استقرار أسعار الذهب اليوم السبت 15نوفمبر 2025في أسواق الصاغة بالمنيا    التضامن: صرف دعم تكافل وكرامة عن شهر نوفمبر.. اليوم    الدفاع السورية: تشكيل لجنة تحقيق لتحديد مكان إطلاق الصواريخ على دمشق    طقس الإسكندرية اليوم.. فرص لسقوط أمطار خفيفة وانخفاض في درجات الحرارة    إصابه 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بطريق سفاجا-الغردقة    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يبحث مع البنك الأوروبي تعزيز الاستثمارات وتطوير المنشآت الصحية    الري: الاعتماد على البصمة المائية لتحديد المحاصيل التي يتم زراعتها بالمياه المعالجة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    تركيب إنترلوك بأحياء مدينة باريس فى الوادى الجديد بتكلفة 13,5 مليون جنيه    نشر أخبار كاذبة عن الانتخابات يعرضك لغرامة 200 ألف جنيه    اللجنة المصرية بغزة: استجابة فورية لدعم مخيمات النزوح مع دخول الشتاء    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    الأهلي يستأنف تدريباته اليوم استعدادًا لشبيبة القبائل بدوري الأبطال    آخر يوم.. فرص عمل جديدة في الأردن برواتب تصل إلى 33 ألف جنيه    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    إخماد حريق محل عطارة امتد لعدد من الشقق ببولاق الدكرور.. صور    سعر طن الأسمنت اليوم السبت 15نوفمبر 2025 في المنيا بسوق مواد البناء    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية لقرية أم خنان بالحوامدية    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل ثلاثة فلسطينيين ويداهم عدة منازل بنابلس    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    انتخابات النواب، تفاصيل مؤتمر جماهيري لدعم القائمة الوطنية بقطاع شرق الدلتا    تواجد أمني بمحيط محكمة إيتاي البارود تزامنًا مع محاكمة المتهم بالتعدي على تلميذ دمنهور    نانسي عجرم: أنا مدرسة قديمة مع بناتي في التربية وأحب الأصول.. وحياء البنت من الأنوثة    مصطفى كامل يكشف تطورات الحالة الصحية للفنان أحمد سعد    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    هشام حنفي: محمد صبري عاشق للزمالك وعشرة 40 عاما    مواعيد مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    وزير الصحة يستقبل وفد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار لبحث تطوير المنشآت الصحية    إلى جانب القلب والسكري، دراسة حديثة تحذر من مرض قاتل بسبب السمنة    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    محاكمة خادمة بتهمة سرقة مخدومتها بالنزهة.. اليوم    رفع أسعار كروت شحن المحمول| شعبة الاتصالات تكشف "حقيقة أم شائعة"    ضبط المتهم بصفع مهندس بالمعاش والتسبب في مصرعه بالهرم    مواجهات مرتقبة ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم 2026    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 15 نوفمبر 2025    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة حلوان حول دور الرياضة في تعزيز الأمن القومي المصري    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    قتلى ومصابون باقتحام حافلة لمحطة ركاب في إستكهولم بالسويد (فيديو)    أموال المصريين غنيمة للعسكر .. غرق مطروح بالأمطار الموسمية يفضح إهدار 2.4 مليار جنيه في كورنيش 2 كم!    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    "رقم واحد يا أنصاص" تضع محمد رمضان في ورطة.. تفاصيل    مستشار الرئيس الفلسطيني: الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر إقامة الدولة الفلسطينية    مسئول أمريكي: نزيد الضغط على أطراف الحرب بالسودان نحو محادثات لوقف القتال    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    شتيجن يطرق باب الرحيل.. ضغوط ألمانية تدفع حارس برشلونة نحو الرحيل في يناير    صدمة في ريال مدريد.. فلورنتينو بيريز يتجه للتنحي    إلى موقعة الحسم.. ألمانيا تهزم لوكسمبورج قبل مواجهة سلوفاكيا على بطاقة التأهل    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    نانسي عجرم عن ماجد الكدواني: بيضحكنى ويبكينى فى نفس الوقت    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية التواصل العاطفي مع الأطفال
نشر في الفجر يوم 03 - 02 - 2016


تمهيد:
1 - أهمية التواصل العاطفي على مستوى الشخصية.
