تعرضت الصحافة في تركيا إلى وسائل متعددة للقمع، والتي كان أبرزها اعتقال عدد من الصحفيين، والاعتداء على البعض الآخر، كما لم يقتصر الأمر على الصحفيين المحليين فقط، حيث اتسع ليشمل منع دخول عدداً من الصحفيين الأجانب إلى الأراضي التركية، والتي كان آخرها منع أحد الصحفيين الأمريكان من الدخول إلى تركيا، مما أثار غضب منظمات حقوق الإنسان العالمية، وكذلك قلق عدداً من رؤساء دول العالم. وفي هذا الصدد، ترصد "الفجر" أبرز مظاهر قمع الصحافة في تركيا. الهجوم على المقرات الإعلامية وفي 7 سبتمبر الماضي، قدمت جموع غاضبة من مناصري الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مهاجمة مقر صحيفة "حرييت" في إسطنبول، في محاولة لاقتحامها، ورشق زجاج النوافذ بالحجارة، بسبب اتهامها بتحريف تصريحات أردوغان وتشويه مضمونها. وكانت الصحيفة نشرت جزءاً من تصريحات أردوغان، التي اعتبرتها دعوة للتصويت للحزب الحاكم، في الانتخابات التشريعية المبكرة؛ قال فيها "امنحونا 400 نائب، لتحل هذه المشكلة بسلام وأمان" في إشارة إلى مشكلة النزاع مع "الكردستان"، ما اعتبره مؤيدو أردوغان اجتزاء يرمي إلى تشويه كلام الرئيس التركي. كما عمد مواطنون آخرون إلى التجمع أمام صحيفة "زمان" حتى ساعات متأخرة من ذات اليوم، رافعين شعارات منددة بالإعلام المعارِض. كما أطلقت الحكومة التركية، في ذات الشهر، حملة لمداهمة مقر صحيفة "بوجون" التي سبق أن سلطت الضوء على توجه شحنات من الأسلحة إلى الأراضي السورية عبر جنوبتركيا. اعتقال بتهمة التجسس ألقت السلطات التركية القبض على اثنين من الصحفيين البارزين، في نوفمبر الماضي، بتهمة التجسس وإفشاء أسرار الدولة، بعد نشرهما فيديو ومعلومات تفيد بأن المخابرات التركية ترسل أسلحة إلى تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، الأمر الذي سيهدد آمال تركيا نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي. واحتجزت السلطات الصحفي "جان دوندار"، رئيس تحرير صحيفة جمهورييت اليومية، و"إرديم غول" مدير مكتب الصحيفة في أنقرة لتقديمهما للمحاكمة، ويواجه الصحفيان عقوبة السجن مدى الحياة ثبت إدانتهم بالتهم الموجهة لهما، وقد شهدت مدينة اسطنبول التركية احتجاجات واسعة على خلفية القبض عليهم. اعتقال صحفيين أجانب ولم يقتصر القمع على الصحفيين المحليين فقط، وسعت الحكومة التركية إلى قع الصحفيين الأجانب أيضاً، حيث اعتقلت السلطات التركية في أغسطس الماضي، في ولاية ديار بكر ذات الغالبية الكردية، شرق البلاد، الصحفيَين فيليب غينغل هانراهان، وفيليب جون بندلبيري، العاملَين لصالح وكالة "فايس نيوز" بتهم إقامة صلات بمنظمة إرهابية، وتم إطلاق صراحهما في وفت لاحق. كما اعتقلت أيضاً، لصحفية الهولندية، فريدريكه جيردينك، في بداية سبتمبر الماضي، للاشتباه بسفرها في منطقة محظورة شرق البلاد، فيما صرح مسؤولون أتراك أن "جيردينك" لم تعتقل لممارستها عملها كصحفية بل لأنها كانت في منطقة أمنية تشهد قتالاً ولم نضمن سلامتها، فتم احتجازها إلى أن تم إطلاق سراحها أيضاً. منع صحفي ألماني ولم يقتصر قمع الصحفيين في تركيا على حد الاعتقال والاعتداء على المقرات فقط، اتجهت الحكومة التركية مؤخراً إلى منع دخول بعض الصحفيين إلى أراضيها، حيث أنه في 19 إبريل الجاري، منعت السلطات التركية صحفيا بالتلفزيون الألماني الحكومي من دخول البلاد بعدما وصل من القاهرة إلى مطار اسطنبول وكان يعتزم السفر إلى الحدود التركية السورية. وأعلن فولكر شفينك الصحفي بالشبكة، عن احتجازه