«الإحصاء»: معلم لكل 28 تلميذًا في مصر خلال العام الدراسي 2024 2025    اليوم.. مصر تحتفل بذكرى نصر السادس من أكتوبر    اليوم أم يوم الخميس؟ تعرف على الموعد الرسمي لإجازة 6 أكتوبر 2025    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بداية اليوم 6 أكتوبر 2025    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    رئيس وزراء باكستان يتطلع إلى تعزيز العلاقات مع ماليزيا    هل يتجاوز محمد صلاح أحزانه في ليفربول ليحقق حلم الصعود للمونديال مع الفراعنة ؟    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي لمكانه الطبيعي    طقس اليوم .. أجواء خريفية اليوم وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 30 درجة والصغرى 21    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    ذكرى نصر أكتوبر ال52.. الأفلام المصرية توثق بطولات الجيش    اليوم.. الفصل في المنافسة المصرية الكونغولية على رئاسة «اليونسكو»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6اكتوبر 2025في المنيا.. تعرف على مواعيد الأذان    حاكمان ديمقراطيان يتعهدان بمعركة قضائية بعد إرسال ترامب حرس كاليفورنيا الوطني إلى أوريجون    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    بعد 64 عامًا.. «لا تطفئ الشمس» لإحسان عبد القدوس من السينما والدراما إلى خشبة المسرح    كثافات مرورية بمحاور القاهرة الكبرى وانتشار أمني مكثف أعلى الطرق السريعة    وفاة مغربي عبد الرحمن إداري الفريق الأول بنادي المقاولون    اليوم، انقطاع الكهرباء عن عدة مناطق في الدقهلية    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6-10-2025 بعد آخر ارتفاع.. حديد عز بكام؟    نهر النيل لا يعرف الهزيمة    ميرتس يدعم حظر الهواتف المحمولة بالمدارس في ألمانيا    تطور جديد في واقعة عقر كلب عصام الحضري لمهندسة بالعلمين    استبدليه بالبيض والفول والجبن فورا، استشاري يحذر من اللانشون في ساندويتشات المدرسة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 6 أكتوبر    حبس المتهمين بإدارة نادٍ صحي لاستغلاله في ممارسة الأعمال المنافية للآداب بمدينة نصر    «مريض وحالته صعبة».. نضال الأحمدية تعلق على تسليم فضل شاكر نفسه إلى السلطات اللبنانية    «أزمة مع النحاس؟».. وليد صلاح الدين يكشف حقيقة عرض أفشة للبيع (خاص)    قناة عبرية: ناشطة من أسطول الصمود تعض موظفة في أحد السجون الإسرائيلية    مدحت صالح يتألق في حفل قصر عابدين بأجمل أغانيه    عيد ميلاد عزيز الشافعي.. رحلة نجاح بدأت من الحلم ووصلت إلى القمة    ترامب: لم يتبق أي قوارب قبالة فنزويلا بعد الضربات الأمريكية    صحة الإسكندرية: تنفيذ 49 برنامجا تدريبيا خلال سبتمبر لرفع كفاءة الكوادر الطبية والإدارية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    المنتخب يطير إلى المغرب اليوم لتحقيق حُلم المونديال    من غير غسيل.. خطوات تنظيف المراتب من البقع والأتربة    تامر حسني يرد على تكريم نقابة المهن التمثيلية برسالة مؤثرة: "الحلم اتحقق بفضل شباب المسرح المصري"    "كيفية مشاهدة مباراة السعودية والنرويج في كأس العالم للشباب 2025 بث مباشر"    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة يطلقان النسخة الرابعة من محاكاة قمة المناخ COP30    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    وزارة الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    سعر السمك البلطى والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    أسعار الذهب في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 6 أكتوبر 2025    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    أمين الإفتاء: الصبر على الزوجة والتحمل والاجتهاد في الموعظة له أجر وثواب من الله    تعرف على مواقيت الصلاة غد الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم كتابة الاسماء على القبور ؟
نشر في الفجر يوم 02 - 04 - 2015

الأصل في حكم الكتابة أن يكون بحسب ما يكتب؛ فقد يكون حسنًا وقد يكون قبيحًا. ولم يرد في قضية السؤال إلا حديث واحد ينهى عن الكتابة على القبر، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ)). قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي تَطْيِينِ القُبُورِ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ القَبْرُ».
وأخرجه الحاكم من طريق حَفْص بْنُ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يُجَصَّصَ، أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَنَهَى أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ)). قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ خَرَّجَ بِإِسْنَادِهِ غَيْرَ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ صَحِيحَةٌ غَرِيبَةٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ثم أخرجه من طريق أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ، وَالْكِتَابَةِ فِيهَا، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا)). ثم قال الحاكم: هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ما قلتَ طائلًا، ولا نعلم صحابيًّا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم النهى.اه.