2 - أهمية التواصل العاطفي على مستوى الذكاء.
3 - أهمية التواصل العاطفي على المستوى الاجتماعي.
4 - أهمية التواصل العاطفي على المستوى اللغوي.
تمهيد:
إن التواصل كما جاء في القاموس المحيط: "وصل، والوُصلة بالضم: الاتصال، وكل ما اتصل بشيء فما بينهما وُصْلة؛ أي: إنه العلاقة التي لا تهدف إلى الفصل بقدر ما تسعى إلى تحقيق العلاقات فيما بين العناصر، مهما كانت تلك العناصر.
وجاء في لسان العرب: "الوصل ضد الهجران، والتواصل ضد التصارم، وفي الحديث: «ألا ومَنْ أرادَ أنْ يُمَدَّ في عمرِهِ ، ويُبْسَطَ في رِزْقِه ؛ فَلْيَصِلْ رحمَهُ» [صحيح الترغيب: 2536]، أي: إن التواصل إيصال ووصل لما ينقطع؛ إذ وصل بمعنى "اتصل. ووصَّله توصيلًا، إذا أكثر من الوصل"، وهو المعنى ذاته بالتعبير عينِه الذي يورده الرازيُّ في "مختار الصحاح"
وقد قال تمَّام حسان عن التواصل: "وقد يزداد الثلاثي بواسطة لواصقَ وزوائدَ تدل على معانٍ صرفية معينة، منها التاء قبل الفاء مع الألف بعدها، مثل "تباعد"، ومعناها الغالب: المطاوعة والمشاركة... إلخ، فتواصل إذًا تدل على المطاوعة والمشاركة؛ لأن كل ما قِيسَ على كلام العرب فهو من كلام العرب، ومعلوم أن هذا الفعل يُشتق منه مصدره لصيغة تواصل، حيث يشارك المرسِل المستقبل في هذه العملية، إذًا فالتواصل هو العملية التي يتَفاعل بها المرسِلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعية معينة.
والتواصل في علم النفس التربوي - وهو ما يهمنا في هذا البحث - هو الحال التي يظهر فيها رفع الحواجز والتي تفصل بين الضمائر؛ إذ على المتكلِّم أن يخلق إيصالًا بينه وبين المستمعين، فكلامه إذًا إيصالي؛ لأن التواصل بهذا المفهوم مشاركة، وما المشاركة إلا وجهٌ من وجوه الطبيعة الاجتماعية التي تخضع لها العلامات اللُّغوية وغير اللُّغوية في عملية التواصل، والتي تعكس بدورها قيمةَ ما يصل الآخرَ مِن أخبار جديدة على اختلافِ وسائل الإيصال.
إن التواصل ببساطة هو اشتراكٌ مع الآخرين في عملية التبادل للرسائل والرموز؛ ولهذا لا يَخفى على الممارس التربوي أهمية التواصل مع الطفل؛ نظرًا لِما تشكِّله هذه العملية من دَور في بناء شخصية الطفل وشَحذِ ذكائه وتلبية رغباته، وفي تواصله الاجتماعي؛ بما يحقق ما يمكن تسميته بالاندماج الاجتماعي، بالإضافة إلى الأهمية الكبرى لهذه العملية على المستوى البيداغوجي في قضايا التربية والتعليم، كما سنلاحظ الأهمية الكبرى التي يَلعبها التواصل العاطفي، من خلال سياق عاطفي في بلوَرة ذكاء وتقدير قدرات الطفل اللغوية عبر الاكتساب (التعلم) والتقليد، ومن خلال اكتساب تجارب اجتماعية سلوكية عبر تفاعل تواصلي بالعناصر الاجتماعية؛ سواء أكانت أسرية، أو مؤسسات تعليمية.
