تسير حكومة المهندس شريف إسماعيل عكس عقارب الساعة، فلا تجد حديثاً له أو أى من وزرائه إلا ويؤكدون فيه انحيازهم لمصلحة المواطن، لكن قراراتهم دائما ما تكون عكس ذلك. ففى الوقت الذى تطالب فيه الحكومة المواطن بترشيد الإنفاق وشد الحزام، وتحمل ارتفاع الأسعار بسبب تدنى الأوضاع الاقتصادية، تتخذ قرارات لخدمة كبار رجال الأعمال. لعل ما يؤكد ذلك، القرار الذى أصدرته الحكومة منذ أيام بتخفيض أسعار الغاز لمصانع الحديد والصلب من 7 إلى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية لمدة عام، فقابلته ارتفاعات جنونية فى أسهم شركات الحديد فى البورصة حيث صعد سهم حديد عز بنسبة 20% والعز للدخيلة بنسبة 10%، والحديد والصلب المصرية بنسبة 12% وعتاقة بنسبة 10%. مبررات الحكومة كانت جاهزة فخرج علينا وزير الصناعة طارق قابيل من مجلس الوزراء ليقول إن صناعة الحديد والصلب عاشت معاناة عقب توقف الغاز خلال العام المالى الماضى وارتفاع سعره، لافتاً إلى أن التخفيض سيتم بشرط أن يعمل المصنع بكامل طاقته الإنتاجية على أن تتم مراجعة تطبيق القرار كل ثلاثة أشهر. وعلى درب الوزير السابق منير فخرى عبد النور فى لعب دور المحامى لمصالح كبار رجال الأعمال، يسير قابيل ليجد تبريرا للقرار فى أنه سيوفر للدولة 1.5 مليار دولار قيمة العملة الصعبة التى يتم إنفاقها لاستيراد منتجات «البليت» من الخارج. ما فعله الوزير عذر أقبح من ذنب.. يثير العديد من التساؤلات، من الذى يتحمل فرق أسعار الغاز الذى تحصل عليه المصانع خاصة فى ظل أزمة العملة الأجنبية، ولماذا صناعة الحديد عن غيرها من الصناعات الأخرى كالألومنيوم والأسمدة وغيرهما..وهل بالفعل نستطيع الاستغناء عن الاستيراد فى قطاع الحديد؟ إذا ما نظرنا لخريطة سوق الحديد المصري، فالغاز يمثل العنصر الأهم فى تكلفة إنتاج الحديد ومع خفض سعره سيؤدى ذلك إلى انخفاض سعر الطن وزيادة الربحية، لكن هل تستفيد كل الشركات العاملة فى سوق الحديد المصرى من القرار. بالقطع لا فعدد المستفيدين يمكن أن يعد على أصابع اليد الواحدة وهم شركات: مجموعة حديد عز وشركاتها التابعة الدخيلة، شركة بشاى، شركة الحديد والصلب المصرية، وشركة السويس للصلب ومجموعة حديد المصريين، فى حين لن تستفيد باقى الشركات العاملة فى قطاع حديد الدرفلة والخردة بنفس الدرجة. الدولة فى كل الأحوال تتحمل فروق أسعار الغاز الطبيعى التى سيتم تخفيضها للمصانع، هذا بالإضافة إلى الدعم الذى تقدمه فى الطاقة وهى أمور لا يستفيد منها إلا المنتجون كثيفو الاستهلاك للطاقة. لكن هل ستتحمل الدولة 1.2 مليار جنيه فقط كما قال وزير الصناعة.. الحقيقة تقول عكس ذلك وتقديرات الخبراء تتراوح مابين 500 مليون دولار وأكثر من مليار دولار سنويا، فى وقت نحن فيه فى أمس الحاجة لكل جنيه فى ظل صعوبة الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر. تكلفة استيراد الحكومة للغاز من الخارج تتراوح ما بين 8 و9 دولارات للمليون وحدة حرارية، فى الوقت الذى كانت تبيع لقطاع الصناعة ب 7 دولارات قبل التخفيض. وتشمل تلك التكلفة قيمة الشحنات التى تستوردها الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، بالإضافة إلى تكلفة استئجار وحدتين للتغييز لإعادة الغاز المسال إلى طبيعته الغازية واستئجار رصيف على الموانئ المصرية. وحسب تقديرات الهيئة العامة للبترول، فإن فاتورة استيراد الغاز المسال من الخارج خلال العام المالى 2015/2016 تبلغ 3.5 مليار دولار. ووفقا