عبر حسابه على تويتر ونشر صورة لحظر الدخول الذي سلمته له السلطات هناك ويحمل عنواناً كتب باللغتين التركية والإنجليزية يقول "إخطار منع راكب من الدخول". تركيا تمنع صحفياً روسيا واستمراراً لظاهرة منع دخول الصحفيين إلى الأراضي التركية، منعت السلطات التركية صحفيًا بارزًا يعمل في وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء من دخول أراضيها مما يعكس التوتر المتنامي بين أنقرة وموسكو بسبب الحرب في سوريا. وقال ماهر بوزتيب، رئيس تحرير وكالة سبوتنيك، وهو تركي الجنسية، لرويترز إن الصحفي ويدعى تورال كريموف منع من مغادرة مطار اسطنبول الليلة الماضية وسحبت منه بطاقته الصحفية وتصريح الإقامة. وأرجع نعمان قورتولموش، المتحدث باسم الحكومة التركية القرار إلى مخاوف أمنية لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل. ويأتي منع الصحفي من الدخول بعد يوم من قيام المسئولين في مطار اسطنبول باعتقال صحفي في التلفزيون الألماني الرسمي كان يعتزم إجراء مقابلات مع لاجئين على الحدود التركية السورية. منع صحفي أمريكي كما منعت السلطات التركية صحفي أميركي من دخول اسطنبول عبر مطار أتاتورك الدولي، ووضعته على متن طائرة متجهة إلى شيكاغو.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن ديفيد ليبيسكا، الصحفي المتخصص في الشؤون الخارجية، إنه لم يتلق "أي سبب" لهذا القرار، وعلى حسابه بموقع إنستغرام، كتب "هذا ليس آخر ما سنراه من تركيا". "أوباما" يحذر وعلى إثر استمرار القمع الصحفي في تركيا، قال الرئيس الأمريكي بارك أوباما، إنه يشعر بالقلق من توجهات في تركيا ضد حرية الصحافة، مضيفاً أنه حث نظيره التركي على عدم انتهاج استراتيجية القمع، ووقف المناقشات الديمقراطية في بلاده. وحذر أوباما في مؤتمر صحفي عقب عقب ختام قمة الأمن النووي في واشنطن، أن تعاون تركيا مع الولاياتالمتحدة مهم بشأن عدد من القضايا الدولية على الرغم من الخلاف بين البلدين. وقال أوباما، إن أمريكا ستواصل تذكير أردوغان بأنه جاء إلى السلطة بوعود الديموقراطية، وأن موقف تركيا من الصحافة قد يدفع بها إلى طريق سيكون مقلقاً. انتقادات ألمانية عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عن قلقها بشأن قيام السلطات التركية بمنع مراسل قناة التلفزة الأولى الألمانية فولكر شفينك من دخول تركيا، وقالت إن وزارة الخارجية الألمانية على تواصل مستمر مع الجهات المعنية لإعادة إمكانية عمل المراسل الألماني. كما انتقد زيغمار غابريل نائب المستشارة تركيا بسبب رفضها السماح للمراسل بدخول أراضيها، وقال وزير الاقتصاد الألماني: "مرة أخرى أجد أن عدم وجود حرية للحركة داخل تركيا، يمثل بطبيعة الحال عملا ينطوي على المزيد من الإشكالية"، مشيراً إلى أنه من غير الممكن التعامل على هذا النحو مع الصحافة وحرية إعداد التقارير الإعلامية. وقال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا: " أتمنى جدا أن تسارع الحكومة التركية إلى تصحيح هذا الخطأ وألا تطرده مثلاً بل تسمح له بمواصلة السفر وسيكون ذلك بمثابة الرد المناسب على هذه الحادثة". ومن جانبه، انتقد اتحاد الصحفيين الألمان ما أسماه "فهم تركيا المريب والمستهجن لحرية الصحافة والمعلومات"، فيما وصفت رابطة الصحفيين الألمان إن حادثة المنع بأنها نوع من "المضايقة" واعتبرت ما حدث جاء نتيجة لنزول ميركل على رغبة الجانب التركي في قضية الإعلامي يان بومرمان صاحب القصيدة الساخرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.