اعتبر تقرير نشره موقع صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الصفقة التي تم التوصل إليها بين إيران والقوى الدولية حول البرنامج النووي تمثل "انفراجة للدبلوماسية"، لكنها ليست الحل المثالي أيضًا. وشهدت الأعوام الماضية مخاوف بشأن دخول إيرانوالولاياتالمتحدة في حرب على خلفية الشكوك المتواصلة حول قيام إيران بمحاولة تطوير أسلحة نووية سرًا. وأشارت الصحيفة إلى أن الدولتين قامتا بحل خلافاتهما ليس عن طريق الحرب كما حدث في التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، وإنما من خلال المفاوضات المضنية، بفضل جهود الرئيسين الأمريكي "باراك أوباما"، والإيراني "حسن روحاني". اتفاق ناقص؟ ويرى التقرير أن الاتفاق الذي توصلت إليه القوى الدولية وإيران في فيينا خلال الأسبوع الجاري يعتبر "اتفاقًا ناقصًا"، مشيرة إلى ضرورة احتفاظ الولاياتالمتحدة وحلفائها بحذرهم بشأن نقاط الضعف التي يتضمنها هذا الاتفاق. فالاتفاق يجمد الأنشطة النووية الإيرانية لمدة 10 سنوات، ولكنه لا يقضي على قدرة طهران على صنع سلاح نووي، حيث إنه يزيد الوقت الذي تحتاجه البلاد في حال رغبت في القيام بهذا الأمر. وأوضح التقرير أنه مع إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وفقًا للاتفاق، فإن طهران ستحصل على مليارات الدولارات التي يمكن أن تستخدمها لاستعراض قوتها في المنطقة، وهو ما قد يدفع الدول المنافسة لإيران مثل السعودية لزيادة طموحها النووي. وعادت الصحيفة لتؤكد أن البدائل المطروحة لهذا الاتفاق، والتي تشمل الحرب أو فرض المزيد من العقوبات تجعل هذه الصفقة أفضل الخيارات الممكنة، كما أنها تطرح رسالة هامة حول أن دولتين لديهما خلافات وخصومة عميقة يمكنهما التوصل لاتفاق. وتظل قدرة الاتفاق على النجاح مرتبطة بمدى سلامته من الناحية التقنية، وهو الجانب الذي قد يرى محللون أن إيران قدمت فيه تنازلات كبيرة، مع قبولها رقابة دولية غير مسبوقة على برنامجها النووي، وخفضا ملحوظا في مخزونات اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي. في حين يبرز المتشككون عيوب الجانب التقني للاتفاق، معتبرين أن نظام التفتيش الجديد قد لا يمنع طهران من المضي قدمًا في العمل على برنامج نووي سري، في حين قد تفشل محاولات إعادة فرض العقوبات من جديد آنذاك مع إمكانية عدم حصول هذا الإجراء على دعم دولي كاف. مكاسب تاريخية وعلى جانب أخر، دعا التقرير إلى ضرورة عدم تجاهل المكاسب السياسية الواسعة الناتجة عن الاتفاق، وعلى رأسها إمكانية حدوث انفراجة في العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة. ومن غير المتوقع حدوث تطبيع سريع للعلاقات بين البلدين، حيث إن الأنشطة العدائية الإيرانية عبر الشرق الأوسط سوف تمنع حدوث هذا التطور في العلاقات مع الولاياتالمتحدة، إلا أن الاتفاق يعتبر أول إشارة منذ ثورة 1979 تفيد أن طهران مستعدة للمشاركة البناءة مع الدولة الأقوى في العالم. كما قد يؤدي الاتفاق الأخير إلى تغيرات في التفاعلات السياسية في إيران، بالرغم من أن ذلك قد لا يكون متوقعًا بشكل سريع وملحوظ، ولكن عودة طهران للمجتمع الاقتصادي الدولي قد تدعم الرئيس الحالي "روحاني"، والسعي لتحقيق سياسة خارجية أكثر واقعية. وعلى الجانب الأخر، يطرح الاتفاق الأخير مع إيران مجموعة من التحديات للرئيس الأمريكي "أوباما"، والذي قام بعمليات إعادة هيكلة كبيرة في علاقات بلاده مع ثلاث دول وهم كوبا، وميانمار، وإيران، في آخر أعوامه في السلطة. وأشار التقرير إلى أنه من الخطأ أن يفترض "أوباما" انتهاء عمله بتوقيع الاتفاق مع طهران، حيث يجب على الولاياتالمتحدة استخدام هذا الاتفاق لإعادة الانخراط في المنطقة، وتضمين الاتفاق النووي في استراتيجية واسعة لاحتواء طموحات إيران، بالإضافة إلى طمأنة السعودية وحلفائها الخليجيين، ما يقلل من الصراع السني الشيعي في المنطقة. وذكرت الصحيفة أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق "بوش" اعتقدت منذ أكثر من عقد من الزمن أنه بالإمكان فرض الديمقراطية في المنطقة بالقوة، وهو ما أدى إلى سقوط الدولة في العراق، وتشجيع الطموحات الإيرانية، في حين اختار "أوباما" خيارًا أكثر حكمة في الأزمة مع طهران. ويظل الحكم النهائي على الاتفاق بين إيران والقوى الدولية في فيينا بحاجة لمزيد من الوقت، إلا أن بإمكانه وقف دوامة العنف في المنطقة.