وزير الري يشارك فى جلسات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    صندوق النقد يحذر من ارتفاع الدين العام العالمي إلى أعلى مستوى منذ عام 1948    محافظ جنوب سيناء يبحث آليات البدء في تنفيذ مشروع محطة إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر بمدينة الطور    14 شهيدا في قطاع غزة منذ فجر اليوم    مسؤول سابق بالناتو: تنسيق مع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لمواجهة تقليل النفقات الدفاعية    حزب المصريين: زيارة البرهان لمصر تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين    وزير الرياضة يهنئ رباعي سيدات تنس الطاولة لتأهلهن إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا    كرة يد - إلى ربع النهائي.. سيدات الأهلي تكتسحن اتحاد النواصر في بطولة إفريقيا    القبض على مالك مطبعة لتقليد المطبوعات التجارية بعين شمس    بث مباشر.. لحظة انتشال سيارة ملاكى سقطت فى ترعة المريوطية بدون خسائر بشرية    تكثيف أمني لكشف غموض العثور على جثة شقيقين بالعياط    محامي شيرين بعد رفض طعن روتانا: من حقها إصدار أغانيها في أي وقت    انطلاق الدورة السادسة عشر من مهرجان المسرح العربى من 10 ل 16 يناير    محافظ أسوان يفتتح منفذ بيع إصدارات هيئة الكتاب بمكتبة مصر العامة    بعد مقاضاة طليقته بالنفقة.. محمد العمروسى: العائلة هى الكنز الحقيقى    نجوم الفن يغادرون إلى الغردقة لحضور مهرجان الجونة 2025.. صور    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقارى بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    الصحة العالمية: برنامج التطعيم الإجباري بمصر نموذج يحُتذى به على مستوى العالم    ننشر مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الخامس الابتدائي    رئيس جامعة سوهاج يفتتح وحدة المعمل المركزي للتحليل الحراري    دي يونج مستمر مع برشلونة حتى 2029    أجندة سيتي حتى توقف نوفمبر.. 7 مباريات في 22 يوما ل مرموش قبل العودة لمنتخب مصر    الصين: مصر شريك محوري في أفريقيا والعالم العربي    مستشار مركز السياسات الأوكراني يُطالب بتعزيز النفقات لصد الهجمات الجوية    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا تدريبيًا توعويًا بمدرسة الجلاء الابتدائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    الشيخ خالد الجندي: جنات عدن في القرآن رمز للخلود وتمام الأجر الإلهي    ضبط 850 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    انطلاق فاعليات اليوم العالمي لغسيل الايدي بمدارس شمال سيناء    صحة المنوفية تواصل استعداداتها للاعتماد من هيئة الاعتماد والرقابة    شفاء المرضى أهم من الشهرة العالمية    وزيرة التضامن: مصر قدمت نحو 600 ألف طن من المساعدات لقطاع غزة    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    موعد مباراة الأهلي ضد إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا والقنوات الناقلة    عملية أمنية شاملة لاستهداف المتعاونين مع الاحتلال في قطاع غزة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    «مدينة زويل» تفتتح موسمها الثقافي باستضافة وزير الأوقاف الخميس    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    توفير لقاح الأنفلونزا الموسمية فى 17 منفذا بالشرقية .. العناوين    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    اللجنة الخاصة: استثناء "فوات الوقت" في استجواب النيابة للمتهمين    ب 20 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    محافظ كفر الشيخ يُهنئ القارئ أحمد نعينع لتكليفه شيخًا لعموم المقارئ المصرية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اكتشف صلاتك!
نشر في الفجر يوم 30 - 05 - 2016

لو أدرك المسلمون اليوم ما معنى (الصلاة)؟ ما تركها واحد منهم، إلا من أصر على ضلاله وعماه، أو كزّ على كفره وزندقته!
