افتتح وزير الخارجية سامح شكرى اليوم، البرنامج التدريبي لقادة مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى دورته الحادية والعشرين، وذلك فى حضور السلك الدبلوماسى العربى والأفريقي والأجنبي المعتمد فى القاهرة. وتنشر الفجر نص كلمة شكري.. وإلى نص الكلمة:_
السيدات والسادة، الضيوف الكرام، إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في افتتاح الجلسة رقم 21 من البرنامج التدريبي لقادة المهام التابع للأمم المتحدة، وهو درة التاج في برامج التدريب المعنية بعمليات حفظ السلام حول العالم، وهي المرة الأولي التي ينعقد فيها هذا البرنامج التدريبي في شمال أفريقيا، والمرة الثانية في الشرق الأوسط، حيث يتولي البرنامج مهمة إعداد القيادات الحالية والمحتملة لتولي مهام قيادة عمليات حفظ السلام حول العالم.
هذا وسيقوم المسئولون خلال هذا البرنامج وعلي مدار الأسبوعين المقبلين بالتواصل مع نخبة من أفضل الخبراء الدوليين من متحدثين ومعلمين، ومدربين وميسرين، وذلك للتدريب علي قيادة عمليات حفظ السلام ذات الأبعاد المتعددة، في وقت تكثر فيه النزاعات حول العالم وتشتد، حيث يحدونا أمل كبير أن تساهموا في جهود استعادة السلم والاستقرار.
وفي هذا الإطار اسمحوا لي أن أرحب بضيوفنا من جهاز التدريب المتكامل بقسم عمليات حفظ السلام والدعم الحقلي بالأممالمتحدة، كما أرحب بجميع المتحدثين والمعلمين والميسرين والمتدربين هنا في القاهرة، وأرحب أيضا بممثلي دولة اليابان وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي بالقاهرة، فلايفوتنا أبدا الجهود التي تقومون بها في دعم مركز القاهرة الإقليمي لتسوية المنازعات وحفظ السلام في أفريقيا، لاسيما هذا البرنامج، وهي جهود بلاشك جديرة بالثناء.
السيدات والسادة،
إن الجلسة المنعقدة من هذا البرنامج التدريبي في القاهرة تأتي في ظل منعطف خطير تمر به عمليات حفظ السلام، كما تأتي بالتزامن مع إطلاق تقرير اللجنة المستقلة رفيعة المستوي الخاصة بعمليات حفظ السلام، والتي انعقدت بالجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أكتوبر الماضي.
ومن جانبنا نهتم كثيرا كأحد أهم الدول المشاركة بقوات في عمليات حفظ السلام، وكذلك باعتبارنا الدولة المضيفة لمشاورات اللجنة رفيعة المستوي الخاصة بالشرق الأوسط والتي استضافتها القاهرة في شهر مارس الماضي، بالنتائج والتوصيات التي سيتم رفعها للسيد الأمين العام، ومن ثمّ إلي العالم أجمع، كما نتطلع كثيرا إلي المناقشات التي سيتمخض عنها بلا شك تأثير كبير سيؤدي إلي إعادة تشكل عمليات حفظ السلام في المستقبل، وذلك في ظل المرحلة الحالية التي تشهد فيها الساحة الأمنية عالميا وإقليميا تغييرات عديدة علي النحو التالي: - تزايد حدة ووتيرة الصراعات داخل الدولة وبين الدول وبعضها البعض. - انهيار عدد من الدول القومية في أفريقيا والعالم العربي تحديدا. - تنامي دور الفاعلين من غير الدول بما في ذلك التنظيمات الإرهابية والإجرامية، في حقبة تتزايد فيها الصراعات العابرة للدول. - اتخاذ كثير من الصراعات طابع عرقي/ديني مما يحولها إلي لعبة صفرية يصعب تسويتها سياسيا. إن هذه التحديات والتهديدات والمخاطر تؤدي إلي مزيد من تعقيد مساعي حفظ السلام المعقدة أصلا، في وقت نعمل فيه علي نشر قوات لحفظ سلام لا وجود له في مناطق النزاع، وحيث تتعرض حياة الشعوب البريئة وكذلك موظفي بعثات حفظ السلام للخطر، وهو في النهاية اختبار لمدي استدامة وفعالية حفظ السلام كأداة للتعامل مع الصراعات المعقدة. السيدات والسادة،
في مواجهة كل هذه التحديات تظل مبادئ عمليات حفظ السلام المنصوص عليها ذات دلالة، إلا أننا نظل بحاجة لتطوير فهمنا لهذه المبادئ، وبالنسبة لمصر فإن التجرد والموضوعية لا يعنيان الحياد، كما أن التوافق لا يعني الحصول علي موافقة الإرهابيين، فضلا عن أن حماية المدنيين وحماية ولاية البعثات بدون تجاوزات غير مقبولة هو أمر قابل للتحقق.
