مع دخول شهرالمحرم من كل عام، يستعد المسلمون لاستقبال يوم عزيز على قلب نبيهم وقلوبهم، يوم يأخذون منه العبرة، في أن الله دائما ينصر الحق، وأن الباطل لايدوم .. هذا اليوم هو اليوم العاشر من المحرم، أو كما نعرفه باسم "عاشوراء". في هذا اليوم - العاشر من المحرم - كتب الله النجاة لنبيه موسى "عليه السلام"، وهو واحد من أولي العزم من الرسل، وكتب فيه أيضا هلاك فرعون الظالم الطاغي، وهو أكبر أعداء الله، فذهب ومن معه غرقًا، وفي هذا يقول المولى عز وجل في سورة يونس: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [92] فكيف نجى الله موسى من فرعون؟؟ حينما اشتد ظلم فرعون للنبي الله موسى "عليه السلام" وقومه من بني اسرائيل، خرج موسى بقومه ليلاً هربًا وفرارًا من بطش فرعون حتى وصل البحر، فأتبعهم فرعونُ بجنوده بغيًا وعدوًا، فكان البحر من أمامهم والعدوُّ من خلفهم، حتى أوشك فرعون أن يلحق بهم والقضاء عليهم، حتى ظنَّ أصحابُ موسى أن فرعون وجنوده سيلحقون بهم ويدركونهم، لكنَّ نبي الله موسى "عليه السلام" عنده ثقة عالية بربه فقال: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]. فأوحى الله إلى نبيه موسى "عليه السلام" أن يضرب بعصاه البحر فانفلق حتى جمد الماء، واتخد موسى من البحر طريقًا يبسًا، سار عليه هو وقومه فنجوا جميعا.. ووقف فرعون ناظرا إلى البحر وإلى موسى وقومه وهم يعبرونه مندهشا، ولكن كبره وعنده وجبروته حالت دون إيمانه بالله والتسليم له بالوحدانية، حتى إذا جاوزه موسى "عليه السلام" وقومه، وأراد نبي الله أن يضرب البحر ثانية حتى يذهب يبسه، لكن الله تعالى نصحه قائلا: "اترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون"، وكانت إرادة الله تعالى أفضل بكثير من إرادة موسى عليه السلام، حيث أراد موسى "عليه السلام" أن يفصل البحر بينهما فقط، وأراد الله تعالى أن يغرق فرعون ذلك الطاغية المتكبر ومن معه؛ فيخلص البلاد من فساده، وينجي العباد من عناده واستبداده، ويجعله عبرة للناس من بعده. فهاهو فرعون يعبر البحر بجنوده -كما فعل موسى وقومه- وفجأة، بينما هو في وسط البحر تحول الماء رهوا وغرق هو وجنوده . وشاء الله العلي الكبير أن يجعل الماء الذي نجى الله به موسى "عليه السلام" هو نفسه الماء الذي أغرق به فرعون، إنما نجَّاه الله ببدنه فقط ليكون عبرةً لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكر وعظة لكلُّ جبار عنيد متكبِّر في الأرض.. واتخذ اليهودُ هذا اليوم (العاشر من المحرم عيدًا)؛ تعبيرًا عن فرحتهم بنجاتهم من فرعون وبطشه، وذلك بصيامهم هذا اليوم يوم عاشوراء، وكان من هدْي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم– أن صامه، وأمر المسلمين بصيامه قائلا : "نحن أولى بموسى منكم" وتمييزًا للأمة الإسلامية ومخالفة لعادات اليهود كان من هدي النبي أن يُصام يومٌ قبله أو بعده. فهاهو شهر المحرم يأتينا ليعلمنا أن أصحاب الحق أسياد بحقهم وسينتصرون بإذن الله مهما طتل الأمد، أما أهل الباطل فهم عبيد لباطلهم، سيزهقون مع باطلهم، ويهزمون مع عنادهم ويولون الدبر.. ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]..