توصلت أمس الثلاثاء، كل من إيران ومجموعة الدول الست الكبرى إلى اتفاق يُنهي أزمة الملف النووي الإيراني بعد مفاوضات طويلة وشاقة استمرت لعدة سنوات. وقال الرئيس حسن روحاني: "حل الملف النووي الإيراني يفتح آفاقاً جديدة ويثبت للجميع بأن التعاون البناء مثمر.
وقد نص الاتفاق على رفع العقوبات الكبيرة التي فرضتها الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية في محاولة منها لوقف وإنهاء ملف إيران النووي، مقابل عدم تطوير إيران لسلاح نووي بشكل نهائي.
كما نص الاتفاق، على رفع العقوبات المالية عن إيران وإعادة الأموال المجمدة بالتدريج مقابل الحد من النشاط النووي لإيران، إضافة إلى إعادة ربطها بنظام سويفت للحوالات الدولية.
وبموجب نص الاتفاق فإن كل المنشآت النووية الإيرانية ستواصل العمل بمقتضى الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، ومنتوج اليورانيوم لمفاعل آراك سيتم بيعه في السوق الدولية.
وعقب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاتفاق قائلا: "الاتفاق النووي مع إيران هو خطأ بحجم تاريخي"، فيما وصفه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بأن الاتفاق مع الدول الست باللحظة التاريخية ويفتح صفحة أمل جديدة في الشرق الأوسط.
ابرز بنود الاتفاق النووي
مدة انتاج مادة انشطارية-
الهدف هو جعل المدة اللازمة لايران لانتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصنع قنبلة ذرية، سنة كحد ادنى على مدى عشر سنوات على الاقل، وجعل مثل هذه الخطوة قابلة للكشف على الفور. وهذه المدة تتراوح الان بين شهرين وثلاثة اشهر.
- تخصيب اليورانيوم -
*تخصيب اليورانيوم بواسطة اجهزة الطرد المركزي يفتح الطريق لاستخدامات مختلفة، تبعا لمعدل تكثيف النظير المشع "يو-235 : 3,5 "الى 5% بالنسبة للوقود النووي، و20% للاستخدام الطبي، و90% لصنع قنبلة ذرية. وهذه المرحلة الاخيرة، الاكثر دقة، يعتبر انجازها ايضا أسرع تقنيا.
* عدد اجهزة الطرد المركزي التي تملكها ايران ستخفض من اكثر من 19 الفا حاليا، منها 10200 قيد التشغيل، الى 6104 --اي بخفض الثلثين-- خلال فترة عشر سنوات. وسيسمح ل5060 منها فقط بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3,67% خلال فترة 15 سنة. وسيتعلق الامر حصرا باجهزة الطرد من الجيل الاول.
لكن ايران ستتمكن من مواصلة انشطتها في مجال الابحاث حول اجهزة طرد مركزية اكثر تطورا، والبدء بتصنيعها بعد ثماني سنوات، خاصة اجهزة من نوع" اي ار-6 " الاكثر قدرة بعشرة اضعاف من الآلات الحالية، و "اي ار-8 " التي تفوق قدرتها بعشرين مرة.
* ستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 الاف كلغ حاليا الى 300 كلغ على مدى 15 عاما.
* وافقت طهران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم طيلة 15 عاما.
* وافقت ايران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم خلال 15 سنة على الاقل في موقع "فوردو" المدفون تحت الجبل، والذي يستحيل بحكم موقعه تدميره بعمل عسكري. ولن يكون هناك بعد الان مواد انشطارية في "فوردو "على مدى 15 سنة على الاقل. وسيبقى الموقع مفتوحا لكنه لن يخصب اليورانيوم. وستسحب نحو ثلثي اجهزة الطرد الموجودة في "فوردو" من الموقع.
- موقع نطنز -
هذه هي المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في ايران، وتضم حوالى 17 الف جهاز طرد مركزي من نوع "آي ار-1 "من الجيل الاول، ونحو الف جهاز من نوع" آي ار-2ام "وهي اسرع، وتتميز بقدرة استيعاب تصل الى 50 الفا في الاجمال. وقد وافقت طهران على ان يصبح "نطنز "منشاتها الوحيدة للتخصيب وان تبقي فيه 5060 جهاز طرد فقط كلها من نوع" آي ار-1". اما اجهزة الطرد من نوع" آي ار-2 ام" فانها ستسحب وتوضع تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- المراقبة -
* ستكلف الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودة اصلا في ايران، بمراقبة جميع المواقع النووية الايرانية بشكل منتظم مع تعزيز صلاحياتها الى حد كبير.
