قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    أول تعليق من روبيو على تقارير وقف بريطانيا تعاونها الأمني بسبب عمليات البحر الكاريبي    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    بموجب مذكرة توقيف، القبض على المغني الشهير أيكون    بسنت النبراوي تتألق على السجادة الحمراء في افتتاح الدورة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائي    مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    حبس شخصين لقيامهما بترهيب وفرض إتاوات على ملاك وحدات سكنية بالقطامية    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    «السك الأخير».. إنهاء عملة «السنت» رسميًا بعد 232 عامًا من التداول    «لو أنت ذكي ولمّاح».. اعثر على الشبح في 6 ثوانِ    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    أبوريدة: متفائل بمنتخب مصر فى أمم أفريقيا والوقت لا يسمح بوديات بعد نيجيريا    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    نقابة الموسيقيين تنفى إقامة عزاء للمطرب الراحل إسماعيل الليثى    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    انطلاق معسكر فيفا لحكام الدوري الممتاز بمشروع الهدف 15 نوفمبر    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    عماد الدين حسين: إقبال كبير في دوائر المرشحين البارزين    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    سحب منخفضة ومتوسطة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    أمطار تضرب الإسكندرية بالتزامن مع بدء نوة المكنسة (صور)    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    واشنطن تدعو لتحرك دولي عاجل لوقف إمدادات السلاح لقوات الدعم السريع    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 الآن في السودان ببداية تعاملات الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير المالية السابق: 2026 سيكون عام شعور المواطن باستقرار الأسعار والانخفاض التدريجي    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    عقار تجريبي جديد من نوفارتيس يُظهر فعالية واعدة ضد الملاريا    طريقة عمل فتة الحمص بالزبادي والثوم، أكلة شامية سهلة وسريعة    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    تعرف على ملاعب يورو 2028 بعد إعلان اللجنة المنظمة رسميا    ترامب يحمل «جين تاتشر» وكيندي استخدم مرتبة صلبة.. عادات نوم غريبة لرؤساء أمريكا    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    أسعار السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 3035    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد سيقضي على مشكلة «تشابه الأسماء»    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    السيسى يصدر قانون الإجراءات الجنائية بعد معالجة أسباب الاعتراض    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    محافظ أسيوط يحضر برنامج تدريب الأخصائيين على التعامل مع التنمر    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدال طبي بشأن زراعة رأس في جسد
نشر في الفجر يوم 22 - 04 - 2015

طرح فيلم الشيء ذو الرأسينThe Thing with Two Heads (إخراج: لي فروست، 1972)، فكرة وصل رأسٍ آدميّ مقطوع بجسم آخر، ليتشكل كائن بشري برأسين! يندرج موضوع الفيلم في باب الخيال العلمي، لكن فكرته لها جذور في الميثولوجيا القديمة والسرديات الدينيّة أيضاً. ووفق ما تخبر الآثار التاريخيّة، كان الإنسان مولعاً بابتكار أنماط متخيّلة من علاقة الرأس بالجسد. إذ تحدّثت اليونان القديمة عن جانوس برأسين (أو وجهين)، وهيكاتي بثلاثة رؤوس، فيما تخيّل الهندوس الإله براهما بأربعة رؤوس! يضاف إلى ذلك مجموعة من المخلوقات الأسطورية التي تملك رأس بشر وجسد حيوان (كأبو الهول الشهير)، أو العكس كحال أنوبيس الفرعوني بجسد طبيب ورأس إبن آوى.
وبعيداً عن الخيال العلمي والميثولوجي والديني، يحفل الأدب الطبي بحالات موصوفة ونادرة لتوائم غير منفصلة، مع بروز رأس ثانٍ من الكتف أو الظهر أو الرقبة (كما في التوأم الأميركي أبيغيل وبريتاني هينسيل).
الإعلام ومقصلة روبسبيير
في تلك الأمثلة، تتخذ العلاقة بين الرأس والجسد أشكالاً مخالفة للنمط الطبيعي الشائع، لكن يبدو أن تلك العلاقة على وشك أن تدخل مساراً مختلفاً تماماً، بل غير مسبوق كليّاً.
