تنسيق الجامعات 2025.. الكليات المتاحة لطلاب الأدبي في المرحلة الأولى    توقف جزئي ب «جزيرة الدهب».. مصدر يكشف سبب انقطاع المياه في محافظة الجيزة    شريان الحياة من مصر | شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح تمهيدًا لدخولها إلى غزة    تحالف بقيادة قوات الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان    القنوات الناقلة ل مباراة برشلونة وفيسيل كوبي الودية.. وموعدها    رغم سفره مع بيراميدز في معسكر الإعداد للموسم الجديد.. سيراميكا كليوباترا يعلن ضم فخري لاكاي    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    درجة الحرارة 47.. إنذار جوي بشأن الطقس والموجة الحارة: «حافظوا على سلامتكم»    احمِ نفسك من موجة الحر.. 8 نصائح لا غنى عنها لطقس اليوم    الخامسة في الثانوية الأزهرية: «عرفت النتيجة وأنا بصلي.. وحلمي كلية لغات وترجمة»    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    الدفاع الروسية: إسقاط 12 مسيّرة أوكرانية خلال ساعات الليل    دقيق وسكر ومعلبات.. جيش الاحتلال يبدأ إسقاط مساعدات إنسانية على غزة (فيديو)    الجنرال الصعيدي.. معلومات عن اللواء "أبو عمرة" مساعد وزير الداخلية للأمن العام    لطيفة تعليقًا على وفاة زياد الرحباني: «رحل الإبداع الرباني»    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    أمين الفتوى: الأفضل للمرأة تغطية القدم أثناء الصلاة    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    إصابة 11 شخصًا بحادث طعن في ولاية ميشيغان الأميركية    عيار 21 بعد الانخفاض الكبير.. كم تسجل أسعار الذهب اليوم الأحد محليًا وعالميًا؟    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 27 يوليو 2025    محافظ الدقهلية يتدخل لحل أزمة المياه بعرب شراويد: لن أسمح بأي تقصير    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    عكاظ: الرياض لم يتلق مخاطبات من الزمالك بشأن أوكو.. والمفاوضات تسير بشكل قانوني    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    وسام أبو علي يودع جماهير الأهلي برسالة مؤثرة: فخور أنني ارتديت قميص الأهلي    عطل مفاجئ في محطة جزيرة الذهب يتسبب بانقطاع الكهرباء عن مناطق بالجيزة    5 أسهم تتصدر قائمة السوق الرئيسية المتداولة من حيث قيم التداول    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    سم قاتل في بيت المزارع.. كيف تحافظ على سلامة أسرتك عند تخزين المبيدات والأسمدة؟    خلال ساعات.. التعليم تبدأ في تلقي تظلمات الثانوية العامة 2025    مصرع شخصين وإصابة 2 آخرين في حادث تصادم دراجة بخارية وتوك توك بقنا    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    قبل كتابة الرغبات.. كل ما تريد معرفته عن تخصصات هندسة القاهرة بنظام الساعات المعتمدة    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    تامر أمين يعلّق على عتاب تامر حسني ل الهضبة: «كلمة من عمرو ممكن تنهي القصة»    نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم لمعهد ناصر ووزارتا الثقافة والصحة تتابعان حالته الصحية    مستشفى بركة السبع تجري جراحة طارئة لشاب أسفل القفص الصدري    بدء المؤتمر الجماهيري لحزب "الجبهة الوطنية" في المنوفية استعدادًا لانتخابات الشيوخ 2025    ماكرون يشكر الرئيس السيسى على جهود مصر لحل الأزمة فى غزة والضفة الغربية    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابات جراء قصف الاحتلال شقة سكنية في غزة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    "الخارجية الفلسطينية": العجز الدولي عن معالجة المجاعة فى قطاع غزة غير مبرر    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    القاهرة وداكار على خط التنمية.. تعاون مصري سنغالي في الزراعة والاستثمار    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل داخل ترعة بقنا    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بمنزل في البلينا بسوهاج    جامعة الجلالة تُطلق برنامج "التكنولوجيا المالية" بكلية العلوم الإدارية    5 أبراج «يتسمون بالجشع»: مثابرون لا يرضون بالقليل ويحبون الشعور بمتعة الانتصار    البنك الأهلي يعلن رحيل نجمه إلى الزمالك.. وحقيقة انتقال أسامة فيصل ل الأهلي    سيدة تسبح في مياه الصرف الصحي دون أن تدري: وثقت تجربتها «وسط الرغوة» حتى فاجأتها التعليقات (فيديو)    عاجل- 45 حالة شلل رخو حاد في غزة خلال شهرين فقط    حلمي النمنم: جماعة الإخوان استخدمت القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها    تقديم 80.5 ألف خدمة طبية وعلاجية خلال حملة "100 يوم صحة" بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك قبل الحكم: باعونى للإخوان!