1 - أهمية التواصل العاطفي على مستوى الشخصية:
إن أهمية التواصل السليم والعلمي -المبنيِّ على أساس الذكاء العاطفي- تظهر جليَّة إذا ما عَلمنا أن شخصية الإنسان تتكون خلال مرحلة الطفولة بنسبة كبيرة، بل أخطر من ذلك؛ فقد أصبح "من المعروف أن السنوات الثلاث أو الأربع الأولى هي الفترة التي يتكون فيها حوالي ثلثي حجم مخ الطفل، ويتطور خلالها في عملية تتسم بالتعقيد، بمعدلات لا تَحدث في السنوات التالية، وخلال هذه الفترة الأولى يُغرَس التعلم الأساسي باستعدادٍ يفوق استعداد الفترات التالية في حياة الطفل، ويأتي التعلم العاطفي في مقدمة كل أنواع التعلم الأخرى، وخلال هذا الوقت قد يُفسِد الضبطُ الشديد مراكزَ التعلم في المخ، ومن ثَم يدمر الذهن.
وطرح مسألة أهمية التواصل لا يَعني بالضرورة أنها تُقابل اللاتواصل، وإنما المقصود طبيعةُ التواصل ومنهجيته، هنا تَكمُن الأهمية وتتضح الضرورة، فالتواصل المبني على الأساس العاطفي ليس هو التواصلَ الجافَّ المبنيَّ على أساس القهر والفوقية والسلطوية، والأوامر والنواهي، فلا مجال هناك للمقارنة؛ سواء من حيث الأهدافُ، أو من حيث النتائج، أو من حيث أسسُ الوعي بالمسألة التواصلية على المستوى التربوي.
ولعل التأمل في مَآلِ ونتائج كلٍّ من المنهجين سيوضِّح المقصود أكثر؛ يقول دانييل جولمان: "إن الطفل الذي لا يستطيع تركيز انتباهه، ويتسم بالتشكيك أكثر مما يتسم بالثقة، وبالحزن أكثر مما يتسم بالتفاؤل، والذي يشعر بأنه مدمر أكثر مما هو محترم. الطفل المقهور بالقلق، المشغول بالخيالات المفزعة الذي يشعر عمومًا بالتعاسة. مثل هذا الطفل ليس لديه فرصة على الإطلاق في أن يكون له نصيب، أو يتطلع أن يكون له حظ في فُرَص الحياة المتعددة!
إذًا فأهمية التواصل تَبرز على مستوى بناء شخصية الطفل؛ فلها أهمية ذات مستوًى عال من الحساسية؛ لأنها ترتبط بشيء مصيري يبقى مع الطفل طيلة حياته، فالتواصل بالنسبة للطفل ضرورة ملحة؛ لأنه يمكِّن الطفلَ من التعبير عن حالاته العاطفية، ومن حل مشاكله الذاتية، ويتضح هذا من خلال التأمل في إشكالية التعبير وتطورها لهذا الطفل، والدور الوظيفي الذي تلعبه تلك الأشكال التعبيرية، فمثلًا "الرضيع لا يتوفر في الأصل إلا على الإيماء والهيئة، والصوت والصراخ؛ للتعبير عن حالاته العاطفية الوجدانية عند إحساسه بالألم أو الجوع أو الانبساط مثلًا، وهذا كافٍ لإقامة التواصل اللازم في حالة ربط علاقة ثنائية مفضَّلة كالتي تنشأ بينه وبين أمه، وما إن يشرع الطفل في الكلام حتى يغير نمط تصرفاته، بحيث يصبح قادرًا على حل مشاكله بنفسه، وهكذا فإن استعمال التعبير الشفوي يسهل عليه المهمة كثيرًا، إن الطفل مجبر على تعلم الكلام بما هو شكلٌ من أشكال التواصل، بخلاف الحيوان الذي يتميز تعبيره بطابع غريزي.