* سيوسع مجال صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الان فصاعدا لتشمل كل الشبكة النووية الايرانية، بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا الى الابحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وسيتمكن مفتشو الوكالة من الوصول الى مناجم اليورانيوم والى الاماكن التي تنتج فيها ايران "الكعكعة الصفراء" (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما.
* وافقت ايران ايضا على وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل محدود الى مواقع غير نووية، خاصة العسكرية منها، في حال ساورتهم شكوك في اطار البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي التزمت ايران بتطبيقها والمصادقة عليها.
- البلوتونيوم -
*يهدف الاتفاق الى جعل انتاج ايران لمادة البلوتونيوم 239 امرا مستحيلا، علما بان هذه المادة هي العنصر الاخر الذي يمكن من صنع قنبلة ذرية.
* مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الانشاء في "اراك" سيجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من انتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية. وسترسل النفايات المنتجة الى الخارج طيلة كل فترة حياة المفاعل.
* لن تتمكن طهران من بناء مفاعل جديد للمياه الثقيلة طيلة 15 عاما.
- العقوبات -
* يفترض ان يصدر مجلس الامن الدولي في وقت سريع قرارا جديدا للتصديق على الاتفاق، والغاء كل القرارات السابقة ضد البرنامج النووي الايراني. لكن بعض التدابير ستبقى بصورة استثنائية.
* العقوبات الاميركية والاوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الايراني وتستهدف القطاعات المالية وقطاعات الطاقة -خاصة الغاز والنفط-- والنقل سترفع "فور تطبيق" ايران لالتزاماتها النووية التي يفترض ان يؤكدها تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اي على الارجح ليس قبل 2016.
* العقوبات التي تفرضها الاممالمتحدة على الاسلحة : ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الامن الدولي ان يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى اي تجارة مرتبطة بصواريخ بالستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.
قلق اسرائيلي
اعتبر رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو أن الاتفاق النووي "خطأ تاريخي"، وعقب نتنياهو على توقيع الاتفاق مؤكداً ان "الاتفاق سيئ وله أبعاد تاريخية"، متعهدا بأنه "سيعمل كل ما بوسعه لكبح مطامح إيران النووية".
وقال في مستهل لقائه مع وزير الخارجية الهولندي في القدس قبل ظهر الثلاثاء " ان إيران ستتلقى بفضل هذا الاتفاق الآلاف من مليارات الدولارات التي ستمكنها من مواصلة عدوانها وإرهابها في المنطقة والمعمورة جمعاء".
وذهبت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أكثر من ذلك بقولها إن "اتفاق إيران النووي استسلام تاريخي للغرب أمام قوى الشر بقيادة طهران".
رئيس الشاباك الإسرائيلي السابق يعقوب بيري: نحن أمام فرصة تاريخية لتحالف إقليمي بين إسرائيل والدول المعتدلة.
بدوره، رأى رئيس حزب اسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان إن "الاتفاقات التي تتجاهل تجارب الماضي- تهدد المستقبل".وأضاف هذا الاتفاق سيذكر في التاريخ في نفس السطور مع اتفاق ميونيخ والاتفاق مع كوريا الشمالية. انه يوم أسود للعالم الحر". أما رئيس حزب"هناك مستقبل" يائير لبيد فاعتبر أنه "لا توجد موالاة ومعارضة في إسرائيل في مواجهة هذا الاتفاق"، فيما اعتبر وزير الأمن موشيه يعالون الاتفاق النووي مع إيران "مأساة ".
بينما قال وزير "الإستعاب والقدس" في حكومة العدو ، زئيف الكين: إن "زعماء العالم الغربي يكررّون الخطأ التاريخي المتمثل في الضعف والتنازل أمام الإرهاب، الذي يهرول نحو الأفق النووي. اتفاق فيينا اليوم يذكرنا باتفاق ميونيخ، لكن دولة إسرائيل لن توافق على أن تكون تشيكوسلوفاكيا".
أما رئيس حزب"هناك مستقبل" يائير لبيد فاعتبر أنه "لا توجد موالاة ومعارضة في إسرائيل في مواجهة هذا الاتفاق".
رئيس الشاباك الإسرائيلي السابق يعقوب بيري علّق بالقول "نحن أمام فرصة تاريخية لتحالف إقليمي بين إسرائيل والدول المعتدلة".
