حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نص رسالة مرشد الإخوان بمناسبة الاحتفال ب"الإسراء والمعراج"
نشر في الفجر يوم 06 - 06 - 2013

حصلت "الفجر" على نص الرسالة الأسبوعية للدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بمناسبة احتفال الأمة الإسلامية، برحلة الإسراء والمعراج.
وفيما يلي نص الرسالة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فعن َأَنَسبْن مَالِكٍ -رضي الله عنه – في حديثه عن الإسراء والمعراج قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي".
أيها المسلمون في كل مكان:
إن الإسراء والمعراج من آيات الله الكبرى ومعجزاته العظمى التي اختصَّ الله بها الرسول صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ؛ حتى يرى دلائل القدرة، ويشاهد بعضًا من الكون العظيم، ويقف على جانب من الغيب، فيزداد يقينًا ويطمئنّ قلبه إلى نصرة الله تعالى وتأييده، ويفيض بهذا الاطمئنان على الأمة من رسولها الصَّادق المصدوق الذي ما كذب فؤاده ما رآه، وكأنَّ رحلة الإسراء تقول له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا ضاقت بك مكة وأهلها، وإذا تنكَّرت لك الطائف وسكانها، وأغروا بك السُّفَهاء والصِّغار...
إذا كان هذا شأن أهل الأرض معك فإن ربّ السماوات والأرض يدعوك إلى رحلة في الكون الفسيح؛ لزيارة المسجد الأَقْصَى والسماوات العُلا؛ ليريك من آياتِربك الكبرى، وكأن الأمة كلها بعدك ترى بعينيك .
وفي تلك الرحلة يمرُّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطور سيناء ويصلي فيها، وكذلك يُصلِّي ببيت لحم، وفي المسجد الأقصى يُصلِّي إمامًا للأنبياء والرسل، ومن المسجد الأَقْصَى يصعد به إلى السماء؛ ليرى احتفاء الرسل والملائكة به، وليرجع الصلوات الخمس هدية لأمته، ويرى نماذج حية لمشاهد القيامة إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشر، وكل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين فهؤلاء لهم فضل فوق العدل .
حكمة فرضية الصلاة ليلة الإسراء:
والحكمة في فرض الصلاة ليلة الإسراء أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما عُرِجَ به رأى تعبُّد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يرقد، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص.
وأيضًا كانت فرضيتها بغير واسطة إشارة إلى عظيم منزلتها، وسموِّ مكانتها في الدين،وكيف لا وهي عماد الدين وأساس اليقين، ومنطلق التحرُّر من كل عبودية، إلا من العبودية لله وحده، والتخلص من كل ذلٍّ، إلا لربه وخالقه ورازقه، فالمسلم الذي يركع ويسجد لله لا يستكين ولا يخضع لأحد سواه.. محذرًا إياه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أعطى الذِّلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس منَّا"، ترنيمة المؤمن التي يخاطب بها كل ما يحيط به من دعوات باطلة (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(الزمر: 64 -66).
الصلاة معراج المؤمن:
أيها المسلمون:
ولما كان الإسراء والمعراج للرسول صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ بالجسد والروح تكريمًا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ربَّ العالمين اختصَّ أمته بأن فرض عليها الصلاة في تلك الرحلة؛ لتكون عروجًا للمسلم بروحه وقلبه، وإذا كان الرسول صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَسَلَّمَ قد اقترب من ربه، فإن في الصلاة قربًا من الله تعالى قال تعالى: (كلا لا تطعه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(العلق: 19). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». وما أجمل قول الإمام البَنَّا عن الصلاة: إن منزلة الصلاة من الإسلام، منزلة الرأس من الجسد، فهي عماده ودعامته، وركنه وشعيرته، ومظهره الخالد وآيته الباقية، وهي مع ذلك قُرَّةُ العين، وراحة الضمير، وأُنْسُ النفس، وبهجة القلب، والصِّلَة بين العبد والرب، والمرفأة تصعد برُقيِّها أرواح المحبِّين إلى أعلى علِّيين، فتنعم بالأنس وترتع في رياض القدس، وتجتمع لها أسباب السعادة من عالمي الغيب والشهادة".