2 - أهمية التواصل العاطفي على مستوى الذكاء:
إن عملية التواصل العاطفي تلعب دورًا مهما في إبراز ذكاء الطفل؛ وذلك لأن الذكاء - كما يقول الأستاذ أحمد أوزي: "لا نستطيع أن نقوِّيَه، وإنما أقصى ما يمكن عمله في إطار تحسينه أن نزيل العراقيل التي يمكن أن تعوق بلوغه أكملَ قدراته، وإذا كان من المعروف أن وجود خلل في الجهاز العصبي خلال الولادة، أو الحرمان المبكر من التغذية الكافية والملائمة - يشكِّلان عراقيلَ حقيقية أمام وظيفة العقل، فإن مسألة التواصل العاطفي فيما يعني الغذاء العاطفي؛ ليشكل في حالة انعدامه أكبر العراقيل أمام نمو ذكاء الطفل، وذلك أن الغذاء العاطفي خاصة في كنف الأبوين يشكل سيكولوجيًّا مهمًّا وحاسمًا في حياته المستقبلية، وخير دليل على ذلك الأطفال الذين تم عزلهم وحرمانهم من التفاعل الإنساني مع الغير، كأولئك الأطفال الذين عاشوا عدة سنوات في ملاجئ، أو الذين عاشوا مع راشدين غير أسوياء على المستوى العقلي... إلخ.
إن مثل هؤلاء الأطفال الذين عاشوا في هذه الوضعيات يمكن أن تتحسن حالاتهم بكيفية معينة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبلغوا المستوى العادي، وقد بينَت أبحاث كلارك (1976) أن الأطفال الذين نشؤوا في ملاجئ فقيرة، ويتمتعون بنسبة لا بأس بها من الذكاء، عندما يُنقَلون إلى ملاجئ أخرى تتميز بالحركية والحيوية تتحسن حالاتهم العقلية.
وفي هذا الإطار فقد أنجزت الكثير من الدراسات العلمية التي حاولت استقصاء تلك العلاقة الوطيدة بين معامل الذكاء وبين التغذية العاطفية، المتمثلة في ذلك العاطفي المبني على أساس الحنان والحب والتفاعل الإيجابي، مع استجابة الطفل على المستوى النفسي والانفعالي، فإن "الدراسات التي قام بها طبيب الأطفال سيبز لمقارنة الأطفال الذين شبوا في دُور الحضانة، والأطفال الذين قضَوا سنواتهم المبكرة في تفاعل مستمر مع أمهاتهم - بينَت وجود فرق واضح في مُعامِلهم العقلي؛ أي: في مستوى ذكائهم؛ ففي دُور الحضانة تخصَّص مربيةٌ واحدة لكل اثني عشر طفلًا، في حين أن الأم تكون على اتصال مباشر ومكثَّف مع طفلها.
لقد لاحظ هذا الطبيب أن أطفال دُور الحضانة عندما يَبلغون الشهر العاشر يتجاوز معاملهم العقلي 70 مقابل 110 لدى الأطفال الذين تباشر الأمهاتُ أنفسهن احتياجاتِ الأطفال، وإلى نفس النتيجة وصل العالم السيكولوجي يارو؛ حيث أكد أهمية التفاعل الإنساني مع الطفل، خاصة فيما بين الشهر الثالث والشهر الثاني عشر، إلا أن غياب العلاقات معهم أو حضورَها يؤثر على نموه العقلي في المستقبل، فخلال تلك المدة تتكوَّن الارتباطات العقلية التي تساعد فيما بعدُ على بِنْيته وتركيبه بشكل منظم.