عادل حمودة يكتب:
نشر في الفجر يوم 11 - 06 - 2012

■ لو كانت تحقيقات النيابة غير مرضية فلماذا لم تقدم المحكمة تحقيقات أخرى أعمق وأقوى خاصة أن ظروف تقديم الأدلة أصبحت أفضل؟
■ مرافقوه خلعوا السماعة من أذنيه فلم يعرف بالسجن المؤبد إلا فى طرة
■ خدعوه بإقناعه بأن من حقه العلاج فى مستشفى خاص على نفقته فدخل السجن بعد أن رفض النزول من الطائرة! ■ قال لحلاقه الخاص: «يمكن ما أشوفكش تانى يا محمود» فتضاعفت كمية صبغة الشعر!
■ بموافقة السجن.. علاء وجمال يتناوبان على رعايته يوما بعد يوم والطعام يأتى من بيت محمود الجمال فى أوعية خاصة ويرفضون طعام الفنادق خوفًا على حياتهم! ■ طلب مبارك إيقاف التكييف فرفض الأطباء حفاظًا على الأجهزة الطبية وقبلها سأل المسئول عن القسم عن حقوقه فى استخدام التليفون المحمول!
■ الحكم متوازن: ضحى بالأب وبرأ ولديه وأثبت أن مصر دولة متحضرة لم تعدم رئيسها مثل صدام أو تحاول قتله مثل عبدالله صالح أو تفتك به مثل القذافى!
■ الحكم استند إلى نظرية الامتناع السلبى عن حماية المتظاهرين فأدان مبارك والعادلى لكنه بنفس النظرية برأ مساعدى وزير الداخلية الأسبق!
■ الحكم أفرط فى ذكر أسباب البراءة ففتح الباب أمام النيابة بالطعن عليه قبل أن تحصل على صورة رسمية منه!
■ خبراء السياسة فى إسرائيل يتوقعون موجة ثانية للثورة وزيادة العنف إلى حد الوصول إلى حرب أهلية!
لم يتردد المستشار أحمد رفعت وهو ينهى حياته القضائية فى استغلال اللحظة التاريخية النادرة التى وجد نفسه فيها.. فبدأ الجلسة الأخيرة بهجوم سياسى شرس على النظام السابق الذى يحاكم رئيسه وولديه ورجاله.. واصفا ما عاشته البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت سطوته بأنه كابوس أكثر سوادا من ليل الشتاء.. وإن انقشع بصباح ثورة.. فاحت منها رائحة الحق.. فى 25 يناير 2011.
ويصعب لومه على أنه سبق حكمه المنتظر بهذه المقدمة الإنشائية الطويلة.. غير المعتادة.. وغير الخالية من أخطاء نحوية عابرة.. فهو يرأس الدائرة الجنائية التى قدر لها أن تحاكم وتحاسب أول حاكم مصرى يجبر على المكوث فى القفص.. فيما وصف بمحاكمة القرن.