فقبل أيام قليلة، أعلن الشاب الروسي فاليري سبيريدونوف (30 سنة)، المصاب بداءٍ عصبي نادر يترافق مع ضمور عضلي شبه شامل، عن رغبته في فصل رأسه عن جسده المشلول، ووصله بجسد متبرع... بعد وفاة الأخير بطبيعة الحال! جاء الإعلان الفريد من نوعه، غير بعيد عما سبق أن صرّح به عن الأمر عينه، الجرّاح الإيطالي سيرجيو كانافيرو، من مركز الدراسات العصبية المتقدّمةفي مدينة تورينالإيطاليّة، في مقالٍ نشره في مجلة الجراحة العصبيّة الدوليّةعام 2013.
للأسف، تناقلت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي خبر ما يسعى إليه الشاب الروسي والجراح الإيطالي، بخليطٍ من التبسيط والتهويل، مشيرة إلى أنه من المقرر إنجاز تلك العملية في عام 2017. وكالعادة، تناقضت ردود الأفعال والمواقف على ذلك الأمر. وتراوحت الردود بين الإيجاب والسلب، والتحمس والرفض.
وبعيداً عن المفاجأة التي أثارها الخبر، ربما يكون مفاجئاً فعليّاً القول بأن تلك الفكرة ليست جديدة! إذ طالما كان الرأس البشري موضوعاً للفُضول العلمي.
وعند اندلاع الثورة الفرنسيّة مترافقة مع الاستخدام الواسع للمقصلة التي حصدتْ آلاف الرؤوس، خصوصاً إبان حكم روبسبير، برزت تساؤلات عن قدرة الرأس البشري المقطوع على الشعور، والبقاء على قيد الحياة والوعي بعيد انفصاله عن الجسد، ولو لثوانٍ معدودات. ولخّص الألماني صموئيل فون سوميرينغ تلك الأسئلة في رسالة حظيت بانتشار واسع عام 1795، ما أدّى إلى إطلاق سلسلة من الاختبارات بهدف محاولة الإجابة على تلك الأسئلة.
ولعل أغرب الاختبارات حينها، تمثّلت في استخدام الرسام البلجيكي أنطوان ويرتس في بروكسيل (بلجيكا)، التنويم المغناطيسي كي يعيش الحالالتي يعيشها المحكوم بالإعدام لحظة انفصال رأسه!
لم يكن الهدف من الاختبارات زرع الرؤوس المقطوعة، إلا أنها أشارت إلى أن إبقاء الرأس المقطوع حياً ممكن من الناحية النظرية، في حال توفير الدم والأوكسجين. تبع ذلك محاولة على يد طبيب الأعصاب تشارلز إيدوارد براون-سيكوارد الذي أجرى، في منتصف القرن التاسع عشر وباستخدام أنابيب بدائية، أول محاولة لإحياء رؤوس مقطوعة من الكلاب.
أشباح سوفياتيّة
مع مطلع القرن العشرين وتطوّر جراحة القلب والأوعية الدمويّة، استطاع تشارلز غوثري إجراء محاولات تجريبيّة لزرع الرأس في حيوانات المختبر. ولعل أهم الاختبارات في ذلك المجال، أجريت في الاتحاد السوفياتي ضمن مشروع تجارب في إحياء الكائنات الميّتة. إذ برز اسم رائد زراعة الأعضاء الجراح الروسي فالديمير ديموخوف، الذي نجح جزئيّاً خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، في تركيبرأسين في جسم كلب.
في سياق مماثل، أجرى الجرّاح الأميركي روبرت وايت من كليفلاند، عمليات عدّة لزرع رأس قرد في جسد قردٍ آخر. ونالت تلك العمليات نصيباً مقبولاً من النجاح، بمعنى أن الرؤوس المزروعة تمكّنت من الاستفاقة من أثر التخدير الجراحي، وأن تبقى على قيد الحياة لساعات قليلة.