تبصرة .. منزلة الصلاة
أما أنت يا صاح فاعلم أن السير إلى الله من غير مسلك الصلاة ضرب في التيه! كل أعمالك في الجهاد، والدعوة إلى الله، وما تستكثره من حركات وسياسات؛ راجعة إلى مدى سلامة هذا الأصل عندك؛ قصدًا، ووقتًا، وأداء، وإلا فعلى دينك السلام! {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
إنك لن تذوق ما الإيمان وما الإسلام؛ حتى ترحل إلى الصلاة: تكتشف أسرارها، الممتدة إلى بحر الغيب المطلق؛ فترى عجبًا .. إن الصلاة أول ما يبادر إليه المحب أول ما يتذوق معنى المحبة؛ إذ يتعرف على جمال الله من خلال القرآن الكريم؛ ومن هنا أمره عز وجل بالصلاة؛ مباشرة بعد أمره تعالى بالتلاوة، على سبيل العطف المباشر، المشعر بالتساوي بين الفعلين، مما يوحي بانعدام الفرق الزمني بينهما؛ لما بين الاستجابتين من ارتباط وثيق، إن من تعرف على القرآن الكريم حقًّا لا يملك إلا أن يصلي، قال تعالى: {اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
ومن هنا كان أول عمل من العبادات قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بالله وتوحيده- هو الصلاة، وهي أول عمل تعلمه من تطبيقات القرآن، وهذا أمر مهم جدًّا في معرفة ما يبتدأ به من أمر البلاغ. قال عليه الصلاة والسلام: "أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي فعلمني الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه".
ذلك أول العمل، كما هو ظاهر هذا الخطاب: "في أول ما أوحي إلي"، الوضوء والصلاة، ولهذا دلالة كبرى في معرفة البدايات والأصول العمليات، ولم يزل ذلك مرافقًا لعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يزداد مع الأيام إلا ترسخًا في الدين، وما تنزل القرآن بعده إلا بما يؤكد أنه أساس الغايات، ومنتهى العبادات.
وتأمل كيف أن الله جل جلاله أفرد (إقام الصلاة) بالذكر -في بناء المنهج الإصلاحي- بعد ذكر التمسيك بالكتاب، مع أن الصلاة فرع عن التمسيك بالكتاب، وداخلة في معناه، فلولا أنها أساس، وأم من أمهات البلاغ القرآني، ومنطلق من منطلقات الصلاح والإصلاح؛ لما كان لها ذلك التفريد الفريد، قال عز من قائل: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170].
إن العلماء يجمعون على أن الوظيفة الوحيدة للإنسان في الكون هي عبادة الله، فكل حظوظه الدنيوية إنما هي منجرة بالتبع مع أصل العبادة، وإنما أتيح له أن ينال من حظه ما يعينه على وظيفته الأساس، وأصل ذلك ومستنده قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
إن خلاصة دين الإسلام عقيدةً وشريعةً: هي إخلاص العبادة لله الواحد القهار، والصلاة منه هي مفتاح كل شعيرة من شعائره، وروحها، وغايتها؛ زكاةً، وصيامًا، وحجًا، وجهادًا .. إلى آخر ما تفرع عن هذه وتلك من سائر أعمال البر، ولذلك كانت الصلوات الخمس -بعد الشهادتين- هي العنوان الجامع المانع لكل أعمال الإسلام. إذ كل ما سواها داخل في معناها. وليس عبثًا أن يعتبرها الرسول خير أعمال المسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا" وفي رواية: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
ركَّعًا سجَّدًا
لقد جعل الله الصلاة هي آية المسلم، والعلامة الجميلة التي تميزه في مسيرة التاريخ النبوي، فهي الفصل الذي لا يعرف إلا به، والنور الذي لا يمشي إلا به، قال عز وجل: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
وإنما اكتسبوا صِفَتَيْهم الأوليين: الجهادية: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}، والخلقية: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؛ من كونهم رهبانًا بالليل، أي قوله: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}؛ لأن ذلك هو المعين الصافي الذي يتزود منه المسلم الصادق المجاهد الداعية إلى الله؛ بصدق التوجه والسير، من حيث إن قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}، فيه إشارة إلى أن ذلك هو دأبهم وحالهم المستمر في حركتهم التعبدية؛ إذ التعبير باسم الفاعل جمعًا: {رُكَّعًا سُجَّدًا}، في سياق الفعل المضارع: {تَرَاهُمْ}؛ يوحي بصورة حية لقافلة المؤمنين، وهم منخرطون في حركة الصلاة المتواترة، من غير فتور أو انقطاع، سيرًا مستمرًا حتى كان ذلك صفة ثابتة لهم، حيثما تراهم، {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}.
أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة
ولذلك كان تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ في حياة المسلم التعبدية بالنهر الجاري، قال: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟ قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا" (رواه مسلم). إن الإسلام في نهاية المطاف هو الصلاة، بالمعنى الذي سبق بيانه؛ وعلى هذا الوزان تُقَوَّم أعماله كلها يوم القيامة، وعلى ذلك يتحدد مصيره الأخير .. ! قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحاكم الحاسم: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة! فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر! وإن انتقص من فريضة قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك".