للتقرير السنوى لشركة إيجاس، بلغ إجمالى استهلاك قطاع الصناعة من الغاز الطبيعى خلال العام المالى الماضي، نحو 379 مليار قدم مكعب سنويا، نصيب قطاع الحديد والصلب منها نحو 45 مليار قدم مكعب، وقطاع الأسمدة نحو 104 مليارات قدم مكعب، فى حين استحوذ قطاع الأسمنت على نحو 31 مليار قدم مكعب. وحسب بيان شركة الحديد والصلب المصرية والتابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية ردًا على استفسارات البورصة، فإن قرار الحكومة سوف يخفض تكلفة إنتاج الطن من الغاز الطبيعى بمبلغ 540 جنيها. ووفقا لخريطة سوق الحديد المصرى الذى يضم 24 مصنعا، فإن قرار الحكومة سيحقق وفرا لكبار المنتجين يقدر ب 5 مليارات جنيه، ويعتبر إمبراطور الحديد أحمد عز بمجموعة شركاته هو المستفيد الأكبر من قرار الحكومة غير المنطقى حيث يستحوذ على أكبر نسبة فى استهلاك الغاز وحصة تمثل 49% من السوق. ويبلغ حجم إنتاج مجموعة عز لحديد التسليح 3.8 مليون طن سنويا فى السوق المحلية، وبحسبة بسيطة فإن هذا القرار والذى يقلل تكلفة الطن بحوالى 540 جنيهًا فى الطن، سيحقق وفرا لمجموعة عز سنويا أكثر من 2 مليار جنيه. وتستفيد أيضا شركة السويس للصلب وهى الشركة التى يرأسها رجل الاعمال جمال الجارحى ورئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات وتستحوذ على 13% من السوق ويبلغ حجم إنتاجها 2 مليون طن سنويا مما يوفر لها مليار جنيه تقريبا. ومن ضمن المستفيدين مجموعة بشاى للصلب والتى تستحوذ على 9% من السوق وتنتج 2 مليون طن سنويا ونتيجة للقرار ستوفر مليار جنيه، وتنتج مجموعة حديد المصريين والتى يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة مايقترب من المليون طن سنويا فيما يوفر لها القرار حوالى 540 مليون جنيه. لكن هل القرار يدعم الصناعة المحلية فى مواجهة المستورد لذلك يرفضه المستوردون فقط كما يتم الترويج ومحاولة إثبات أن القرار لمواجهة المنافسة التركية فى سوق الحديد أم أنه فى صالح تحقيق الأرباح الوهمية للكبار. أحمد الزينى رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية للقاهرة، أكد أن السوق المصرى وفقاً للطاقة الانتاجية يحتاج إلى استيراد مليون طن حديد سنويا، مشيراً إلى أن هذا الاستيراد يمنع المحتكرين من الانفراد بأكثر من 60 % من السوق والتحكم فى الأسعار، حيث إن الحديد التركى الرخيص يجبرهم على خفض أسعارهم. الزينى أوضح أن سوق الحديد فى مصر بحاجة إلى طرح رخص جديدة بحجم إنتاج 4 ملايين طن بسبب المشروعات القومية الجديدة كالعاصمة الإدارية وغيرها والمشروعات الخاصة بمحور قناة السويس، مؤكداً أن وجود رخص جديدة له ثلاث فوائد أهمها تشغيل عمالة جديدة، وتوفير مايتم استيراده مما يوفر العملة الصعبة، بالإضافة إلى إمكانية أن تتحول مصر إلى دولة منتجة ومصدرة تجلب العملة الأجنبية. ويبقى السؤال الأخير، هل عند تطبيق القرار سيلتزم أصحاب مصانع الحديد بخفض سعر طن الحديد عن سعره الحالى بما يتواكب مع الدعم الذى يحصلون عليه من الحكومة. جميع الشواهد تؤكد استحالة هذا السيناريو، خاصة بعدما قامت المصانع برفع سعر الطن للمستهلك بقيمة 500 جنيه خلال الشهر الحالى ليسجل الطن 5500 جنيه مقابل 5000 جنيه الشهر الماضى، وذلك بحجة أزمة الدولار، وهى زيادات يتحملها المستهلك فى النهاية على أسعار الشقق، خاصة فى ظل تطبيق رسوم الإغراق التى فرضتها الحكومة على استيراد الحديد التركى والأوكرانى على كل طن وارد من الخارج مؤخرا.