"العندليب والموجي" اسمان يحملا ملامح وصفات زمن الغناء الجميل، خُلدت أغانيهما لعذوبة صوت حليم، وسحر ألحان الموجي، كونا حالة فنية متميزة لم يكررها الزمان، فأخرجت لنا "قارئةُ الفنجان"، "ياقلبي خبي"، و "مغرور"، وفى جولة لعدسة "الفجر الفني" داخل منزل الموسيقار والملحن الكبير محمد الموجي، وبلقائنا مع نجله الموسيقار الموجي الصغير، نعيش بضعة دقائق فى منزله ونستعيد ذكريات قطبي الأغنية العندليبية "الموجي وحليم".. يافطة ذهبية تحمل اسم "الموسيقار محمد الموجي" تكاد تشعر برؤيتها بأنك ستلتقي داخل المنزل بالراحل محمد الموجي، وترسم بمخيلتك مشهد العود الخاص به، وشرائط الكاسيت والأسطوانات الغنائية، وصور تجمع بينه وبين صديقه الراحل عبد الحليم حافظ، وهو ما شاهدناه فعليا، فبداية دخولك للمنزل ستجد ركنا هادئا يحمل صورا تجمع بين الموجي وحليم، وصورا لتكريمات خاصة بهم من زعماء مصر وحفلات كبرى يحضرها المئات من محبيهم، وفى ركن أخر ستجد أكثر من "عودٍ" لحن عليهم "الموجي" وشهدوا على جلسات الفن التى جمعت بينه وبين العندليب الأسمر، وروى "الموجي الصغير" الابن الذى ورث موهبة التلحين من والده ذكريات زمن الفن الجميل.
"نغمة وصوت" الموجي وحليم "عبد الحليم مش مجرد زميل عمل لبابا ده كان عم وصديق وخال وأب وكل حاجة لينا" بهذه الكلمات بدأ نجل الموسيقار محمد الموجي، الحديث عن الراحل عبد الحليم حافظ، وتبين من حديثه أن "العندليب" كان يمثل شئ أساسي فى حياة أسرة محمد الموجي، جاء من قريته ليشق طريقه فى عالم الفن فوجد محمد الموجي، الملحن الذى يبحث عن الصوت الذى يعبر عن ألحانه، ومنذ ذلك اليوم عاشا من أول يوم فى مشوارهما الفني، حتى رحيل "العندليب" كجسد واحد، وذلك بسبب التوافق بينهما، والأوصل الريفية التى تربيا عليها، ودائما ماكان يقول "العندليب" ل"الموجي": "إنت النغمة اللى أنا بدور عليها"، ويرد عليه "الموجي" قائلا: "وإنت الصوت اللى عايزه يعبر عن ألحانى".
"الملوخية" سر سعادة "العندليب" فى منزل "الموجي" كشف ابن محمد الموجي، فى حديثه لنا أيضا، أن عبد الحليم حافظ، كان "يعشق" بالمعنى الحرفي "الملوخية" التى كانت تطهيها والدته، وإذا علم بأنها وجبة الغداء يترك كل مافى يديه ويذهب ليتناولها معهم، وأكد "الموجي الصغير" أن والدته كانت تحرص على أن يكون الطعام مطهى بطريقة صحية، حتى تتناسب مع الحالة الصحية للعندليب، كما أن لشهر رمضان الكريم، طقوس خاصة فى حياتهما فكان من أساسيات هذا الشهر أن يتناول "حليم" معهم الإفطار أكثر من يوم، ويتم تحضير له كل مايهواه "العندليب" من أطعمة.
"العندليب" يعاقب أبناء "الموجي" لعدم تفوقهم دراسيًا وصلت درجة تدخل "العندليب" وقربه من حياة وأسرة صديقه الملحن محمد الموجي، إلى أنه كان يحرص على متابعة الحالة الدراسية لأبنائه، ويشجعهم على التفوق فى دراستهم، وأكد "الموجي الصغير" أن عبد الحليم حافظ، فى إحدى السنوات أمر بعدم ذهابهم للمصيف السنوي، لعدم حصولهم على الدرجات النهائية، وهو الأمر الذى تسبب فى غضبهم بدرجة كبيرة، وحينها قرروا أن يعرضوا الأمر على والدهم، قائلين له: "حليم مش عايز يطلعنا مصيف وإحنا عايزين نصيف"، ليرد عليهم والدهم: "خلاص طالما حليم قال مفيش مصيف يبقى مفيش"، ولكن يبدو أن تصرف الوالد، أدخل جرعة من اللين والشفقة فى قلب "حليم" فقرر الأخير أن يقضيا يوما واحدا داخل نادي "الجزيرة" وفى العام التالي إذا حصدوا درجات عالية فسوف يذهب معهم للمصيف.