ومن بين تلك العمليات الذهنية الأساسية التي تتم في تلك الفترة: التعرف على ذاته وعلى الآخرين؛ عبر علاقاته مع أبويه، واحتكاكه المستمرِّ معهما، وعلى نوع هذا الحضور وقيمته تستند علاقاته مع الآخرين في فترة الرشد، بل إن الأسابيع الفاصلة بين الشهر السادس والشهر الثامن هي التي تحدد - في نظر يارو - مستقبلَ علاقاته الاجتماعية.
وهكذا يمكن القول: "إن الذكاء أو القوى العقلية بشكل عام وثيقةُ الصلة بما هو اجتماعي وثقافي، وينتقل إلى الطفل عبر تفاعله مع أفراد محيطه البشري، فإذا كان يأخذ الاستعداد العقلي من الإرث البيولوجي، فإن ذلك الإرث يظل كامنًا ما لم نَعمل على إيقاظه؛ بالاهتمام به، وإشباع حاجاته، وتحسيسه بأهميته ومكانته في المجتمع الأسري الصغير أولًا، وإذا كان ديكارت يقول: بأن العقل أعدل الأشياء قسمةً بين الناس، فإنه كان يقصد الاستعداد الفطريَّ الذي تقدِّمه الطبيعة، ولكن ما هو طبيعي يبدأ في التأثر بما هو ثقافي واجتماعي وبيئي منذ لحظة الإخصاب، ناهيك عن فترة الحمل، وكيف يَقضيها الجنين، وما نوع الحياة التي يحياها خلال الحمل، فهي فترة حاسمة تؤثر على الاستعدادات الجينية التي ورثها، فالإنجاب مسألة تخطيطية اليوم، وليست عملًا متروكًا للصدفة"[12].
3 - أهمية التواصل العاطفي على المستوى الاجتماعي:
انطلاقًا من النتائج الطبية التي يفرزها التواصل العاطفي على مستوى بناء شخصية الطفل وتطوير ذكائه، تبرز في إطار هذه التفاعلات المسألةُ الاجتماعية، والملاحَظ أن التواصل المبنيَّ على إذكائه العاطفيِّ يوفر مساحات شاسعة وفرصًا عديدة لتنمية علاقات اجتماعية، من خلالها يستطيع الطفل تحقيق ما يلي:
بناء شخصية قوية ومتوازنة واجتماعية بطبعها، ومشبَعة بالمشاعر الإيجابية من طرف الكل.
اكتساب خبرة وتجارِب تمكِّن الطفل من تحقيق رغباته وتلبية حاجاته؛ فهو يكتسب تقنيات عديدة في استمالة الكبار في إخضاعهم؛ لكي يلبوا حاجاته، أو يتجاوزوا عن هفواته، وذلك من خلال آلية الضحك أو البكاء.
ويَظهر ذلك جَليًّا في شرح هدى ناصر: وابتداءً من الشهر العاشر يدرك الطفل ما يُضحِك أهله، فيَقوم هو بالمبادرة؛ إنه يَفهم أكثرَ طريقةَ انفعالِ الأهل، فعندما تقولين له: "لا" - تقصد الأم - لطفلها، يقوم بفعلِ ما منعَته عن القيام به وهو يضحَك؛ إنقاذًا لنفسه، ويعلم بأن الأهل يَنْصاعون لإرادته عندما يبكي، فيتمادى في بكائه كي يَحملوه، وتكون سعادته كبيرة إذا عضَّ أحدَهم فصرخ الآخرُ، أو إذا شد شعرَ أحدهم وصدَر عن الآخر صوتُ التأثر، يبقى الضحك علاجًا عجيبًا للأطفال، وجوازَ مرور لكل الحدود المستعصية.