وهذ الحديث أخرجه مسلم وليس فيه مسألة الكتابة على القبر، لاختلاف الرواة على هذه العبارة، فبعضهم ذكرها وبعضهم لم يذكرها. ولا يقال: إن الزيادة مقبولة مطلقًا، فإن مذهب المحققين من أهل الحديث النظر في الروايات والمقارنة بينها، فقد يكون السند صحيحًا والمتن شاذًّا، كما هو معلوم.
وقد ذكر الدارقطني في (العلل 13/ 349، ط. دار طيبة- الرياض) اختلاف الرواة على ابن جريج في هذا الحديث، لكنه لم يقض فيه بشيء، ولم يقارن بين المتون.
وعلى كل حال لو سلمنا بصحة الحديث، فهو محمول على الكراهة كما هو مذهب الجمهور، فإن أكثر أسباب الكتابة على القبر هو تعليمه حتى تتم زيارته، وهذا مقصد مشروع، ودليله العام الترغيب في زيارة القبور خاصة الأقارب، وقد زار النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه، وأما الدليل الخاص وهو نص في المسألة فهو ما ورد عَنِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: ((لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي)). أخرجه أبو داود.
ويؤيد هذا الحكم ما ذكره الحاكم من كثرة العمل على الكتابة على القبور، وهو يتحدث عن أمرٍ مشاهد لا يحتاج إلى استنباط فقهي، ولذا لم ينازعه فيه الذهبي، بل حاول أن يتخلص منه بعدم ورود ذلك عن الصحابة، وأن من فعله من التابعين لم يبلغه النهي. وهذا الأخير هو مجرد احتمال، فقد يكون العالم بلغه النهي ولكنه لم يثبت عنده، أو يحمله على عدم الحرمة، بأن يؤوله أو يخصصه أو يرى نسخه، وهكذا كما في نظائره. ثم إن عصر الصحابة كان عصرًا تقل فيه الكتابة جدًّا؛ ولذا وصفهم الله تعالى بالأميين فمن أين نجزم أنهم تركوه من أجل هذا النهي بعينه؟ وهل كل نهي يعد تحريمًا عند كل الصحابة؟!
قال السيوطي: «قال العراقي: يحتمل أن المراد مطلق الكتابة كتابة اسم صاحب القبر عليه أو تاريخ وفاته، أو المراد كتابة شيء من القرآن وأسماء الله تعالى للتبرك لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل». (حاشية السيوطي على النسائي 4/ 87،ط. مكتبة المطبوعات الإسلامية- حلب).
فالأمر على الاحتمال كما ترى، ثم إن مسألة الامتهان للمكتوب تختلف من مقبرة لأخرى، فالمقابر الآن في بلاد كمصر تكون الكتابة في رخام موضوع أعلى مدخل القبر فيما يطلقون عليه «الحوش». واستنباط معنى من النص يخصصه جائز عند بعض أهل العلم.
قال الإسنوي: «الْمَشْهُور من قَول الْأُصُولِيِّينَ وَمن قَول الشَّافِعِي أَيْضًا أَنه يجوز أَن يستنبط من النَّص معنى يخصصه». (التمهيد 375، ط. مؤسسة الرسالة). ثم إننا لو سلمنا بالكراهة فهي تزول بالحاجة الشرعية.
قال ابن عابدين: «( قَوْلُهُ لا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ )؛ لأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ. اه.
وَيَتَقَوَّى بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَمَلَ حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِي))، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: «وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ؛ حَتَّى لا يَذْهَبَ الأَثَرُ وَلا يُمْتَهَنَ فَلا بَأْسَ بِهِ. فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلا. اه.
حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ الشِّعْرِ، أَوْ إطْرَاءِ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ نَازَعَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي هَذَا الإِجْمَاعِ بِأَنَّهُ أَكْثَرِيٌّ، وَإِنْ سَلِمَ فَمَحَلُّ حُجِّيَّتِهِ عِنْدَ صَلاحِ الأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ يَنْفُذُ فِيهَا الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ، أَلا تَرَى أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى قُبُورِهِمْ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَقَدْ عَلِمُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ» اه.
فَالأَحْسَنُ التَّمَسُّكُ بِمَا يُفِيدُ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ». (حاشية ابن عابدين 2/ 237، 238،ط. دار الكتب العلمية).
وقال الحطاب: «يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً بِلَا نَقْشٍ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةً يَكْتُبُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ بَأْسًا يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ. انْتَهَى.
وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مُسْتَحَبًّا... انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ عَلَامَةً؛ لِيُعْرَفَ بِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرًا وَلِيَعْرِفَ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ، فَأَمَّا الْحِجَارَةُ الْكَثِيفَةُ وَالصَّخْرُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ انْتَهَى...
وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيُكْتَبَ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ، يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الْبَلَاطَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ مِنْ إرَادَةِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ؛ وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا فَأَمْرٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ تَسَامَحَ النَّاسُ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا التَّعْلِيمُ لِلْقَبْرِ لِئَلَّا يَدَّثِرَ. انْتَهَى». (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 2/ 247).
قال ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الكبرى 2/ 12، ط. المكتبة الإسلامية): «(وسئل) -رضي الله عنه- عن كراهة الكتابة على القبور، هل تعم أسماء الله والقرآن، واسم الميت وغير ذلك، أو تخص شيئًا من ذلك بينوه بما فيه؟ (فأجاب) بقوله أطلق الأصحاب كراهة الكتابة على القبر؛ لورود النهي عن ذلك. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، واعترضه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المحدث بأن العمل ليس عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف -رضي الله عنهم- وما اعترض به إنما يتجه أن لو فعله أئمة عصر كلهم أو علموه ولم ينكروه وأي إنكار أعظم من تصريح أصحابنا بالكراهة مستدلين بالحديث هذا، وبحث السبكي والأذرعي تقييد ذلك بالقدر الزائد عما يحصل به الإعلام بالميت وعبارة السبكي، وسيأتي قريبًا أن وضع شيء يعرف به القبر مستحب، فإذا كانت الكتابة طريقًا فيه فينبغي أن لا تكره إذا كتب بقدر الحاجة إلى الإعلام.
وعبارة الأذرعي وأمَّا الكتابة فمكروهة سواء كان المكتوب اسم الميت على لوح عند رأسه أو غيره هكذا أطلقوه، والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن؛ سواء في ذلك جميع جوانبه لما فيه من تعريضه للأذى بالدوس والنجاسة والتلويث بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة، وأمَّا غيره من النظم والنثر فيحتمل الكراهة والتحريم للنهي.
وأمَّا كتابة اسم الميت، فقد قالوا: إن وضع ما يعرف به القبور مستحب، فإذا كان ذلك طريقًا في ذلك فيظهر استحبابه بقدر الحاجة إلى الإعلام بلا كراهة ولا سيما قبور الأولياء والصالحين، فإنها لا تعرف إلا بذلك عند تطاول السنين، ثم ذكر ما مَرَّ عن الحاكم، وقال عَقِبَه: فإن أراد كتابة اسم الميت للتعريف فظاهر ويحمل النهي على ما قصد به المباهاة والزينة والصفات الكاذبة، أو كتابة القرآن وغير ذلك». اه.
وما بحثه السبكي من عدم الكراهة في كتابة اسم الميت للتعريف والأذرعي من استحبابها ظاهر إن تعذر تمييزه إلا بها لو كان عالما أو صالحًا، وخشي من طول السنين اندراس قبره والجهل به لو لم يكتب اسمه على قبره، ويحمل النهي على غير ذلك؛ لأنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه، وهو هنا الحاجة إلى التمييز فهو بالقياس على ندب وضع شيء يعرف به القبر، بل هو داخل فيه أو إلى بقاء ذكر هذا العالم أو الصالح؛ ليكثر الترحم عليه أو عود بركته على من زاره، وما ذكره الأذرعي من تحريم كتابة القرآن قريب، وإن كان الدوس والنجاسة غير محققين؛ لأنهما وإن لم يكونا محققين في الحال هما محققان في الاستقبال بمقتضى العادة المطردة من نبش تلك المقبرة واندراس هذا القبر، ويلحق بالقرآن في ذلك كل اسم معظم بخلاف غيره من النظم والنثر، فإنه مكروه لا حرام وإن تردد فيه، وقوله: ويحمل النهي... إلخ، قد علمت أنه تارة يحمل على الكراهة، وتارة يحمل على الحرمة، وهو ما لو كتب القرآن أو اسمًا معظمًا دون غيرهما، وإن قصد المباهاة والزينة.
قال البهوتي: «(و) تُكْرَهُ (الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ». (كشاف القناع 2/ 140، ط. دار الفكر).
وبناءً على ما سبق: فإن النهي الوارد في الكتابة على القبر إن ثبت فهو محمول على الكراهة، لئلا يدخله مثل الفخر والمباهاة، وأما إن كان بقصد تعليم القبر للزيارة ونحوها فالكراهة تزول حينئذٍ، والله تعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.