في الأحوال كلها، كانت عمليات الزرع المذكورة محكومة بالفشل المحتّم، لأنها أجريت في فترة لم تكن فيها الأدوية المثبّطة للمناعة متوافرة بعد. إذ يرفض الجسم زراعة عضو من جسد آخر يعتبره غريباًعليه، فيتولى جهاز المناعة إطلاق سلسلة من عمليات رفض العضو المستزرع. وبعد جهود طويلة، تمكن العلم من التغلّب على تلك المشكلة عبر صنع أدوية تثبّط عمل جهاز المناعة، ما يؤدّي إلى عدم رفض العضو المزروع. وفي الأوقات الحاضرة، باتت أدوية تثبيط جهاز المناعة متوافرة على نطاق واسع.
وبالعودة إلى خبر الشاب الروسي فاليري سبيريدونوف، يجدر التذكير بأن الدكتور كانافيرو، يسعى لشرح تفاصيل العملية التي يتوقّع أن يجريها على ذلك الشاب. إذ يعتزم كانافيرو إلقاء محاضرة في مؤتمر الأكاديمية الأميركيّة لجرّاحي الأعصاب والعظامThe American Academy for Neurological & Orthopaedic Surgeons الذي يلتئم في مدينة آنابوليسبولاية ميريلاند، في حزيران (يونيو) المقبل.
...ورفض أميركي
في خطوة استباقية، تعبّر بوضوح عن عدم التأييد لخطة كانافيرو الطموحة، فقد أعلن رئيس الأكاديمية الأميركيّة لجرّاحي الأعصاب والعظامبأنها لا تتبنى آراء كانافيرو، لكنها تعطيه الحق في استخدام منبرها كي يعبّر عن آرائه علميّاً.
بديهي القول أن كثيراً من العقبات التقنيّة تعترض إنجاز تلك العملية، كالوصل بين الأوعية الدموية، وتبريد الرأس أثناء نقله من جسدٍ إلى آخر وغيرها. والأرجح أن أكبر تلك العقبات التقنية تكمن في وصل النخاع الشوكي في مؤخّرة الرأس المفصول وذلك الموجود في الجسد الذي يزرع فيه الرأس المنقول. يصح القول أيضاً أن الدكتور كانافيرو تحدّث عن استخدام مواد حيويّة جديدة كي تكون جسراً يصل النخاعين الشوكيين ببعضهما بعضاً. في المقابل، يجب لفت النظر إلى أن فعالية تلك المواد غير مثبتة النتائج على المستوى السريري العملي.
كما أن عواقب العملية لا تتوقّف عند حال الشلل المتوقعة للجسد، والموت المحتمل للمريض فاليري، بل الحال التي يمكن أن يعيشها الرأس وهو مثبت وحيداً على جسدٍ غريب. ألا تبدو تلك حالاً غير مسبوقة من اللاانتماء، والاغتراب البيولوجي، بل أنها حال فريدة في رعبها، ومشاعرها التي ستتدفق في رأسٍ واعٍ لكن غير قادر على الحركة.
هل نحن أمام عملية زرع رأسٍ في جسد أو زرع جسدٍ في رأس؟ من هو الشخص الذي يتكوّن نتيجة العملية؟ ماذا عن هوية ذلك الشخص، بل وضعه القانوني والوراثي؟ ماذا لو بات قادراً على الزواج والإنجاب؟ وماذا لو جرى تركيب رأس ذكر على جسد أنثى، أو العكس؟ تتدفق تلك الأسئلة بأثر من الأخبار المتواترة عن آفاق تلك العملية المتوقعة. ولا تقتصر الأسئلة على الجوانب التقنية والعلميّة، بل تشمل مجالات أخلاقية وقانونية وفلسفية عميقة، بل أنها تشمل إعادة تفكير جذرية في مفهوم الإنسان الحي.
والأرجح أن الأوساط العلمية لا تعلّق آمالاً واسعة على نجاح هذه العملية الإشكالية والطموحة، بسبب محدودية التقنيات المتوافرة في الوقت الحالي. لكن في لحظةٍ ما في المستقبل، ربما تغدو تلك العمليات جزءاً من روتين الطب في المجتمعات البشرية.
وحينها، من المؤكد أن تلك المجتمعات البشرية لن تكون مشابهة لمجتمعاتنا الحاليّة، التي ستصبح جزءاً من التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.