وفي أول تعليق للمستوى العسكري في الكيان الإسرائيلي، نقلت فيه الإذاعة الإسرائيلية عن مصدر عسكري كبير اعتباره أن "الإتفاق يُبعد في المدى القريب التهديد المباشر غير التقليدي عن اسرائيل، لكن في الوقت نفسه يتيح لإيران تطوير قدرة نووية عسكرية في غضون عام. إذا حصلت رقابة ناجعة على المنشآت النووية في إيران فسيكون ممكنا منعها من صنع قنبلة".وأضافت أن " إيران لديها تاريخ من التضليل، والسؤال هو هل سينجح المراقبون في منع ذلك. الآن يتعين على "إسرائيل" ان تفحص كيفية تقليص التهديد القادم من إيران"؟.
اوباما يوفد وزير دفاعه لاسترضاء اسرائيل
أفادت صحيفة معاريف العبرية بأنه في أعقاب الاتفاق بين إيران والدول العظمى حول ملف إيران الذري قرر الرئيس الأمريكي باراك اوباما إيفاد وزير الحرب الأمريكي، اشتون كارتر لإسرائيل الأسبوع المقبل من اجل طمأنتها.
ومساء اليوم، قرر وزراء المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر، الكابنت بالإجماع رفض الاتفاق مع إيران.
ووفقا لوسائل الإعلام العبرية، فان وزراء الكابنت قالوا بأنهم غير ملتزمين بالاتفاق بين إيران والدول العظمى.
نزل عدد من الشبان في مناطق مختلفة من المدن الإيرانية، ظهر الثلاثاء، إلى العديد من الشوارع للاحتفال بتوصل إيران مع الغرب إلى توقيع اتفاق نهائي شامل، يأمل الإيرانيون أن يحسن وضعهم الاقتصادي في ظل ارتفاع الأسعار وتصاعد معدلات البطالة.
وذكرت مواقع إخبارية إيرانية، أن عددا من الشبان في العاصمة طهران ومحافظات يزد ومشهد وشيراز وكرمان وزنجان وهمدان نزلوا ظهر اليوم إلى الشوارع بعدما تلقوا نبأ توقيع الاتفاق النووي عبر التلفزيون ورسائل الهواتف (SMS)، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية وعدت بتنظيم احتفالات كبيرة ورسمية بعد عودة الفريق الإيراني المفاوض.
وأعلن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحمان فضلي، استعداد بلاده لتنظيم احتفالات كبيرة في عموم إيران، مضيفاً أنه حتى الآن لم يتم إبلاغ وزارة الداخلية بشأن متى ستنطلق هذه الاحتفالات.
وبين فضلي في تصريح للصحفيين مساء الاثنين، أن وزارة الداخلية مستعدة لتنظيم الاحتفالات في حال تم إبرام الاتفاق النووي، معرباً عن سعادته في أن يتم تحقيق الاتفاق والانتصار التاريخي للجمهورية الإسلامية.
الآثار الاقتصادية للاتفاق النووي
منذ أكثر من ثلاثة عقود لا تزال الكثير من الأرصدة والحسابات المصرفية الإيرانية محتجزة في الكثير من بنوك العالم، بعضها معلومة أرصدته والبعض الآخر أرصدة مجمّدة تبلغ نحو مئة وخمسين مليار دولار ستستفيد منها ايران كثيرا في حال استرجاعها وسينعكس الأمر انتعاشا على اقتصادها وصناعتها.
بدأت سياسة العقوبات ضدّ ايران عام 1979. حينها امر الرئيس الاميركي جيمي كارتر بتجميد موجودات إيران في البنوك الأميركية وفروعها في العالم حيث قدرت قيمة الاموال آنذاك بين عشرة مليارات دولار واثني عشر ملياراً.
حجم هذه الأموال يراوح ما بين مئة وخمسة وعشرين مليار دولار ومئة وخمسين ملياراً، بحسب ما كشف الرئيس الأميركيّ باراك اوباما الذي اعلن بنفسه أنّ هذه الأموال محتجزة لدى البنوك في الخارج كجزء من العقوبات الخانقة.
الخبير الدوليّ في الشؤون الايرانية مارك دوبويتز قدّر حجم الأموال الايرانية المجمدة في الخارج بنحو ثمانين مليار دولار.
وقال إن الحظر النفطي الأميركيّ على ايران وحثّ الدول التي تشتري النفط الايرانيّ على تسديد قيمته بالدولار أديا الى تراكم عشرات المليارات الايرانية في الحسابات الاجنبية المحتجزة.
