقف الإمام الشعراوى مع مشاهير الفن، وصناع قرار الدولة آنذاك، فاعترف بزيارات كل من: الفريق أحمد شفيق، المرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية، والفنانين: محمد فؤاد، وعمرو دياب، وشمس البارودى، وكريمة مختار، إلى ضريح الإمام، دون معرفة أحد من مسئولى الضريح أو موظفى المجمع الإسلامى، لأن هؤلاء المشاهير يأتون متخفين، ولا يعرف بتلك الزيارات ومواعيدها سوى أفراد العائلة فقط. واعتاد الإمام قضاء وقته الأكبر فى «دقادوس»، وأطلق عليها لقب «وادى الراحة»، وأذكر ذات مرة، أن طلب منى جدى الإمام إحضار «عم محمد» حلاق القرية، فذهبت وأحضرته، وما أن لمحه جدى، إلا قال له: «أنت فين ياراجل.. من ساعة ما بطلت تحلقلى وأنا شعرى بايظ»، فضحك الحلاق، وبدأ قص شعر الإمام، وفوجئت بالحلاقة سيئة للغاية، وظننت جدى سيستاء منها، لكنه قال له: «تسلم إيدك.. إيه الحلاوة دى»، فوضعت لسانى فى فمى ولم أتكلم، لقد أحب الإمام الشعراوى «دقادوس» بكل تفاصيلها. وكشف محمد، عن زيارة زكريا عزمى، رئيس ديوان عام رئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، للإمام فى منزله بمحافظة الجيزة، ليعطيه الأرقام التليفونية الجديدة لديوان رئاسة الجمهورية، فقال له الإمام: «أقعد اتغدى معانا.. طابخين النهارده بامية»، إلا أن انشغال «عزمى» حال دون قبوله لعزمة الشيخ. بعد ذلك بساعة، اتصل الرئيس مبارك بالإمام، وداعبه بقوله: «إيه الجلابية الحلوة اللى انت لابسها دى ياشيخنا.. ياترى هتغدينا إيه النهارده»، فرد عليه الإمام ضاحكًا: «يعنى ياريس قالولك أنا لابس إيه.. ونسيوا يقولوا لك عامل أكل إيه؟»، بعد تلك المكالمة بأيام، زار الإعلامى الكبير مفيد فوزى الإمام الشعراوى، وأجرى معه حواراً مطولاً، وأهداه الإمام مصحفًا.