أنت محتار بين نارين. مطلوب منك أن تعطى صوتك لواحد من اثنين، ترفض كليهما...وتلعن اليوم الذى ستضطر فيه إلى القبول بالعيش تحت حكم أيهما... الفاشى العسكرى، والفاشية الدينية. ولكنك لست مضطرا لقبول هذا الاختيار، لأن ورقة التصويت كبيرة بما يكفى لكتابة اختيارات أخرى! سيقولون لك مقاطعتك للانتخابات ستعطى الفرصة لفوز الأسوأ...وهذا الأسوأ سيكون مرسى مرة، وفى أخرى سيكون شفيق، ولكن مهلا...من تحدث عن المقاطعة؟ المقاطعة هى أضعف الإيمان...وأنا لن أقاطع. سوف أذهب إلى اللجنة فى أبهى ملابسى، حاملا قلما أسود كبيرا، وسوف أشطب على الاثنين، ثم أكتب ما سينعم به الله على فى تلك اللحظة، من مديح للعسكر والإخوان وفلول مبارك! أسمع أحدكم وهو يردد حانقا: هذه مراهقة، لن تؤدى لأى نتيجة. يجب أن تقبل بالأمر الواقع ودعك من الأفعال التى تقدم ولا تؤخر. ولكن سأجيبك: اختيارك بين شفيق ومرسى هو الذى لا يقدم ولا يؤخر. السيناريو واحد فى الحالتين. وأمام كل شخص كاره للاثنين سيختار شفيق هناك كاره للاثنين سيختار مرسى، وبدلا من تضييع الصوتين علينا أن نتحد ونتفق على إبطال الصوتين. إذا نجحنا فى إبطال خمسة ملايين صوت، والطموح عشرة ملايين، فسوف نحقق انتصارا هائلا يضرب هذه المؤامرة الكبرى المسماة بالانتخابات فى مقتل! هذه الفكرة لها عدة أسباب: واحد هو منع تفتيت الأصوات بين المؤمنين بالثورة وهم أغلبية الشعب المصرى كما تبين نتائج الانتخابات التمهيدية. ثانيا أن التصويت لأى من شفيق أومرسى سيعطى مزيدا من الشرعية للاثنين معا...لأن كلاً منهما سيحصى الأصوات التى سيحصل عليها ويعتقد واهما أن هذا هو رأى الشعب المصرى، بينما الشعب المصرى فى أغلبه لا يطيق هذا ولا ذاك.والاثنان بعد استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة فى الانتخابات السابقة لم يحققا أكثر من 11 مليونًا من 51 مليونًا لهم حق التصويت. أى اختيار لواحد منهما – إذن - هو اختيار للاثنين معا، واعتراف بأن السلطة تنحصر بينهما كما كان فى عهد مبارك وكما يحاول الاثنان أن يدعيا ويخدعا الناس بهذا الكلام. وفى الحقيقة فإن الاثنين وجهان لنفس العملة المزيفة، والقضاء على أحدهما يعنى بالضرورة القضاء على الآخر، أما الانتصار لأحدهما فيعنى بالضرورة الانتصار للاثنين معا. الاثنان مثل السمك والماء لا يمكنهما العيش بدون الآخر والمرعب فى حالة فوز أى منهما أنه غالبا سيتحالف مع الآخر ضد الثورة ومطالبها. ومن قرأ قصص نجيب محفوظ عن الفتوات سيفهم ذلك جيدا. الفتوات يعيشون على سرقة الشعب وخداعه، ويتصارعون ضد بعضهم البعض على مناطق النفوذ، ويحدث بعد أى معركة طاحنة بينهما أن يتم طرد الفتوة الخاسر خارج المنطقة وانضمام رجال الاثنين معا تحت لواء الفتوة الفائز، وبعدها يتفرغان لمص دماء الغلابة لتعويض خسائر المعركة وفوقها المغانم. رابع أسباب إبطال الصوت هو أنه فى حالة نجاح الفكرة فإن أى فائز منهما سيكون خاسرا. لو افترضنا مثلا أن الفائز حصل على 10 ملايين صوت والثانى حصل على 9 ملايين، و5 ملايين أبطلوا أصواتهم سيكون معنى ذلك أن 14 مليونًا أعلنوا عن رفضهم للفائز فى مقابل ال10 الذين انتخبوه. ولكن هل لذلك أثر قانوني؟ غالبا لا...ولكنه أمر يؤثر سلبا على شرعية الشخص الذى سيصل منهم للحكم وسيجعله – هو وعصابته- يفهمون أن الأغلبية ضده وأنها كما نزلت لإبطال الأصوات والتصويت لمنافسه مستعدة أن تنزل مرة أخرى للإطاحة به فى أى لحظة إذا لم يحترم هذه الأغلبية.