صحيفة هآرتس كشفت أخيراً عن وجود حساب مصرفي سري في "بنك إسرائيل" منذ ثلاثين عاما يبلغ مئتين وستة وخمسين مليون دولار يعود إلى شركة النفط الإيرانية في إطار المعركة القضائية الدولية بين إسرائيل وإيران حول خطّ أنبوب النفط عسقلان – إيلات.
الى الهند حيث تبلغ ارصدة حسابات البنوك التجارية الإيرانية في مصرف يو سي او الهندي نحو ثلاثة مليارات دولار حتى شهر آذار/ مارس الماضي.
رئيس غرفة تجارة طهران يحيى آل إسحاق كشف أخيراً أن إيران لديها ما يقارب المئة مليار دولار مجمدة في مصارف عالمية في الصينالهند واليابان.
الصين وحدها لديها في مصارفها ما يقرب من ثلاثين مليار دولار بحسب ارقام رسمية اكدها المتحدث باسم الحكومية الإيرانية محمد باقر نوبخت.
الإفراج عن الأموال المحتجزة في البنوك والمؤسسات المالية العالمية سيؤدي بحسب خبراء الى: فتح أبواب التبادلات التجارية مع الغرب كما سيساعد طهران على تجاوز مشكلاتها السياسية والاجتماعية الداخلية ويحرّك عجلة الاقتصاد الإيرانيّ وينعش الصناعة.
اما الخبير الاقتصادي فكري جودة فكتب مقالا خص به دنيا الوطن جاء فيه
ضجّت وسائل الإعلام العالمية صباح اليوم 14/7/2015 بنبأ رئيس واحد وهو توقيع اتفاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول 5+1 (بريطانياوالصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، والمانيا) على اتفاق ينهي أزمة الملف النووي الإيراني الذي خيمت آثارها بقسوة على الاقتصاد الإيراني الضخم خلال السنوات العشر الأخيرة ، ومنذ تطبيق إجراءات الحصار المصرفي والنفطي الصارم الذي طبق منذ العام 2011.
ولتفهم الآثار الكارثية لهذا الحصار على الاقتصاد الإيراني نذكر أن الحصار المصرفي قد عزل إيران عن شبكة التحويلات المصرفية الدولية SWIFT)) ، مما عنى تعطيل عمليات الاستيراد والتصدير وتوقف جل العمليات التجارية الإيرانية المعتمدة على عمليات التحويل المصرفية. كما أن أن حظر تصدير النفط ومشتقاته أدي لحرمان الاقتصاد الإيراني من المصدر الرئيس للعملات الأجنبية في البلاد وبالأخص الدولار الأمريكي. وقد انعكس ذلك مباشرة في شكل دورات تضخمية أدت لانخفاض قيمة العملة المحلية (التومان) بمقدار الثلثين خلال عامين من الأزمة، ودخلت البلاد في حالة من الركود الاقتصادي حين لم تتجاوز نسب النمو الاقتصادي السنوي 2% أو 3%. وزاد الطين بلّة انسحاب كبريات الشركات العالمية المستثمرة في السوق الإيراني، حيث انسحبت شركتا بيجو وسيتروين من سوق تصنيع السيارات الإيراني، وكذلك جمدت شركات مثل شل و بريتيش بتروليوم اتفاقات التنقيب والبحث عن النفط.
ولم يفلح المسعى الإيراني في القفز على هذه العقوبات من خلال مجموعة من الاتفاقات الثنائية مع روسياوالهند والباكستان في تعويض الاقتصاد الإيراني عن الخسائر المذكورة سابقا إلا بشكل جزئي، وكان واضحا من خلال السياسات المنفذة على الأرض من قبل السلطات الإيرانية أن العوائد المالية المتحققة من هذه الاتفاقات الثنائية لم توجه لمصلحة دعم المواطن الإيراني العادي، وإنما وجهت لصالح الاستثمارات الحكومية الاستراتيجية في قطاعيّ الطاقة والتسلّح ، ودعم نفوذ الدولة الفارسية في إقليمها المحيط (العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين). وذلك اعتمادا على تقديرات استراتيجية بإمكانية تحمل الآثار الاجتماعية الداخلية للأزمة الاقتصادية على المديين القصير والمتوسط، مقابل ثقة صانع القرار بإمكانية التوصل لاتفاق نووي مع الدول الست الكبرى يحفظ لإيران مكتسباتها النووية ويمكنها من استدراك الخسائر الناجمة عن الحصار لاحقا.... وهذا ما تم اليوم.