ولم يترك لنا القاضى الجليل الفرصة كى نشيد بالجهد المضنى الذى بذلته دائرته فى القضية.. وخشى أن ننساه فى خضم رد الفعل الغاضب المتوقع لحكمه.. فحرص على أن يذكرنا به.. « 49 جلسة.. استغرقت 250 ساعة.. بجانب 60 ألف ورقة.. ومداولات امتدت إلى 100 يوم».. لم ينم فيها أحد منهم.. لكن.. ذلك كله لم يمنع محامى أسر الشهداء (المدعين بالحق المدنى) من رفض الحكم.. والهتاف ضده.. « الشعب يريد تطهير القضاء» .. وهو موقف لا يليق.. يستحيل قبوله.
1 _الحكم أفرط فى تبرير البراءة ففتح ثغرة للنيابة بالطعن عليه قبل قراءته
فى عرف القانون لا تعد المقدمة الطويلة للمحكمة جزءا من حيثيات الحكم الذى لا يزال مكتوبا بخط اليد.. ويحتاج إلى نسخه وتوقيعه.. كى يتيح الطعن عليه أمام محكمة النقض- المحكمة الأعلى المختصة- كى يكون حكما نهائيا باتا.
ولا يشترط العرف القضائى فى محاكم الجنايات أن يدلل الحكم على البراءة.. يكفى أن يبدى عدم اطمئنانه للإدانة ليكون صحيحا.. أما لو ذكرت أسباب البراءة فإنها تفتح الباب أمام النيابة لمراقبة هذه الأسباب وتحديد مدى سلامتها.. وهو ما يبرر السرعة التى طعن بها النائب العام على الحكم قبل أن تصل نسخة رسمية منه.
وفى الوقت نفسه ألزم القانون القاضى بذكر أسباب الإدانة.. بل إن القانون وضع أسبابا قاسية لها.. قيده بذكرها.. والغوص فيها.
والملاحظ أن الحكم أفرط فى ذكر أسباب البراءة ولم يتوقف كثيرا عند أسباب الإدانة، حسب ما أعلنته المحكمة بنفسها فى جلسة النطق بالحكم.. ولاشك أن الفيصل هنا هو قراءة النسخة الكاملة من الحكم.
2 _كل كبار الدولة نفوا تهمة استخدام الأسلحة النارية ضد المتظاهرين
شكك الحكم فى شهود الإثبات الذين اتهم بعضهم بالشهادة الزور.. فاستبعدهم.. وتحدث عن خلو الدعوى من الأدلة الدامغة.. مثل التسجيلات.. وشهادات وفاة الشهداء.. والأسلحة وفوارغ الطلقات التى وضعت فى أحراز القضية.. بجانب شهادات كبار المسئولين فى الدولة التى وضعت فى خانة شهادات النفى.
قال المشير حسين طنطاوى: إنه ليس لديه معلومات تؤكد أن مبارك وجه العادلى لاستخدام الخرطوش والأسلحة النارية ضد المتظاهرين.. كما أنه اعتقد أن مبارك تدخل وأعطى أوامره بوقف نزيف المصابين والمتوفين وطلب تحقيقا عن عمليات القتل التى حدثت فى ميدان التحرير.. وطلب تقريرا يكشف المسئول عنها.
واللواء عمر سليمان أضاف: إن معلوماته أن رئيس الجمهورية ووزير الداخلية لم يصدرا أمرا بإطلاق النار.. وأضاف: إن بعض القتلى كانوا من العناصر الإجرامية.. كما أن جهاز المخابرات العامة رصد اتصالات بين الإخوان وحماس.. وقبض على مجموعة من الأجانب يطلقون النار.. وكانت هناك لجنة لتقصى الحقائق بعد موقعة الجمل التى وقعت قبل التنحى.
واللواء محمود وجدى قدم خطابا من وزارة الخارجية وجهته إليه وهو وزير للداخلية يفيد بهروب قيادات تنتمى لحماس من السجون المحبوسة فيها إلى غزة.. وأخذت معها سيارات شرطة.. وخطفت ضباطا من شمال سيناء لم يظهروا حتى الآن.
واللواء منصور عيسوى لم يستطع أن يؤكد أو ينفى استخدام قوات الأمن المركزى الأسلحة ضد المتظاهرين لأنه لم يكن فى الخدمة وقت الأحداث.. كما أنه أنكر معرفته بأن مبارك أصدر أوامره لوزير الداخلية باستخدام الرصاص ضد المتظاهرين.
