تحل اليوم ذكرى غزوة بدر التي وقعت في 17 رمضان في العام الثاني من الهجرة والموافق 13 مارس عام 624م، وتعد تلك الغزوة ذكرى غالية على قلب كل مسلم، حيث أنها شكلت طريقاً فارقاً في تاريخ الدعوة الإسلامية، وتُعد أول غزوة في الإسلام، كما أنها كانت المعركة الأولى بين الحق والباطل، ولذلك سميت بيوم الفرقان. البداية كانت البداية بخروج الرسول في شهري جمادي الأول وجمادى الآخر سنة 2 ه مع 150 مهاجر و 200 من الأنصار لملاقاة قافلة تابعة لتجارة قريش خرجت من مكة وتوجهت إلى الشام ، وعندما وصل الرسول إلى منطقة "ذو العشيرة" وجد أن العير قد فاتته بأكثر من يومين، وباقتراب موعد رجوع العير من الشام إلى مكة أرسل رسول الله اثنين من أصحابه إلى منطقة الشمال ليعرفا تفاصيل تلك القافلة، وكانت تلك القافلة تحت إمرة أبو سفيان بن حرب، وتحمل أموالاً كبيرة ويحرسها 43 رجلاً، فقام الرسول بإرسال محمدٌ بَسْبَس بن عمرو لجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس بالخبر اليقين، أخبر الرسول أصحابه للخروج، ولكن الرسول محمداً لم يرغم أحداً بالخروج حيث أنه لم يخطر بباله أن الخروج يعني خروجاً للقتال ولم يكن النبي يقصد القتال وإنما كان قصده قافلة قريش حيث كان فيها أموالاً كان جزء منها للمهاجرين المسلمين من أهل مكة قد استولت عليها قريش وتجارها بالظلم والجبر.
جيش المسلمين لم يكن مع جيش المسلمين إلا جوادين أحدهما للزبير بن العوام، والآخر للمقداد بن الأسود وكان معهم سبعون بعيراً ونظراً لقلة عدد البعير مقارنة بعدد المسلمين فكان المسلمين يتناوبون ركوب البعير، ووزع الرسول صلى الله عليه وسلم قيادات الجيش فكانت القيادة العامة بيد النبي ولواؤها في يد مصعب بن عمير، وكان هناك كتيبتين أولهما للمهاجرين بقيادة علي بن أبي طالب، والأخرى للأنصار بقيادة سعد بن معاذ وعلى قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو.
غضب سادة قريش وعلمت قريش بأمر تعرض قافلتهم التجارية لمهاجمة من المسلمين، وعلى الرغم من نجاة القافلة وتمكن أبو سفيان من سلك طريق آخر، إلا أن العناد تحكم في سادة قريش وأصروا على ملاقاة المسلمين وقتالهم حتى لا تنكسر هيبة قريش أمام كل قبائل العرب، ولم يكن يعلم المسلمين أن الغارة على قافلة صغيرة، يتحول إلى رحب مع جيش كبير يفوق قوتهم بثلاثة أضعاف، وحينما علم النبي بهذا الأمر واستشار المهاجرين والأنصار في هذا الأمر ووافق الجميع على القتال .
التخطيط للمعركة وعقب اتخاذ القرار بالحرب ضد جيش قريش، اتجه النبي وجيشه مسرعًا إلى بدرٍ ليسبقوا قريشاً إلى مائها، وليَحُولوا بينهم وبين الاستيلاء عليه، وبدأ الرسول بالتخطيط للمعركة، فاستقبل المغرب و جعل الشمس في ظهر جيشه وفي وجه أعدائه حتى تؤذي أشعتها أبصارهم، كما أخذ يعدل الصفوف ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، كما أمرهم برمي الأعداء إذا اقتربوا منه كما نهى عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف وأمرهم بالاقتصاد في الرمي.
انشقاق في صفوف جيش قريش وقبل بدأ المعركة وقع انشقاق في صف الجيش المكي، حيث بدأ طلبوا من عمير بن وهب الجمحي أن يدور دورة حول المعسكر الإسلامي ليقدر تعداده، فدار دورة واسعة أبعد فيها ليتأكد من عدم وجود كمائن للجيش الإسلامي، ثم عاد فقال لهم: "عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم". وبثت تلك الكلمات الرعب في قلوب الكافرين وقامت حركة معارضة بقيادة حكيم بن حزام الذي أقنع عتبة بن ربيعة أن يتحمل دية عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية نخلة رجب 2ه، ولكن فرعون الأمة الذي كان يسعى لحتفه بظلفه أفسد هذه المعارضة.
اشتعال الغزوة وبدأت المعركة بخروج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والذي قيل عنه أنه أول من سيأخذ كتابه بشماله، وكان يعرف عنه أنه شرير سيء الخلق، وأصر على الشرب من ماء بدر فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وقتله، ثم خروج 3 رجال من جيش قريش وطلبوا المبارزة فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار ولكن الرسول أرجعهم؛ لأنه أحب أن يبارزهم بعض أهله وذوي قرباه وقيل أن رجال قريش هم من رفضوا مبارزة هؤلاء الأنصار فخرج ثلاثة من أهل قريش وبارزوهم، واستطاع المسلمين قتلهم، إلا أن عبيدة بن الحارث تلقى ضربة موجعة وما لبث أن استُشهد متأثرا من جراحته، وكان هو أول شهيد في المعركة.
أحداث الغزوة وعقب ذلك، استشاط الكافرون غضبًا لمقتل فرسانهم وقادتهم فهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد ودارت معركة طاحنة في أول صدام بين المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، والكفار بقيادة فرعون الأمة أبو جهل. وأغفى رسول الله إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه، فقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع"، فلقد جاء المدد الإلهي ألف من الملائكة يقودهم جبريل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر"، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: "شاهت الوجوه!"، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه.
انتصار المسلمين وانتهت المعركة بانتصار المسلمين على قريش، وكان قتلى قريش سبعين رجلاً، وأُسر منهم سبعون آخرون، وكان أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في قليب خبيث في بدر.
نتائج المعركة ونزل خبر هزيمة المُشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون، فحين جاءت البشرى لأهل المدينة فعمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل. وكانت تلك المعركة خسارة فادحة، فقد قُتل فيها أبو جهل عمرو بن هشام، وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم من زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة وقوة وبأسًا، ولم تكن غزوة بدر خسارة حربية لقريش فحسب، بل خسارة معنوية أيضاً، ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط، بل أصبحت تهدد أيضاً سيادتها ونفوذها في الحجاز كله.