الموجي ل حليم: أنا بخاف عليك أكتر من ولادي درجة صداقتهما ووفائهما الكبير نادرا ما تكون بين صديق وصديقه هذه الأيام، وهذا ما أكده الموجي الصغير، فى حواره لنا، حيث روى موقف يلخص تفاصيل العلاقة القوية بين "حليم والموجي"، وهو أنه فى بداية مشوارهما الفني، لم يملك الطرفان ثمن المواصلات التى يستقلونها للوصول إلى منزلهما، فكان "المشي" هو الحل الأمثل لهما، ولكن لا يفترقا فعلى الرغم من أن منزل الموجي، المتواجد فى منطقة وسط البلد، ومنزل العندليب المتواجد فى منطقة المنيل، إلى أن الأول كان يحرص على أن يذهب مع الأخبر لمنزله، ويعود وحده مشيا، إلى وسط البلد مرة أخرى، وإذا فعلتها السماء معهما وأمطرت، يخلع الموجي لصديقه المعطف الخاص به قائلا له: "البس ياحليم"، ليرد "حليم": "طب وإنت هتبرد ياموجي كده"، ليكون الرد: "لا أنت أهم ده أنا بخاف عليك أكتر من ولادي".
تفاصيل أشد خلاف نشب بين "الموجي وحليم" روى نجل الملحن محمد الموجي، أنه نشب خلافا شديدا بين والده وعبد الحليم حافظ، وكان ذلك بسبب ارتفاع أجر حليم فى فيلم "يوم من عمري"، حيث وصل لأكثر من 15 ألف جنيه، ومن المقرر أن يتعاون "الموجي" مع "حليم" فى عدة أفلام تأتي ضمن أحداث الفيلم، وعلى الرغم من ارتفاع أجر حليم، فإنه لم يرغب فى زيادة أجر "الموجي" وهذا الأمر أغضبه بشكل كبير، على الرغم من أنه طلب زيادة فى أجره، ولكن حليم صمم على عدم رفع أجر، فامتنع "الموجي" عن استكمال تلحين الأغاني، وعندما علم المنتج عاطف سالم بذلك الأمر، أمر بزيادة أجره، وكان الهدف من رفض حليم، لرفع أجر صديقه هو عدم خلق حالة من الحساسية بين باقى الملحنين الذين يتعامل معه، فيعتقدون أنه يميز "الموجي" بسبب صداقتهما، انتهى الأمر بمقاطعة "الموجي لحليم" فعلى الرغم من أن الأخير حاول مرارًا وتكرارًا أن يتقدم بمصالحته، إلىأن الأول رفض تمامًا، فلجأ "العندليب" لزوجة "الموجي" حتى تدخل لمصالحتهما، "ياموجي فى ناس جاية من البلد قوم علشان تستقبلهم"، الموجي": "ناس مين أنا مش فايق أقابل حد وهخرج"، زوجته: "لا مفيش خروج دول ناس مهمين جايين"، يدق جرس المنزل، إذ هو ب"حليم"، يدخل غفوة على "الموجي" لم ينطقا الطرفان بكلمة واحدة، والدموع الغزيرة كانت سيد الموقف، ظل أكثر من 15 دقيقة فى حالة بكاء هيستيري، حزنا على الحالة التى وصل إليها الصديقان، وتصالحا بعد ذلك، تلك هى الرواية التى رواها نجل "الموجي" عن تفاصيل الخلاف الكبير بينهما. الجمهور مضربش "حليم والموجي" ب البيض والطماطم" نفى الموجي الصغير، الواقعة التى يتم ترددها عبر ألسنة الناس وهى أن محمد الموجي، وعبد الحليم حافظ، فى بداية مشوارهما الفني، تعرضا للضرب من قبل الجمهور السكندري، خلال إحياء إحدى الحفلات هناك وتقديم أغنية "صافينى مرة"، وتم حدفهما ب"البيض والطماطم"، موضحا أن كل ما في الأمر أن الجمهور فى وقت ظهور أغنية "صافينى مرة وجافينى مرة" لم يكن معتاد على هذه الألحان الجديدة الهادئة، كان معتاد أن يسمع "يانجف بنور"، غيرها من الأغانى الشعبية، وتم رفضهما وعدم تقبلهما ولكن لم يتعرض الجمهور لهم بالضرب أو قذفها بالبيض والطماطم.
كيف تلقى "الموجي" خبر وفاة "العندليب"؟ 30 مارس عام 1977صدمة كبرى فى حياة محمد الموجي، فغاب صوته الذى يعبر عن ألحانه، وغاب نصفه الثانى، رحل "العندليب" وفور سماع "الموجي" للخبر، لطم على وجهه فأصاب بفقدان البصر لمدة 3 أيام، وكانت كلماته التى ظل يرددها: "أنا وحليم كنا حاجة واحدة لما هو مات بقت نص إنسان"، وامتنع عن تلحين الأغاني، حتى علم بالأمر الرئيس جمال عبد الناصر، فاستدعاه، وطلب منه أن يعود لتلحين الأغاني، وألا يحرم الجمهور من فنه، فتقبل الأمر ولكن بعد 3 سنوات من رحيله عندليب ألحانه.