الإدارية العليا تستقبل 29 طعنا على نتيجة ال19 دائرة الملغاة بالمرحلة الأولى للنواب    700 مشروع في القليوبية.. رئيس الوزراء يتفقد ثمار «حياة كريمة» ميدانيًا    وزير الكهرباء يتفقد قطاع شبكات المدن الجديدة بمدينة العاشر من رمضان    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    الخارجية الأردنية تدين مصادقة إسرائيل على إقامة 19 مستوطنة غير شرعية بالضفة الغربية    وزير الخارجية: نرفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين وندعو لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عددا من القري في رام الله ويحتجز مواطنين    محافظ الوادي الجديد يشهد الاستعدادات النهائية لختام مهرجان الرياضات التراثية والفنون    لماذا يثير محمد صلاح كل هذا الغضب؟    جماهير ليفربول تصفق ل محمد صلاح بعد مشاركته بديلا أمام برايتون (فيديو)    قائمة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    حجز محاكمة 7 متهمين بتهريب العملة للحكم    محافظ الغربية يتفقد الشوارع الفرعية بطنطا لمتابعة رفع مياه الأمطار    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    الإعدام لعامل والسجن المشدد 10 سنوات لمجموعة بتهمة قتل شخص في طوخ    "الزراعة" تضبط 189 طن لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي خلال أسبوع    عالم «تارانتينو» الساحر!    افتتاح معرض «الإسكندر الأكبر: العودة إلى مصر» بمكتبة الإسكندرية    "أزهري يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عدية للقراءة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    حماس تحذر من كارثة إنسانية بعد عواصف غزة    وفاة والدة الدكتور خالد حمدي رئيس جامعة الأهرام الكندية    نرمين الفقي تهنئ محمد هنيدي بزواج ابنته.. صور    كندا وأمريكا تتأهبان لمزيد من الأمطار والفيضانات    بحوزته 35 كيلو شابو وأسلحة.. مصرع تاجر مخدرات في حملة أمنية بقنا    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    الموسيقيين تشطب عاطف إمام بعد تحقيقات رسمية تثبت مخالفات إدارية ومالية    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي الشامل بالعاصمة الجديدة    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    تموين الفيوم يضبط محطتين تموين سيارات يتلاعبان في المعيار الخاص بطلمبة سولار    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    إبراهيم حسن يشيد بإمكانات مركز المنتخبات الوطنية.. ومعسكر مثالي للاعبين    جهاز «شئون البيئة» يترأس وفد مصر فى اجتماع جمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى بكينيا    تعرف على إيرادات فيلم الست منذ طرحه بدور العرض السينمائي    صحة دمياط تضرب بقوة في الريف، قافلة طبية شاملة تخدم 1100 مواطن بكفور الغاب مجانا    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    تكريم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد خلال مؤتمر التفتيش الصيدلي    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    للشباب.. فرص عمل جديدة في عدد من الشركات الخاصة    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم كتابة الاسماء على القبور ؟
نشر في مصراوي يوم 21 - 03 - 2015


تجيب لجنة أمانة الفتوى بدار الافتاء المصرية :
الأصل في حكم الكتابة أن يكون بحسب ما يكتب؛ فقد يكون حسنًا وقد يكون قبيحًا. ولم يرد في قضية السؤال إلا حديث واحد ينهى عن الكتابة على القبر، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ)). قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي تَطْيِينِ القُبُورِ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ القَبْرُ».
وأخرجه الحاكم من طريق حَفْص بْنُ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يُجَصَّصَ، أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَنَهَى أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ)). قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ خَرَّجَ بِإِسْنَادِهِ غَيْرَ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ صَحِيحَةٌ غَرِيبَةٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ثم أخرجه من طريق أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ، وَالْكِتَابَةِ فِيهَا، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا)). ثم قال الحاكم: هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ما قلتَ طائلًا، ولا نعلم صحابيًّا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم النهى.اه.
وهذ الحديث أخرجه مسلم وليس فيه مسألة الكتابة على القبر، لاختلاف الرواة على هذه العبارة، فبعضهم ذكرها وبعضهم لم يذكرها. ولا يقال: إن الزيادة مقبولة مطلقًا، فإن مذهب المحققين من أهل الحديث النظر في الروايات والمقارنة بينها، فقد يكون السند صحيحًا والمتن شاذًّا، كما هو معلوم.