وإن نداء الله أكبر المتكرر في اليوم يجعل المسلم على يقين أن ماعدا الله الكبير المتعال صغير،وإشارة اليدين بطرح الدنيا كلها خلف الظهر، وتيمم وجهك وقلبك وجسدك إلى بيت الله سبحانه، حتى ولو كنت إمامًا فتأخذ المأمومين معك إلى الله ووجهك ووجوهم إلى الله وظهرك وظهورهم إلى الدنيا، وتتحقق بما تفتتح به الصلاة: "وجَّهْتُ وَجْهيَ للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لله رب الْعَالمين، لَا شريكلَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك، ظَلَمْتُ نَفسِي، وَاعْتَرَفتُ بذنبي، فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَايغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، واهدني لأحسن الْأَخْلَاق، لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت، واصرف عنِّي سيئها، لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت، لبَّيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر كُله فِي يَديك، وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك وَإِلَيْك، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك"، هل بعد هذا يبقى على جسدك من درنٍ بعد الوضوء؟ وهل يبقى في نفسك دَرَن من الذنوب بعد كل هذا الاستغفار في الاستفتاح لو خرج من القلب ودعوت الله وأنت موقنٌ بالإجابة؟..
أيها المسلمون في كل مكان:
اعلموا أن صلاح أمركم واستعادة مجدكم واسترداد هيبتكم أساسها المتين، المحافظة على الصلاة فهي عماد الدين، ومن أقامها أقام الدين، ومن تركها هدم الدين، كما أنها طريق الفوز والفلاح والسعادة والنجاح في العاجل والآجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)(المؤمنون: 1, 2).
وإذا نزلت بالمؤمن شدَّة أو أهمه أمر أسرع بالوقوف بين يدي الله تعالى(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، وقد كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا حزبه أَمرٌ صَلَّى، أو فزع إلى الصلاة، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "أَرِحْنَا بها يابلال"، أي الصلاة.
أثر الصلاة على الأخلاق:
إن الصلاة الكاملة المبنية على الخشوع والخضوع تنير القلب، وتُهَذِّب النفس، وتُعَلِّم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية لله عز وجل بما تغرسه في قلب صاحبها من جلال الله وعظمته، وإنها لتُحَلِّي المرء وتُجَمِّله بمكارم الأخلاق كالصِّدْق والأمانة والقناعة والوفاء والحِلْم والتَّواضُع والعَدْل والإحْسَان، وتسمو بصاحبها وتُوجِّهه إلى الله وحده، فتكثر مراقبته وخشيته من الله عز وجل، حتى تعلو بذلك هِمَّته، وتزكو نفسه، فيبتعد ويسمو عن الكذب والخيانة والشرِّ والغدر والغضب والكِبْر، ويترفَّع عن البغي والعدوان والدناءة والفسوق والعصيان، فيتحقَّق بذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت: 45)، فلا بد أن يبقى في النفس والروح، بل والبدن أيضًا شيء من المقاومة والتَّحصين تنهاه عن الفحشاء والمنكر بعد الصلاة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستنهاه صلاته يومًا مًا".
والمسلم في هذا السموّ الخلقي يستمد التوفيق والعون من الله تعالى:"واهدني لأحسن الْأَخْلَاق، لَايهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت، واصرف عنِّي سيئها، لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت".
إن المسلم الذي يتربَّى بالمسجد وينصهر بالصلاة، ويمتلئ قلبه بالتوحيد الخالص هو رجل العقيدة الصادقة، والأخلاق الطاهرة، وهو الرجل الذي يتحرك في مجتمعه؛ ليتقن ما يُسْنَد إليه من عمل، وينشر خيره ومعروفه حيثما تحرك، ويقابل جهل الجاهلين عليه بالحلم، ويتخذ الاقتصاد في كل إنفاقه من الإسراف والتقتير، ويعطي الناس كل الناس بلا مقابل إلا ابتغاء مرضاة الله عز وجل(لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً ولا شُكُورًا)(الإنسان: 9).