ما الذي يحمله المستقبل ؟
توقيع اتفاق اليوم يعني ضمنيا رفع الحظر – تدريجيا – عن أرصدة الجمهورية الإسلامية المكدسة في المصارف العالمية منذ العام 1979 (عام انطلاق الثورة الإيرانية) والتي قدرت حينها ب12 مليار دولار، نمت لتصل قيمتها حسب أكثر التقديرات تفاؤلا لتصبح 180 مليار دولار، هذا إلى جانب انفتاح السوق الإيراني على الاستثمارات الخارجية والتي بدأت تتقاطر فعلا على إيران بمجرد ظهور بوادر لاتفاق وشيك مع الدول الست الكبرى. وهذا يعني أننا سنشاهد سوق عكاظ فارسيّ النكهة في الأيام والشهور القادمة، فالشركات العالمية التي تعمل في غرب الكرة الأرضية وشرق آسيا وروسيا تعمل حاليا في بيئات تعاني الركود الاقتصادي، وإيران تحتاج لاستثمارات هيكلية عملاقة في قطاعات الطاقة والبنى التحتية والتكنولوجيا تقدر ب 100 مليار دولار في حدها الأدنى خلال السنتين القادمتين، وذلك لتحقيق الأهداف التنموية اللازمة لإلحاق الدولة الفارسية بعجلة الاقتصاد العالمي وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مريحة تعوّض المواطن الإيراني عمّا عاناه في سنين الحصار العجاف.
ومن الواضح أن إيران في سبيل تحقيق ذلك الهدف لا تستطيع الاعتماد على قدراتها الذاتية، بل تحتاج للاستثمارات الخارجية المتحفزة للدخول إلى السوق الإيراني. كما أنه من الواضح أن السلطات الإيرانية في حاجة لتطبيق حزمة من الإصلاحات القانونية والضريبية والإدارية التي تضمن الشفافية والتوافق مع القوانين الدولية والقضاء على الفساد الإداري الحكومي الذي استشرى تحت ضغط الأزمة الاقتصادية.
بالتأكيد نعم، فعلى المستوى الاقتصادي نحن أمام بيئة جديدة جاذبة للاستثمارات الدولية في المنطقة تتميز بضخامة السوق وثبات المؤشرات الاقتصادية وسيطرة السلطة الحاكمة على مفاصل الدولة بشكل محكم. وهذا بالتأكيد يسحب البساط من تحت دول المنطقة الساعية لجذب الاستثمارات الأجنبية مثل مصر والعراق وباكستان وحتى الجارة الكبرى تركيا.
أما على المستوى الاستراتيجي والسياسي، فلا شك أن إيران التي استثمرت قواها الناعمة دون هوادة في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية سوف تستخدم صحوتها الاقتصادية القادمة في مزيد من السعي للتمدد والسيطرة عبر وسائلها التقليدية (الطائفية) وعبر وسائل أخرى قد تكون أكثر خشونة على الأرض. وهذا ما يفسر إعلان المملكة العربية السعودية لانزعاجها من توقيع أي اتفاق مع إيران لا يأخذ مصالح باقي دول المنطقة في الحسبان، وكذلك الصراخ والعويل الذي صدر ويصدر عن الكيان الصهيوني واصفا الاتفاق بأنه كارثة عالمية سوف تجر الويلات علي دول العالم (المتحضر). والغريب هنا التناقض العجيب الذي شاهدناه في الموقف الأمريكي ، حيث أن أمريكا رسميا قد وافقت على الاتفاق وباركته باعتبارها إحدى الدول الست المفاوضة لإيران، إلاّ أننا سمعنا تصريحات الشجب والاستنكار للاتفاق على لسان مختلف المسؤولين الأمريكيين من المعارضة في الكونغرس وحتى الرئيس الأمريكي نفسه. والتي قد تفسّر على أنها تصريحات مواساة للصديقة المدللة إسرائيل ولحلفاء أمريكا العرب، أو أنها محاولة لإيجاد مخرج مستقبليّ للتنصل من هذا الاتفاق.
في كل الأحوال يمكننا القول أن شيئا ما قد تغير في هذا العالم بمجرد توقيع اتفاق إيران النووي، ويبقى أن نشاهد التغيرات التي ستنتج عن هذا الاتفاق اقتصاديا وسياسيا على الأرض في قادم الأيام.