صفوف طويلة ولافتات تحرم وتحلل بعضها "قل نعم حتى تدخل الجنة" وإلى جانبها عبارة أخرى "لا تدخل النار"، وأحاديث جانبية بين الكثيرين عن المستقبل القادم بعد فترة عصيبة امتدت ل 30 عامًا، بينما كان هناك فريق آخر يحمل لافتات مكتوب عليها "لا لترقيع الدستور". كانت هذه الأجواء التي عاشها الشارع المصري في مثل هذا اليوم 19 مارس، منذ خمسة سنوات، في عهد المجلس العسكري، حيث كان التصويت على التعديلات الدستورية بعد خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وهو اليوم المعروف إعلاميًا ب"غزوة الصناديق". وكانت هذه التعديلات بمثابة مرحلة هامة أحدثت تحولًا كبيرًا بعد ثورة يناير، وبداية لمرحلة تسلق جماعة الإخوان على الثورة لسرقتها، والتمهيد لسطوها على الحكم، وبعد هذا الاستفتاء حدثت تغيرات كثيرة في الوسط السياسي وتحولات في القوى السياسية بين كاسب وخاسر. الانقسام حول التعديلات ولأن وضع دستور جديد هو إجراء طبيعي في أعقاب كل الثورات لوضع حلول عملية لما قامت الثورات من أجله، ولإعادة رسم سلطات الحاكم و حقوق الشعب ودور البرلمان و غير ذلك. ففي مثل هذا اليوم 19 مارس من عام 2011، أجري استفتاء تعديل الدستور في مصر، عقب شهر تقريبا من نجاح ثورة 25 يناير، والذي عرف ب"استفتاء مارس" أو كما عرف إعلاميا ب"غزوة الصناديق"، إلا أن الخلاف بدأ يتصاعد بين الأحزاب والقوى السياسية حول الموقف من التعديلات الدستورية، والاستفتاء عليها، ففي حين أكدت أحزاب الوفد والتجمع والجبهة والناصري والغد رفض التعديلات، ودعت أعضاءها للمشاركة ب«لا»، أعلنت قوى اليمين الديني والإسلام السياسي، تأييد التعديلات، ودعوا المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء والتصويت ب"نعم"، ووصل الأمر إلى القول بأن المدافع عن الإسلام والمتمسك به هو من سيصوت ب"نعم"، ومن يصوت ب"لا" فقد وصل الأمر إلى حد إخراجه من الملة. دور القوى الإسلامية هذا اليوم نفسه يعتبر الثوار والتيارات المدنية أول انتكاسة لثورة 25 يناير بالنسبة للقوى الثورية والشبابية، أو هو أول يوم لشق الصف الثوري وكسر حالة ال 18 يوم التي عاشها الثوار في ميدان التحرير، فقد سوق الإسلاميين إلى "ترقيع الدستور" الموجود بدلا من وضع دستور جديد، وخرجوا على الشعب بالقول: "من أجل دينك وإسلامك ورسولك صلى الله عليه وسلم، ومن أجل مصر، قل (نعم) للتعديلات فهي النِعمة لك في الدنيا والآخرة". ومن هنا دقت جماعة الإخوان الإرهابية أول مسمار في نعش الثورة، بالموافقة على أحد أهم التعديلات الدستورية وهو تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد بعد الانتخابات البرلمانية، ليكون لها الأغلبية في لجنة وضع الدستور. نتيجة خيبت آمال الليبراليين.. ومكاسب الإسلاميين وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الليبراليين، حينما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات يوم الأحد 20 مارس 2011، أن نتيجة الاستفتاء جاءت ب"نعم" بنسبة 77% من نسبة المشاركين بالتصويت، في مقابل من قالو "لا" بنسبة 22.8%، لتمضي الأيام وتدور العجلة وفق هذا المسار الذى رسم خارطة المستقبل. وبذر ذلك بذور الشُّقة والخلاف بين التيارات المدنية والتيارات الإسلامية، وتتسع الهوة عندما يجيء مجلس شعب ذو صبغة إسلامية لجماعة الإخوان فيه نصيب الأسد، يليه حزب النور السلفي، ثم تفاقم الخلاف أكثر وأكثر، بعد انتخاب "محمد مرسي" رئيسا لمصر، ليقضي عامًا واحدًا على كرسي الحكم. التحول وإنهاء حكم الإخوان ثم انقلب السحر على الساحر مع تكوين "جبهة الإنقاذ الوطني" وحملة "تمرد" التي قصمت ظهر الإخوان، وعلى إثر المطالبات المتزايدة برحيل الرئيس مرسي وجمع "تمرد" لملايين التوقيعات ونزول الملايين في ثورة 30 يونيو 2013، تدخل الجيش ولبى رغبة الجماهير في إزاحة مرسي من واجهة المشهد السياسي بعد بيان 3 يوليو2013. ولم تتوقف الأحداث عند هذا الحد، بل شكل الرئيس عدلي منصور لجنة الخمسين لوضع دستور جديد برئاسة عمرو موسى، وأعلنت اللجنة المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء النتيجة في 18 يناير، وجاءت النتيجة ب"نعم" بنسبة 98%. الكاسبون والخاسرون بعد لاستفتاء وبالنظر لمصير الجهات التي كانت طرفًا في الاستفتاء فإنها أصبحت على طرفي نقيض الآن، فقد انقلب السحر على الساحر، وتم الإطاحة بالرئيس مرسي وعزله عن الحكم عقب موجة عارمة من المظاهرات في 30 يونيو 2013، وبيان المجلس العسكري الذى أذاعه "السيسي" الذى كان فريقًا وقتها، ثم تتوالى الأحداث الإرهابية وتفجير أقسام الشرطة لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، ليصدر قرار المحكمة باعتبارها جماعة إرهابية ويتم ملاحقة أعضائها ووضعهم في السجون والمعتقلات بتهمة الإرهاب وارتكاب أعمال إجرامية. ويتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئاسة بعدما كان مديرًا للمخابرات العامة في عهد مرسى، وقد كان موقفه من موقف جماعة الإخوان الإرهابية إزاء الإعلان الدستوري وطالب بالتصويت ب"نعم" على الدستور. بينما يعض الإخوان أناملهم غيظًا وندمًا على قرارهم الخاطئ، وربما ستحفر مقولة الشاعر أمل دنقل أخاديد عميقة في عقولهم " المجد للشيطان!! معبود الرياح، من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم".