"سعد الدين إبراهيم".. اسم ارتبط مؤخرًا بجماعة الإخوان المسلمين، بعد تدخله لأكثر من مرة للوساطة بين الجماعة والدولة لإبرام مصالحة بينهما، فبين الحين والآخر يطرأ على الرأي العام الحديث عن المصالحة، التي يرفضها كثير من المصريين والنظام الحالي، بالإضافة إلى بعض شروط الجماعة الغير واقعية، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه يصر على طرحها، معللًا بأنه على الجميع أن يقتدوا بالرسول. يعد "سعد الدين إبراهيم"، أستاذًا في علم الاجتماع، ومدير مركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية، شخصية مثيرة للجدل منذ سنوات طويلة، ومن أبرز دعاة الديمقراطية في مصر، يصف نفسه بالحقوقي الديمقراطي. اعتقل في عهد مبارك بتهمة تلقي أموال من الخارج، وتدخلت العديد من المنظمات الأجنبية للدفاع عنه مثل "منظمة العفو الدولية"، وغيرها، ومنذ قيام ثورة 30 يونيو أطلق عدة مبادرات ومصالحات بين أطراف سياسية عدة، أثار بها جدلا كبير في الشارع المصري. مبادرات سعد الدين إبراهيم ليست مباردة الدكتور سعد الدين إبراهيم الأخيرة للصلح بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة هي الأولى، فقد أطلق "إبراهيم" العديد من المبادرات المشابهة من قبل، فشبه نفسه بالخاطبة التي ينتهي دورها بزواج الطرفين، لكنها لا تضمن بذلك زيجة سعيدة. وقال إنه توسط للإخوان والسلفيين لدى أمريكا قبل وصولهم للحكم، كما صرح أنه كان حلقة الوصل بين الإخوان وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي. كما أطلق الدكتور سعد الدين إبراهيم، مبادرة للصلح بين الدولة المصرية وبين قطر في العام 2014 عقب ثورة 30 يونيو، حيث شهدت العلاقات بين البلدين توتراً غير مسبوق، بناءً على توجيهات من "الشيخة موزة"، والغريب في الأمر أن مكتب "موزة" نفى أي سعي لتلك المبادرة. الأمر الذي تكرر مع مبادرته السابقة للصلح مع الإخوان في نفس السياق، فقد أصدرت جماعة الإخوان بياناً نفت فيه أن تكون سعت للمصالحة مع الحكومة المصرية.
المبادرة الأخيرة للصلح مع الإخوان ادعى سعد الدين إبراهيم إطلاقه تلك المبادرة بصفته حقوقي يسعى لتحقيق الديمقراطية، وأنه ضد إقصاء أي طرف، معللاً ذلك بأن إقصاء جماعة الإخوان تسبب في ازدياد العنف في الشارع المصري، وأنه يجب علينا توجيه كل طاقاتنا نحو العمل والبناء لا الصراعات الجانبية. وقال "إبراهيم" أنه التقى بعض القيادات الإخوانية الهاربة في تركيا على رأسهم "أيمن نور"، عقب ذلك اللقاء أطلق مبادرته التي يصفها بأنها "مبادرة فردية". كما صرح بأن قيادات الجماعة فقط وشيوخها هم من يريدون المصالحة، لكن شباب الإخوان يريدون تغيير النظام بالقوة. وعلى الرغم من كشف تورط جماعة الإخوان في اغتيال النائب العام السابق "هشام بركات"، إلا أنه أكد استمر مبادرته، قائلاً: "أنا مستمر في المُبادرة التي طرحتها"، موضحًا أن الكشف عن تورط الجماعة من الممكن أن يعرقل المبادرة ولكنه سيستمر فيها، خاصة وأن هدفه هو حقن الدماء.
لماذا الآن ؟ فوراً يتبادر إلى أذهاننا لماذا قد تسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى ذلك الصلح، رغم علمها بمدى كراهية المصريين لهم؟ فسر بعض المحللين ذلك بأن جماعة الإخوان المسلمين تشهد تشتتاً داخلياً، فبعض القيادات بالسجن والبعض الآخر هارب، كما أنه من الواضح أن أمريكا قد تخلت عنهم بشكل كبير خصوصاً بعد اعتبار الجماعة جماعة إرهابية بأمريكا. هذا بالإضافة إلى أن الجماعة تستغل حالة الغضب الموجودة بالشارع المصري نظراً لارتفاع الأسعار وسوء الأحوال الاقتصادية، وكما صرح "إبراهيم" أن المصالحة نوع من "جس النبض" لدى الشارع المصري لمعرفة رأي الشارع المصري، لعلمهم بفشلها مسبقاً وبرفض الحكومة المصرية.
لماذا "سعد الدين إبراهيم" ؟ اتفقنا أم اختلفنا ليست جماعة الإخوان المسلمين مجموعة من الهواة، بل هو تنظيم سياسي مهم ولا ننسى قدرتهم على التنظيم والمواءمة السياسية والقفز على الأحداث عقب ثورة يناير. الإخوان المسلمون يعرفون جيداً من هو "إبراهيم" الذي لا نعرفه ، نظراً لما أطلقه من مبادرات سابقة، أو نظراً لوساطته بينهم هم وغيرهم وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية من قبل، أو نظراً للسبب الذي لا يمكن إغفاله أن "إبراهيم" أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز ابن خلدون للدراسات، فحتى وإن تم رفض المصالحة بالتأكيد سيعرفون متى يعيدون الكَرة. يعلم الإخوان المسلمين الميول السياسية لسعد الدين إبراهيم، الذي لطالما سعى لتقريب العلاقات والمصالح بين الإخوان والسلفيين وبين أمريكا، لكنه أبداً لم يسعى للتصالح مع رموز نظام "مبارك" الذين قضوا أحكاماً بالحبس ومازال يتم التنكيل بهم إلى الآن. أغرب تصريحاته رغم سعيه للمصالحة بين الدولة المصرية وبين جماعة الإخوان المسلمين قال إنه غير متأكد من النتائج، لأن شباب الإخوان المسلمين راغبون من الصلح، وأنهم يريدون تغيير النظام بالقوة. وعلى الرغم من تورط الجماعة في سيل دماء كثير من المصريين، إلا أنه طالب بأن يقتدي النظام بالرسول محمد ويتصالح مع الإخوان، قائلاً إنه يسعى للصلح اقتداءً به، وأنه يريد أن تفعل الدولة المصرية معهم كما فعل النبي عند فتح مكة، وقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، أو على طريقة نيلسون مانديلا الذي أقام مبادرة للصلح بعد أن تم نفيه وسُجن لأكثر من 27 عام، وأصبح رئيساً للبلاد.
اتهامات وُجِهت له اتُهِم سعد الدين إبراهيم بأنه مندوب أمريكا في مصر، لأنه قام بوساطات عديدة بين العديد من الأطراف السياسية والحقوقية وبين أمريكا بدون أي صفة رسمية غير كونه "حقوقي". كما أكال كثير من السياسيين الاتهامات ضده بأنه يعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط لأنه يسعى للمصالحة بل لأنه لم يسعى حتى للتفاوض معهم على أية تنازلات قد تقدمها الجماعة من أجل الصلح، فقد صرح بأن الجماعة تسعى للصلح مقابل وقف أعمال العنف والقتل والتخريب. وبالأمس البعيد في عهد مبارك وُجِهت له الاتهامات بتلقي الأموال من جهات أجنبية بدون علم الحكومة المصرية، وتشويه سمعة مصر، وصدر ضده حكم بالسجن سبع سنوات.