من نفحات القرآن : في سورة القصص وجه آخر من وجوه اليقين بأن الله منجز وعده ؛ قال تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) ( القصص : 7 ).. لنتأمل نفسية أم يقال لها إذا خفت على رضيعك فألقيه في اليم.. اليم الذي يبتلع ما يلقى إليه سيغدو منقذا للرضيع من خطر الموت ..أم موسى في لحظة بالغة الصعوبة ؛ فهي تخاف على ابنها من بطش فرعون ، وتخاف عليه من الموت غرقا ، ولكن رفعة المنزلة التي يتمتع بها المتكلم -سبحانه وتعالى- في نفس أم موسى وراء تصديقها لما لا يصدق... فالعقل البشري لم يألف أن يرى بحرا ينقذ طفلا لا يحسن العوم ولا يقوى على مصانعة الموج..ولكن قلب أم موسى يقلع عن الخوف ممتثلا للنهي الإلهي : ( لا تخافي ولا تحزني ). وعقل أم موسى في أرفع مراتب اليقين من إنفاذ الله وعده : ( إنا رادوه إليك )... بهذا اليقين ألقت رضيعها في اليم ليسخر الله البحر حتى يحنو على طفل لا حيلة له أمام الموج ، ويسخر أعدى أعداء الطفل ليعيده إلى أمه كي ترضعه وتقر به عينا. لنتامل الوظيفة التي تقوم بها الفاء في جواب الطلب : ( فألقيه في اليم) إن الفاء هنا ليست مجرد حرف يربط طرفي الشرط ، إنها مرآة تعكس حركة النفس الملتاعة ، المطالبة بسرعة إلقاء الرضيع في اليم ؛ إذ لا وقت لرفاهية المراحعة وقياس العواقب والمفاضلة بين إبقاء الرضيع في حضن الأم وإلقائه في يم لا قلب له... وللحديث بقية....