وقد ذكر الدارقطني في (العلل 13/ 349، ط. دار طيبة- الرياض) اختلاف الرواة على ابن جريج في هذا الحديث، لكنه لم يقض فيه بشيء، ولم يقارن بين المتون.
وعلى كل حال لو سلمنا بصحة الحديث، فهو محمول على الكراهة كما هو مذهب الجمهور، فإن أكثر أسباب الكتابة على القبر هو تعليمه حتى تتم زيارته، وهذا مقصد مشروع، ودليله العام الترغيب في زيارة القبور خاصة الأقارب، وقد زار النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه، وأما الدليل الخاص وهو نص في المسألة فهو ما ورد عَنِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: ((لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي)). أخرجه أبو داود.
ويؤيد هذا الحكم ما ذكره الحاكم من كثرة العمل على الكتابة على القبور، وهو يتحدث عن أمرٍ مشاهد لا يحتاج إلى استنباط فقهي، ولذا لم ينازعه فيه الذهبي، بل حاول أن يتخلص منه بعدم ورود ذلك عن الصحابة، وأن من فعله من التابعين لم يبلغه النهي. وهذا الأخير هو مجرد احتمال، فقد يكون العالم بلغه النهي ولكنه لم يثبت عنده، أو يحمله على عدم الحرمة، بأن يؤوله أو يخصصه أو يرى نسخه، وهكذا كما في نظائره. ثم إن عصر الصحابة كان عصرًا تقل فيه الكتابة جدًّا؛ ولذا وصفهم الله تعالى بالأميين فمن أين نجزم أنهم تركوه من أجل هذا النهي بعينه؟ وهل كل نهي يعد تحريمًا عند كل الصحابة؟!
قال السيوطي: «قال العراقي: يحتمل أن المراد مطلق الكتابة كتابة اسم صاحب القبر عليه أو تاريخ وفاته، أو المراد كتابة شيء من القرآن وأسماء الله تعالى للتبرك لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل». (حاشية السيوطي على النسائي 4/ 87،ط. مكتبة المطبوعات الإسلامية- حلب).
فالأمر على الاحتمال كما ترى، ثم إن مسألة الامتهان للمكتوب تختلف من مقبرة لأخرى، فالمقابر الآن في بلاد كمصر تكون الكتابة في رخام موضوع أعلى مدخل القبر فيما يطلقون عليه «الحوش». واستنباط معنى من النص يخصصه جائز عند بعض أهل العلم.
قال الإسنوي: «الْمَشْهُور من قَول الْأُصُولِيِّينَ وَمن قَول الشَّافِعِي أَيْضًا أَنه يجوز أَن يستنبط من النَّص معنى يخصصه». (التمهيد 375، ط. مؤسسة الرسالة). ثم إننا لو سلمنا بالكراهة فهي تزول بالحاجة الشرعية.
قال ابن عابدين: «( قَوْلُهُ لا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ )؛ لأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ. اه.
وَيَتَقَوَّى بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَمَلَ حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِي))، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: «وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ؛ حَتَّى لا يَذْهَبَ الأَثَرُ وَلا يُمْتَهَنَ فَلا بَأْسَ بِهِ. فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلا. اه.
حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ الشِّعْرِ، أَوْ إطْرَاءِ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ نَازَعَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي هَذَا الإِجْمَاعِ بِأَنَّهُ أَكْثَرِيٌّ، وَإِنْ سَلِمَ فَمَحَلُّ حُجِّيَّتِهِ عِنْدَ صَلاحِ الأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ يَنْفُذُ فِيهَا الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ، أَلا تَرَى أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى قُبُورِهِمْ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَقَدْ عَلِمُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ» اه.
فَالأَحْسَنُ التَّمَسُّكُ بِمَا يُفِيدُ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ». (حاشية ابن عابدين 2/ 237، 238،ط. دار الكتب العلمية).
وقال الحطاب: «يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً بِلَا نَقْشٍ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةً يَكْتُبُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ بَأْسًا يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ. انْتَهَى.
وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مُسْتَحَبًّا... انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ عَلَامَةً؛ لِيُعْرَفَ بِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرًا وَلِيَعْرِفَ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ، فَأَمَّا الْحِجَارَةُ الْكَثِيفَةُ وَالصَّخْرُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ انْتَهَى...
وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيُكْتَبَ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ، يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الْبَلَاطَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ مِنْ إرَادَةِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ؛ وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا فَأَمْرٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ تَسَامَحَ النَّاسُ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا التَّعْلِيمُ لِلْقَبْرِ لِئَلَّا يَدَّثِرَ. انْتَهَى». (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 2/ 247).
قال ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الكبرى 2/ 12، ط. المكتبة الإسلامية): «(وسئل) -رضي الله عنه- عن كراهة الكتابة على القبور، هل تعم أسماء الله والقرآن، واسم الميت وغير ذلك، أو تخص شيئًا من ذلك بينوه بما فيه؟ (فأجاب) بقوله أطلق الأصحاب كراهة الكتابة على القبر؛ لورود النهي عن ذلك. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، واعترضه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المحدث بأن العمل ليس عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف -رضي الله عنهم- وما اعترض به إنما يتجه أن لو فعله أئمة عصر كلهم أو علموه ولم ينكروه وأي إنكار أعظم من تصريح أصحابنا بالكراهة مستدلين بالحديث هذا، وبحث السبكي والأذرعي تقييد ذلك بالقدر الزائد عما يحصل به الإعلام بالميت وعبارة السبكي، وسيأتي قريبًا أن وضع شيء يعرف به القبر مستحب، فإذا كانت الكتابة طريقًا فيه فينبغي أن لا تكره إذا كتب بقدر الحاجة إلى الإعلام. وعبارة الأذرعي وأمَّا الكتابة فمكروهة سواء كان المكتوب اسم الميت على لوح عند رأسه أو غيره هكذا أطلقوه، والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن؛ سواء في ذلك جميع جوانبه لما فيه من تعريضه للأذى بالدوس والنجاسة والتلويث بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة، وأمَّا غيره من النظم والنثر فيحتمل الكراهة والتحريم للنهي.
وأمَّا كتابة اسم الميت، فقد قالوا: إن وضع ما يعرف به القبور مستحب، فإذا كان ذلك طريقًا في ذلك فيظهر استحبابه بقدر الحاجة إلى الإعلام بلا كراهة ولا سيما قبور الأولياء والصالحين، فإنها لا تعرف إلا بذلك عند تطاول السنين، ثم ذكر ما مَرَّ عن الحاكم، وقال عَقِبَه: فإن أراد كتابة اسم الميت للتعريف فظاهر ويحمل النهي على ما قصد به المباهاة والزينة والصفات الكاذبة، أو كتابة القرآن وغير ذلك». اه.
وما بحثه السبكي من عدم الكراهة في كتابة اسم الميت للتعريف والأذرعي من استحبابها ظاهر إن تعذر تمييزه إلا بها لو كان عالما أو صالحًا، وخشي من طول السنين اندراس قبره والجهل به لو لم يكتب اسمه على قبره، ويحمل النهي على غير ذلك؛ لأنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه، وهو هنا الحاجة إلى التمييز فهو بالقياس على ندب وضع شيء يعرف به القبر، بل هو داخل فيه أو إلى بقاء ذكر هذا العالم أو الصالح؛ ليكثر الترحم عليه أو عود بركته على من زاره، وما ذكره الأذرعي من تحريم كتابة القرآن قريب، وإن كان الدوس والنجاسة غير محققين؛ لأنهما وإن لم يكونا محققين في الحال هما محققان في الاستقبال بمقتضى العادة المطردة من نبش تلك المقبرة واندراس هذا القبر، ويلحق بالقرآن في ذلك كل اسم معظم بخلاف غيره من النظم والنثر، فإنه مكروه لا حرام وإن تردد فيه، وقوله: ويحمل النهي... إلخ، قد علمت أنه تارة يحمل على الكراهة، وتارة يحمل على الحرمة، وهو ما لو كتب القرآن أو اسمًا معظمًا دون غيرهما، وإن قصد المباهاة والزينة.
قال البهوتي: «(و) تُكْرَهُ (الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ». (كشاف القناع 2/ 140، ط. دار الفكر).وبناءً على ما سبق: فإن النهي الوارد في الكتابة على القبر إن ثبت فهو محمول على الكراهة، لئلا يدخله مثل الفخر والمباهاة، وأما إن كان بقصد تعليم القبر للزيارة ونحوها فالكراهة تزول حينئذٍ، والله تعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.