ما زال مسلسل شركات توظيف الأموال فى مصر مستمراً، بسبب وقوع الضحايا فى نفس الأخطاء، ورغبتهم فى الثراء السريع، واستثمار أموالهم بأكبر عائد ممكن بغض النظر عن المخاطر. آخر سلسلة المتهمين بالنصب على المواطنين أحمد مصطفى إبراهيم، الشهير بالمستريح، فى قضية توظيف الأموال وإيهامه المواطنين بإنشاء مشروعات وهمية، وتلقى أموالاً نقدية مقابل أرباح شهرية، والاستيلاء على أكثر من مليارى جنيه من المواطنين. كان شعار المستريح «اكسب وأنت مستريح» فيعطى ضحاياه عائدا شهريا يتراوح بين 6 و10%، وهى نسبة كبيرة جدا إذا ما قورنت بفوائد البنوك المصرية. السؤال هنا: لماذا يقع المصريون فى نفس الخطأ وتنطلى عليهم نفس الخدعة رغم ما سمعوا عنه وشاهدوه من حوادث سابقة ومآسى وموت وأزمات قلبية وجلطات فى المخ؟!. هذا نموذج للقصص الضحايا كما ذكرته المواقع الإلكترونية وبرامج التوك الشو. أضاف الضحايا أن المتهم استولى على نحو 50 مليون جنيه من مواطنين يقطنون بمدن محافظة قنا فقط، بعدما أوهمهم أنه قرر إنشاء مصنع للأسمدة يحقق لهم أرباحا طائلة، الأمر الذى جعل الضحايا يمنحونه كل ما يملكون من أموال، إلا أن أحلامهم فى تحقيق الثراء السريع تسربت عندما علموا أن المتهم نصاب واستولى على أموالهم وهرب، الأمر الذى أصاب الجميع بالحسرة لدرجة أن سيدة فقدت حياتها نتيجة الصدمة، بينما قرر مجموعة من الرجال أن يطلقوا زوجاتهم اللائى وضعن أموالهن لدى هذا النصاب وتضيع «تحويشة العمر». وأكد الضحايا أن المتهم نصب على مجموعة أخرى من الضحايا بمحافظات الدلتا وفى القاهرة والجيزة، من خلال شقق مفروشة يدير من خلالها جرائمه ويستخدمها كمكان للنصب على الضحايا. المشكلة أن حجم المبالغ يرتفع كل مرة وعدد الضحايا يكثر عن القضايا السابقة. والتاريخ كما تقول صفحات الحوادث فى العديد من الجرائد السابق حدوثها من قبل كان شاهداً عليها ولم يكن المستريح هو الوحيد الذى تم القبض عليه فى هذا العام فقد شهد عام 2015 سقوط «ه.ل.ع» صاحب شركة «ك»، حيث جمع ما يقرب من 410 ملايين دولار من 20 ألف مواطن مصرى، بعد أن أقنعهم أن الشركة ستوفر لهم عائداً شهرياً يصل إلى 7%، وبالفعل استمر فى تقديم هذا العائد إلى ما يقرب من عام ونصف، ثم فوجئ العملاء بتوقف إيداع الفوائد فقاموا بالإبلاغ عنه. مسلسل توظيف الأموال فى مصر له تاريخ طويل فلا تزال ذكرى الريان الذى قضى أكثر من 25 عاما فى السجون بسبب نصبه على المواطنين واستغلال علاقته بمسئولين فى الدولة لإيهام العديد من المواطنين بالربح السريع، كذلك شركات السعد التى قضت المحكمة بفرض الحراسة عليها لأكثر من 15 عاما، ولم يتم رفع الحراسة عنها إلا بعد سداد أموال المودعين بنسبة 100%. نأتى هنا إلى تحليل شخصية تقول دراسة أجراها معهد شيكاغو للدراسات الشخصية السيكوباتية عام 2013 إن الشخصيات السيكوباتية شخصيات ضد المجتمع مثل المجرمين والقتلة. ولكن الدراسة هنا ركزت على سمات النصاب ورصدت تاريخ أشهر مائة نصاب فى العالم