توفير علاقات اجتماعية حميمية للطفل، تمهِّد لما يمكن تسميته بالاندماج الاجتماعي، فيدخل في إطار الحركية الاجتماعية، ويتفاعل مع السياق العام، بما يمكِّنه من اكتساب خبرات ومعارف، خاصة على المستوى اللغوي، بل أكثر من ذلك؛ فإن اعتبار التواصل كعنصر أساسي في الاندماج الاجتماعي لا يتم فقط عن طريق التبادل اللغوي الذي يَسمع به، بل ويتم كذلك عن طريق المفاهيم التي يعبِّر عنها والمضامين التي يروِّجها، ويمكن تفصيل ذلك بالقول: إنه "بمساعدة التعبير تتكون الدرجات الموضوعية تدريجيًّا، فتصبح المفاهيم أكثر تداولًا وأكثر دقَّة، وذلك على إثرِ تجارِبَ لا حد لها، سواء منها ما يتم عن طريق الخطاب، أو عن طريق الممارسة، هذه التجارب التي يدفع إلى القيام بها فضولُ الطفل، وحبُّه للاستطلاع، وحاجتُه الكبيرة إلى الاتصال والتواصل.
4 - أهمية التواصل العاطفي على المستوى اللغوي:
تعتبر اللغة "أداة تعبير وتفاهُم بين أفراد الجماعة اللغوية الواحدة؛ أي: المجموعة التي يغلب الظنُّ أن جميع أفرادها يستعملون لسانًا واحدًا مشتركًا، واللغة أحسنُ ما أوتي الإنسان من وسائل التفاهم. ويَستعمل الإنسان وسائل مختلفة في التواصل مع بني جنسه وحتى مع مخلوقات أخرى، ويستطيع أن يعبر عن سروره بالابتسام، وعن غضبه بالعبوس، وعن انفعاله بالصفير مثلًا. وعن أغراض أخرى باستعمال الإشارات، لكن تظل اللغة وسيلةً أبلغَ في إيصال المقصود.
انطلاقًا من هذا التعريف؛ يمكن إبراز أهمية التواصل على المستوى اللغوي، وذلك من خلال أن التواصل على أساس التعبير، الذي يَعرف نُموًّا مطَّرِدًا -من الإشارة والرمز والإيماء، إلى التعبير الصريح ومحاولات التكلم- يُساهم بشكل كبير في بلوَرَة رصيدٍ لغوي مهمٍّ للطفل، يتنامى باطِّرادٍ مع حجم التفاعلات التعبيرية في إطار السياق الاجتماعي المحيط، ويمكن تنمية هذه العملية بالتعلم؛ ولهذا صح القول بأن "التواصل يستوجب التعلم"؛ وذلك باعتبار أن "التواصل يتطلب تعلمًا يخضع له كلُّ كائن بشري؛ إذ إن اللغة لا تولَد مع الوليد، وإذا كانت الأصوات الأولى التي ينطق بها الطفل فطرية، فإن تعلم اللغة وقواعدها ليس كذلك، فالطفل بدون تبادل لغوي مع كائنات بشرية أخرى لا يستطيع أن يعبِّر أو يفكر، وقد ثبت أن الأطفال الذين لا ينتَمون إلى وسَط يروَّج فيه الكلام -سواء كان هذا الوسط عائليًّا، أو مدرسيًّا، أو مجموعة بشرية أخرى- يظَلون في المرحلة البدائية، ولا يتمكنون من الوصول إلى التواصل المنطقي.
لذلك فالطفل الذي يعيش بعيدًا عن الحياة الاجتماعية -مع الحيوانات مثلًا - يمكنه أن يصمد بيولوجيًّا، ولكنه يعجز بسرعة عن التواصل مع المجتمع البشري، والأطفال الذئاب أو الأطفال الغزلان أمثلة واضحة في هذا الشأن، ومبدئيًّا يتلقى الطفل اللغة، فهو لا يُنشِئ الأصوات والكلمات والعبارات، ولكنه يتعلمها.