وهؤلاء هم بناة النَّهْضات، وصنَّاع الحضارات.. بهم تُرْفَع الرايات وترتقي المجتمعات، وتنهض الأمم،وإن مجتمعنا الإسلامي لأحوج ما يكون إلى هذه النوعية من الرجال الأطهار الأبرار التي لا تتخرَّج إلا من المساجد، ولا نقول بذلك إلا بعد ما أجمع القاصي والدَّاني على أن الأزمة التي تعاني منها أمتنا الإسلامية أزمة أَخْلاق، وأزمة ضمير، وأزمة رقابة، ...،ويجمعها أزمة العقيدة الصحيحة التي تكبح جماح الشرِّ والرذائل وتنبعث منها عظيم الأخلاق، وكمال الفضائل، والقدرة على الترفُّع عن الصغائر، وأن يكون إلفًا مألوفًا للناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لا خير فيمن لا يَأْلَف ولا يُؤْلَف".
الصلاة تُطَهِّر الغرائز الطبيعية وتسمو بها:
إن الصلاة توقظ وازع الدِّين في أعماق النفوس، فيكون حاكمًا على أعمال الإنسان موجهًا له وجهة الخير دائمًا، بل هي التي تصقل النفس وتربِّيها بتعديل ملكاتها وتهذيب غرائزها الفاسدة؛ حتى لكأن الطبيعة الإنسانية قد تحوَّلت إلى طبيعة ثانية سامية، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)(المعارج: 19 -23). وما ذلك إلا لأن الصلاة قد سَمَت بالنفس عن التأثر والخضوع لما يخضع له سائر الناس من الضعف في حالتي الشر والخير، بل حوَّلت الجزع توقرًا وثباتًا، وقلبت المنع إلى جودٍ وسخاءٍ..
كما يفعل الصوم أيضًا والحج في تهذيب وضبط كل الشهوات حتى الحلال منها.
فضل صلاة الجماعة:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة»، ويبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم سرّ هذا التفضيل فيقول: «صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، خمسًا وعشرين درجة؛ فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لم يَخْطُ خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحطَّ عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي-يعني عليه -الملائكة عليه ما دام في مجلسه الذي يُصَلِّي فيه: اللهمَّ اغْفِر له اللهُمَّ ارْحَمْه، ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحْدِث فيه»، وفي رواية: «ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة».
إن صلاة الجماعةتجمع بين المتباعدين، وتذيب العداوات، وتمحو الخصومات، وتُؤلِّف بين القلوب، وتجعل بين المسلمين المودَّة والرحمة، وتجمع بين الأطهار المتطهرين: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(التوبة: 108).
صلاة الجماعة تجعلنا يتفقد بعضنا بعضًا:
إن الصلاة في الجماعة تجمع بين أهل المكان أو الحي في المسجد، في تفقَّد بعضهم بعضًا، فيُعْرَف المتَخَلِّف وسبب تخلُّفه، فإن كان لأمر عارضٍ رأيته في الصلاة التالية، وإن استمر في تخلُّفِه سألت عنه، فإن كان كسلاً وتهاونًا، فلا يتركه فريسة للشيطان يستحوذ عليه وينفرد به، كما ينفرد الذئب بالقاصية من الغنم، بل يُزَار ويُعَالج أمره برفقٍ ولينٍ وحكمة؛ حتى يرد إلى بيت الله مع عباد الله تعالى.. وإن كان غيابه لمرض أقعده، عاده وتعرَّف على شأنه،فإن كان في حاجة وشدة، سعى له في قضاء حاجته، بل ربما مات فتواسي أهله.. إننا بذلك نُحقِّق قول الرسولصلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهِم وتراحُمِهِم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسَّهَرِ والحُمَّى".
ويضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى حين يسأل عن رجل أو امرأة سوداء عملها نظافة المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أسوَدَ، أو امرأة سوداء، كان يَقُمُّ المسجد، فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات. قال: "أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلُّوني على قبره -أو قال قبرها -فأتى قبره، فصلَّى عليه".