بجانب استخدامهم التكنولوجيا الحديثة مثل الرنين المغناطيسى الوظيفى وتحليل الجينات على بعض النصابين المحتجزين فى سجون شيكاغو. وجد أن نسبة 60% لديهم نشاط زائد فى مناطق المخ المسئولة عن التفاوض والتواصل مع الاخرين. بجانب وجود سمات الشخصية السيكوباتية الجذابة وهى القدرة على الكذب والخداع والقدرة على الاقناع وايهام الناس بأنهم يملكون قدرة عالية على ايهام الناس أنهم على علاقة بالمسئولين والمشاهير ويملكون السيارات الفارهة والملابس السينييه والساعات المرصعة بالماس بجانب تواجدهم الدائم فى أماكن نجوم المجتمع والطبقة الراقية. وللاسف الضحية تقع تحت تأثير هذه الهالة والمظهر والنصاب يفهم ضحاياه جيدا ويعرف أنهم سطحيون ويقتنعون بالمظهر الخارجى والكلام المعسول. فلو رصدنا أيضا مشاهير النصب فى مصر سوف نجدهم يتبعون نفس الاسلوب فتجد السيارة الفارهة والسائق والمكتب الفخم والسكرتيرة الحسناء وصوراً مع الوزراء ورجال الدين وأعضاء مجلس الشعب وكبار الضباط والفنانين والاعلاميين ولاعبى الكرة. ولأن المشاهير- كما يقول علماء النفس الاجتماعى-عنصر جذب ولذلك يتم استخدامهم فى الاعلانات والدعاية ويستخدمهم النصاب فى اقناع الناس بأنهم عملاء عنده مما يجعل الضحية يقتنع أنه استحالة أن يخدع النصاب هؤلاء المشاهير ولكن بعد انكشافه تجد بعض هؤلاء المشاهير ضحية للنصاب. الجزء الثانى الذى يجعل الضحايا يقتنعون أكثر هو تحقيق ربح عال فى فترة قليلة دون مجهود ولأن شهوة المكسب والربح السريع لها تأثير كتأثير المخدرات فالدراسات الحديثة التى تتعلق بربط علوم الاعصاب وعلم النفس بالاقتصاد ويسمى بعلم الاقتصاد النفسى العصبى وعلم يدرس السلوك الاقتصاد عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل رسم المخ والرنين المغناطيسى الوظيفى وقياس المواد الكيميائية فى المخ عن طريق المسح الذرى للمخ. تؤكد أن هناك مواد تنشط فى المخ وتفرز بقوة عندما يحس الشخص إنه سوف يحصد أموالاً طائلة بسرعة مما تجعله مندفعاً ويتصرف كأنه مخدر وبدون وعى ومسلوب الارادة. وهذه ما ذكرته دراسة عن بعض الاشخاص الذين يتعاملون فى البورصة ويستثمرون أغلب أموالهم فيها وحققوا أموالا طائلة فى بداية دخولهم وأيضا بعض المقامرين وجدوا أن الدوبامين المسئول عن النشوة يرتفع مع كل مكسب ما يجعله مدمناً ويعتبر القمار الآن فى التقسيم الحادى العشر للطب النفسى الصادر عن منظمة الصحة العالمية من ضمن اضطرابات الادمان. الخلاصة أننا أمام نصابين محترفين يعرفون أن المكسب السريع فى توظيف الاموال كالمخدرات بالنسبة لضحاياهم يحقق سعادة زائفة وبعد ذلك يفيق على صدمة بعد اختفاء النصاب ونرى مرضى الذبحات القلبية وجلطات المخ ونزيف المخ بعد ذلك فى استقبال المستشفيات بسبب عدم تحملهم الصدمة وارتفاع ضغطهم. ونرى مرضى الاكتئاب الاضطراب الذهانى الحاد. نصيحة احذر أصحاب الكلام المعسول والمظاهر الخارجية احذر من يغريك بالمكسب السريع. لا تكن إمعة وتتبع الاخرين.