وهناك أمر آخر يجب تطويره وهو طبيعة العلاقة بين كل من الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية وما دون الإقليمية. وقد قامت مصر بدور ريادي في هذا المجال بالفعل، حيث وافقت القمة العربية في مارس 2015 على دعوة مصر لإقامة قوة عربية مشتركة. وقد وصلت المشاورات الخاصة بتشكيل تلك القوة إلى مرحلة متقدمة، بما يمهد لدور فاعل وقوي تلعبه جامعة الدول العربية في منع ومواجهة التهديدات العديدة للسلم والاستقرار في العالم العربي.
وفي الإطار الأفريقي، فإن مصر مستمرة في لعب دور نشيط جدا وبناء في الاتحاد الأفريقي من خلال دعم تطوير القوة الأفريقية الجاهزة، والتي من المقرر أن تبدأ عملها بصورة كاملة بنهاية العام الجاري، بالإضافة لتطوير قدرات مفوضية الاتحاد الأفريقي في مجالي الوساطة ومنع النزاعات، وذلك طبقا لما أقرته القمة الأفريقية في يناير الماضي.
وفي الوقت الذي تقوم فيه تلك المنظمتان الهامتان بتطوير مساهمتهما في الحفاظ على السلم والأمن، فإن علاقاتهما بالأممالمتحدة تحتاج أيضا للتطوير. وقد لعبت مصر دورا هاما في تسهيل الحوار في هذا الصدد، وذلك على النحو التالي: أولا: استضافت مصر بالتعاون مع مكتب دعم بناء السلام ومفوضية بناء السلام في نوفمبر الماضي مؤتمرا دوليا حول الأبعاد الإقليمية لبناء السلام، حيث قدم المؤتمر لعملية المراجعة الجارية لمنظومة بناء السلام توصيات عملية لتحقيق التنسيق والترابط ما بين الأممالمتحدة والنظمات الإقليمية. ثانيا: استضافت مصر في مارس الماضي المشاورات الخاصة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار مجموعة الأممالمتحدة رفيعة المستوى المشكلة لمراجعة عمليات حفظ السلام، مما سمح بحوار هام ومعمق بين الأممالمتحدة وجامعة دول العربية في هذا الشأن.
وتعد تلك هي أطر الحوار التي تنشط فيها مصر على المستوى الدولي في هذا الشأن، وسوف تستمر في ذلك في المستقبل خاصة مع حلول نهاية الاتفاق الإطاري الموقع لمدة عشر سنوات ما بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي العام المقبل، وفي ظل استعداد جامعة الدول العربية لإنشاء القوة العربية المشتركة.
يضاف إلى ذلك مساهمة مصر على المستوى النظري والعملي في مجال حفظ السلام، والذي يعد عنصرا واحدا من عناصر الدور القيادي لمصر في هذا المجال. إن مصر كانت ولاتزال إحدى الدول الكبرى من حيث المساهمة في عمليات حفظ السلام حول العالم، حيث تسهم مصر حاليا بأكثر من 2400 عنصرا من الرجال ويسعدني أن أقول أيضا من السيدات في 8 عمليات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. إن المساهمة المصرية في تدريب عناصر حفظ السلام من خلال مركز القاهرة لتسوية المنازعات وحفظ السلام لا يصنف فقط عاليا على المستوى الدولي، وإنما امتد التدريب لكي يشمل موضوعات أخرى جديدة مثل موضوعات الحدود.
السيدات والسادة،
إن مصر سوف تترشح هذا العام نيابة عن المجموعة الأفريقية للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن عن عامي 2016 – 2017، وهي تدرك المسئولية الكبيرة وأهمية هذه العضوية، وتتعامل مع تلك المسئولية بكل جدية كما فعلت مصر من قبل خلال توليها العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن أعوام 1949 – 1950، 1961 – 1962، 1984 – 1985، و1996 – 1997.
إن مصر تنوي أن تستخدم عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن – ونحن نثق في حملتنا للترشح وقدرتنا على تولي هذا المنصب – لكي تكون صوتا فاعلا لأفريقيا ودول الجنوب في المحافل المختلفة. وفي هذا السياق، أود أن أعيد التأكيد على التزام مصر بتحقيق السلام والأمن الدوليين، ودعمها لدور مجلس الأمن في التعامل مع المواقف التي تمثل مصدر قلق وتهديد للمجتمع الدولي. كما أرجو أن تسمحوا لي بانتهاز الفرصة لكي أعرب عن استعداد مصر من حيث المبدأ لاستقبال مركز الخدمات الإقليمي التابع للأمم المتحدة لدعم عمليات حفظ السلام في الشرق الأوسط.