وأوضح من هذا دلالة على ما نحن فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله"، فليس عبثًا إذن أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في مراتب أعمال ابن آدم، على سبيل ترتيب الأولويات: "أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله" (متفق عليه)، إن الأمر جد، فتدبر! ثم أبصر!
الصلاة والكفر بالله
وما بقي لمسلم تَرَك الصلاةَ من إيمانه إلا ما لا يخلده في النار، لا ما ينقذه منها بإطلاق، قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (رواه مسلم)، وقال أيضًا: "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة"، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك"، وهذه الأحاديث وما في معناها تقتضي أن المسلم التارك لصلاته قد شابه الكفار في صفاتهم، فكفر عملًا وإن سلم عقيدة؛ لأن المسلم إنما يتميز بصفة الصلاة التي هي عنوان إسلامه -كما بيناه قبل- فمن فَقَدَ عنوانه فَقَدَ هويته.
الصلاة فلاح المؤمنين
ولنعد إلى جمال القرآن الكريم، ذلك أن الله تعالى إذ يصف فلاح المؤمنين؛ يذكر الصلاة باعتبارها أول وسام نوري -بعد الإيمان- يشع من قلوبهم، وهو أمر يكاد يكون مطردًا في كل آي القرآن العظيم، يقول المولى الكريم في أول سورة البقرة: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1 - 3].
ومن أجمل ما ورد في ذلك فاتحة سورة (المؤمنون)، إذ جعل الله أول صفاتهم الخشوع في الصلاة، وآخرها المحافظة على الصلاة، وكل أعمال الصلاح من فعل الخيرات وترك المنكرات؛ جعلها فيما بينهما، فاقرأ وتدبر .. واحفظها واحدة واحدة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11]. فالخير كله فاتحته الصلاة، والخير كله خاتمته الصلاة، والخير كله غايته الصلاة، والخير كله وسيلته الصلاة.
تبصرة: والصلاة تَرْكٌ كما هي فِعْلٌ
إن كنت تصلي حقًّا؛ فأنت تارك لكل منكر من الكبائر والموبقات! من مثل الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وكذا تناول المحرمات من المطعومات والمشروبات، كأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وشرب الخمر أم الفواحش، وسائر المسكرات والمخدرات، والسقوط في المحرمات من المعاملات والملبوسات، كالكبر، والظلم، والغصب، وشهادة الزور، وأكل أموال الناس بالباطل، والقمار، وسائر المنكرات!
فتدبر كيف أن الله جل جلاله ذكر في سياق صفات الفلاح -مما أوردناه قبل من فواتح سورة (المؤمنون) - عددًا من الأفعال والتروك، كان جانب الترك فيها أكثر حضورًا، باللفظ أو بالمعنى، كما في (الإعراض عن اللغو)، و (حفظ الفروج) الذي هو في معنى النهي عن الزنى، والنهي عن كل مسالكه وأسبابه، و (رعي الأمانات والعهود)، الذي هو في معنى النهي عن الخيانات بشتى أنواعها، وهذا شيء مهم جدًّا، ذلك أن الصلاة كما ذكرنا ترك من التروك.
وجامع ذلك كله قول الله ذي الأسرار والأنوار: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]. هل أبصرت هذه الآية؟ أبصر إذن كيف أن الله تعالى أسند فعل النهي للصلاة نفسها! كأنها هي ذاتها شخص معنوي، في هيأة نبي مرسل يؤدي مهمته التبليغية، أو عبدٍ مصلح يقوم بوظيفته الإصلاحية!
أعد التلاوة وتدبر: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}عجيب! لأن معنى (أن تصلي): هو أن ترحل عن خطاياك إلى الله .. تخرج من دركات العادة إلى درجات العبادة، وهذا كلام يعبر عن حقائق لا يعلم مدى عمقها في النفس إلا الله! إذ تتحول الأذواق وتتبدل، يتغير طعم المنكر في قلبك فلا تستحليه. ويتبدل ذوق شهوات الحرام من الرغبة إلى الغضبة! وتصبح خلقًا آخر! أبصر ثم أبصر! فإن الصلاة تصنعك! نعم، إنها {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}. هل غلبتك الفاحشة ولم تستطع التخلص منها؟ هل أنت مدمن على خطيئة ما؟
دواؤك واحد: صَلِّ! تقول لي: إنني أصلي .. لا، لا! صلِّ! فإنك لا تصلي! {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، صلِّ؛ تجد أن ما كان يأسرك من المحرمات بالأمس، ويملأ عليك قلبك نزوةً ورغبةً، فلا تستطيع التخلص منه؛ هو من أبغض الأشياء إليك اليوم! إن القرآن سيف قاطع، إذا قطع القول في حقيقةٍ فلا مراء بعدُ إلى يوم القيامة! ولقد قال الحقُّ كلمتَه، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32].