بل هناك فائدة أخرى عظمى رغم أن الأصل في العبادات التعبُّد دون النظر إلى الأسرار والحكم والمقاصد.. هذه الفائدة هي معرفة جميع أهل الحي ببعضهم ومقامات وخبرات بعضهم، بل ودرجات هذه الخبرة مثل: "أقرؤكم لكتاب الله أفقهكم في دين الله"، ومثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليليني منكم أولو الأحلام والنُّهَى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
صلاة الجماعة تزوِّدُنا بعوامل النجاح:
إن صلاة الجماعة تزوِّد المسلم بأعظم عوامل النجاح، وتدرِّبه على أساسيات العمل في فريق، والذي هو أساس النهوض بالأمة والرقي باقتصادها، وأهمها:
· الوحدة والمساواة: ففي الصلاة يتجلَّى العدل والمساواة، فإذا نادى المؤذِّن حيّ على الصلاة.. حيّ على الفلاح، فإنما يدعو كل من يسمعه ممن تجب عليهم الصلاة، فيهم الغني والفقير، والكبير والصغير، والأمير والمأمور، فإذا اجتمعوا وقفوا صفًّا واحدًا لا تمييز ولا تفريق، وفي الصَّفِّ الواحد في المسجد تذوب الفوارق وتنمحي الطبقات، ويتم التطبيق العملي لمبدأ المساواة الذي يتشدَّق به دعاة المدنية والحضارة، وهم فيه فقراء..
· التدريب على الصَّفِّ والنِّظام: فالصلاة تُدرِّب المسلم على الوحدة والصف والنظام، حيث يقف خمس مرات في صفٍّ متراص، مناجيًا لربٍّ واحد، ومتوجهًا إلى قبلة واحدة، ويتحرك حركة واحدة، تابعًا لإمام واحد لا يتعدَّد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسوية الصفوف وإتمامها فيقول: «سَوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة».
إن تماسّ الأيدي والأبدان يتبعها تماسّ القلوب، وحين تستوي الصفوف تستوي باستوائها النفوس والقلوب، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "استووا تَسْتَوِ قلوبكم، وتماسّوا تراحموا".
· التدريب على السمع والطاعة في المعروف: فالصلاة تدرب المسلم عمليًّا على السمع والطاعة في المعروف، وعلى أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ وذلك أنه يتبع الإمام في كل حركاته، فلا يدخل في الصلاة إلا إذا كبَّر الإمام تكبيرة الإحرام، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ".
أيها المسلمون:
اقدروا الصلاة حقَّ قَدْرها، واحرصوا على المبادرة إليها حين يُنَادَى عليها، وكونوا مثال الإحسان في الصلاة، واستكمالها بخشوع وتدبر واطمئنان وتفكر، وأن تخرج من صلاتك وقد تذوَّقت حلاوة العبادة وتأثرت بمشاعر الطاعة، واستنرت بنور الله عز وجل الذي يتجلَّى به على من وصلوا نفوسهم بجلال معرفته. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَأَسْبَغَ لَهَا وُضُوءَهَا، وَأَتَمَّ لَهَا قِيَامَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا خَرَجَتْ وَهِيَ بَيْضَاءُ مُسْفِرَةٌ، تَقُولُ: حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَمَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَلَمْ يُسْبِغْ لَهَا وُضُوءَهَا، وَلَمْ يُتِمَّ لَهَا خُشُوعَهَا وَلَا رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا خَرَجَتْ وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، تَقُولُ: ضَيَّعَكَ اللَّهِ كَمَا ضَيَّعْتَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ لُفَّتْ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ، ثُمَّ ضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ».
جعلني الله وإياكم من مقيمي الصلاة والمحافظين على وضوئها وقيامها وخشوعها، وعندها ستقول لك الصلاة حفظك الله كما حفظتني، ولا تقول لك ضيَّعك الله كما ضيعتني، وجعلني الله وإياكم من عُمَّار المساجد الذين قال الله فيهم: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(التوبة: 18).
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.