وهذا ما أكده أحمد أوزي في كتابه "سيكولوجية الطفل.. نظريات النمو النفسي" حين قال: "تلعب علاقة الطفل بأمه دورًا هامًّا في نموه اللغوي، فبقدر ما تتآصر علاقة الطفل بأمه، ويكتسب نحوها اتجاهًا عاطفيًّا إيجابيًّا، بقدر ما يَختزن أصواتها، فيُقلِّدها حتى ولو لم يُرددها بسرعة، وكل نقص عاطفي في تعامل الأم مع رضيعها يؤدي إلى التأخر في ظهور اللغة، وهذا ما يجعل أطفال الملاجئ يَشْكون من النقص والفقر اللغوي؛ بسبب الحرمان العاطفي وقلة الاحتكاك والتفاعل الانساني معهم.
إن اللغة إذًا وسيلة للاتصال والتعبير؛ ولذلك فإن نموها يتطلب الاتصال والتبادل العاطفي بين الطفل وأمه أولًا، ثم بينه وبين أفراد محيطه الاجتماعي بعد ذلك، فإن النمو اللغويَّ للطفل وثيقُ الصلة بجوانب النمو الأخرى التي يحققها، وخاصة النمو الحركي، ونمو الذكاء، وطبيعة نموه الانفعالي، كما أن مستوى غنى أو فقر الوسط اللغوي الذي يَعيش فيه الطفل له صلةٌ برصيده منه، فالطفل الوحيد في الأسرة يَستمد مكتسَباته اللغوية من الراشدين، والطفل الموجود ضمن عدة إخوةٍ أكبرَ منه ويحتكون به، كثيرًا ما يكون نموه اللغوي أسرع.
ومن الملاحَظ أن الطفل الذي يدخل في علاقات وتفاعل واسع ودائم مع أمه، يكتسب اللغة بشكل أسرع إذا ما قورن بالطفل الذي ترعاه الخادمةُ، التي يتركز اهتمامها على متاع البيت ونظافته أكثرَ مما ينصبُّ على التفاعل اللغوي مع الطفل؛ لذلك فإن الفقر اللغوي ظاهرة واضحة لدى أطفال المستشفيات والملاجئ، وقد أبرزَت بعضُ الدراسات في مجال اللغة مدى ارتباط هذه الأخيرة بالمستوى السوسيو - ثقافي والاقتصادي للأسرة، وخير مثال على ذلك مقارنة الرصيد اللغوي لطفلين في سن الخامسة، ينتميان إلى مستويين اجتماعيين واقتصاديين وثقافيين مختلفين، إذًا فالطفل في تواصله الاجتماعي يتعلم اللغة، هذا ما تخلص إليه المقاربة السوسيوتربوية.
فالوضع الاجتماعي بدينامكيته يخلق وضعيات يستطيع الطفل من خلالها بلورة إمكانياته التعبيرية، ورصيده اللغوي من خلال الحاجة التي تمثل الدافع أو الحافز لإنتاج التعبير اللغوي، وكذلك من خلال التقليد والمحاكاة، فالطفل يقلد التعابير والمصطلحات، خاصة تعابير ومصطلحات ذلك الشخصِ الذي يتواصل معه على أساس عاطفي متين؛ مثل: الأبوين، ويتم ذلك عبر آليات عدةٍ من الحوار والنشاط.
وبعبارة مفصَّلة يمكن القول: "إن حديث الأطفال، وكذا المحاورات التي يُجْرونها مع أفراد الأسرة ومع الراشدين، بالإضافة إلى الاستعمالات اللغوية التي تتم خلال النشاط الموجَّه في المؤسسة الأولية، أو خلال الكلام الذي يسمعونه خاصة عند التواصل مع الراشدين - تمكِّنهم بطريقة ضِمنية من الحصول على القواعد اللغوية التي تنظِّم اللغة، وهذا الامتلاك للقواعد يتم بشكل لا شعوري؛ ليدل على أن الطفل قد تجاوز مرحلة التعبير الذاتي التي تتصف بالتكرار، وفي مقابل ذلك يتم التواصل اللغوي الاجتماعي بالمبادلات الكلامية أثناء التواصل اللغوي الحقيقي، المبنيِّ على الفهم والاستيعاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.