إن الصلاة سفر من الأرض إلى السماء؛ فأنى لمنازل السلام أن تصطدم بنوازل الحرام؟ أبدًا، لا شهود للدرجات في نتانة الدَّرَكات!
تبصرة .. الصلاة الصلاة حتى في الحرب
ومن أعجب العجب أن ألزم الله جل جلاله المسلمين بالصلاة إلزامًا؛ حتى في أحرج الظروف وأخطرها: الحرب .. قال جل جلاله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238 - 239]. فقوله سبحانه: {فَإنْ خِفْتُمْ} يعني في حال الحرب وانعدام السلم والأمن، سواء لحظة الاشتباك أو لحظة الترقب، وقوله: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}؛ أي فصلوا (صلاة الخوف) باصطلاح الفقهاء. وهي عندهم: الصلوات الخمس إذ تؤدى في ظروف الحرب. فتؤدى {رِجَالًا}، أي: على أرجلكم، واقفين أو سائرين، أو {رُكْبَانًا}، أي: راكبين خيولكم، أو دباباتكم، ومصفحاتكم.
فعجيب أمر هذه العبادة العظمى !! .. لا تبرأ ذمة المسلم منها حتى يؤديها، وقد جاء تأكيد ربطها بالوقت في ظروف الحرب كما قرأت؛ حتى لا يؤخرها مسلم عن وقتها الذي فرضها الله فيه، فالحرب، بل الاشتباك في المعركة، أي ما يسمى قديمًا ب (المسايفة)؛ ليس عذرًا لتأخير الصلاة عن وقتها، بله أن يكون عذرًا لتركها. وإنما هو يؤثر فقط في شكل أدائها لا في إسقاطها، أو إخراجها عن وقتها، صلّ على أي حال كنت، وخذ حذرك! {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، في السلم وفي الحرب سواء!
تبصرة .. الصلاة الرباط الرباط
فإلى الذين يرابطون في أسواق التجارات، أو يرابطون في أسواق السياسات والنقابات، ويفرطون -أو يتكاسلون- في أداء الصلوات، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؛ إليكم المفهوم النبوي للرباط! .. قال صلى الله عليه وسلم في سياق التنبيه والترشيد: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة .. فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فذلكم الرباط!" (رواه مسلم).
إنه تفسير نبوي لقول الله تعالى في محكم البلاغ القرآني: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 38].
يا حسرةً على العباد! لو يدركون ما هذه الصلوات؟ ويا حسرة ثم يا حسرة! على نابتة من أبناء الحركات الإسلامية، تعددت بهم السبل من هنا وهناك، وتفرقت بهم الأهواء، وانغمسوا في التيه من كل صوب، وأضاعوا هذه الصلوات، خشوعَها ومواقيتَها وجمالَها؛ فصدق عليهم قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
تبصرة: تدبر بذوقك
وإن للسياسة والرياسة لشهوة لو كنتم تعقلون، وإن لأشعة الإعلام، وزينة الكاميرات لشهوة لو كنتم تتفكرون. تلك آية فاصلة بين نوعين من الأجيال، بينهما ما بين النور والنار من دلالة، فللآية رهبة عظيمة لو تدبرتها، اقرأها ها هي ذي كاملة، فتدبر: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 58 - 60].
فتدبر .. ثم تدبر عسى أن تدرك بذوقك ما هذه الصلوات في الإسلام؛ فتبصرها، وتركب أوقاتها؛ لتدور بفلك العابدين سيرًا إلى الله العلي الكبير، فالصلاة هي العبادة التي تدخل من خلالها إلى نسق الكون، في صحبة الكائنات السائرات من النباتات إلى المجرات، لا فوضى ولا عصيان ولا تمرد، {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]، فأين أنت من المدار؟
ذلك نص البلاغ النبوي المستمد من وحي الله رب العالمين، فاختر لنفسك ما ينجيها إن كنت من العاقلين!
{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.