لا شاهد إثبات واحداً اطمأنت المحكمة إليه.. ورجال السلطة الكبار أنكروا التهمة.. فانتهت المحاكمة دون أن تبرد دماء الشهداء.. أو تهدئ قلوب عائلاتهم المشتعلة بالنار.. وأصبح من حق المتهمين أن يحاكموا الشعب المصرى بتهمة البلاغ الكاذب.
3 _إدانة مبارك والعادلى بقاعدة الامتناع السلبى عن حماية حياة المتظاهرين
وأغلب الظن أن إدانة حسنى مبارك وحبيب العادلى بالسجن المؤبد فى قضية قتل المتظاهرين استندت إلى مبدأ قانونى يسمى «الامتناع».. والامتناع هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابى معين كان المشرع ينتظره منه فى ظروف معينة.
فحارس الشاطئ لو امتنع عن إنقاذ حياة غريق فإنه يحاسب قانونا.. والأم التى تترك رضيعها يموت من الجوع تحاكم جنائيا.. وهو ما يعنى أن الامتناع وهو من الناحية المادية ظاهرة سلبية إلا أنه من الوجهة القانونية ظاهرة إيجابية.. وهنا يجب توافر ثلاثة شروط ضرورية: الإحجام عن إتيان فعل إيجابى معين.. ووجود واجب قانونى يلزم بهذا الفعل.. واستطاعته القيام به.
فحارس الشاطئ مكلف قانونا بإنقاذ حياة رواد الشاطئ.. وهو قادر على ذلك بحكم خبرته ومهارته فى السباحة.. فلو أهمل فى إنقاذ غريق عوقب بجريمة القتل العمد.. لكن.. لو كان هناك ما منعه من تنفيذ مسئوليته كأن أصيب فى هذه اللحظة بأزمة قلبية فإنه يعفى من العقوبة لعدم توافر القصد الجنائى.
اعتبر الحكم مبارك والعادلى مكلفين قانونا بحماية حياة المتظاهرين الذين قتلوا، وأنهما قادران على هذه الحماية بحكم سلطاتهما التنفيذية.. وأنهما تخليا عن ذلك.. بقصد جنائى واضح.. فكانا مسئولين عن قتلهم.. ومن ثم استحقا السجن المؤبد.. وهى عقوبة جنائية قصوى.. لم تعرف الرحمة مع المتهمين.
لكن.. السؤال الذى لم نجد إجابة عنه هو: لماذا لم تطبق نفس القاعدة القانونية على مساعدى وزير الداخلية الأسبق الذين برأتهم المحكمة.. وكان فى مقدورهم حماية المتظاهرين.. وهم أصحاب القرار الميدانى فى التعامل مع المتظاهرين.. ويملكون القدرة على ذلك.. وامتناعهم السلبى عن حماية المتظاهرين يؤدى بهم للمحاسبة بجريمة القتل العمد؟
فإما أن ما أدين به مبارك والعادلى يدين قائد الأمن المركزى أحمد رمزى ومدير أمن القاهرة إسماعيل الشاعر ومدير الأمن العام عدلى فايد وأسامة المراسى مدير أمن الجيزة وحسن عبد الرحمن مدير أمن الدولة وعمر الفرماوى مدير أمن 6 أكتوبر وإما أن براءتهم جميعا تؤدى إلى براءة الرئيس السابق ووزير داخليته.. فالمنطق واحد.. والتكيف القانونى لا يختلف فى الحالتين.. وربما كانت هذه الثغرة مبررا لنقض الحكم.. فيحكم ببراءة مبارك والعادلى أو يحكم بإدانة الستة الآخرين.
4 _لماذا لم تحقق المحكمة وقائع الدعوى إذا كان تحقيق النيابة قاصرا؟
ولو كانت تحقيقات النيابة الأولية بدت قاصرة حسب ما ذكر الحكم فإنه كان على المحكمة حسب السلطات المخولة لها أن تجرى تحقيقا أدق وأعمق وألا تباشر الدعوى بما أحيلت به بكل ما فيها من قصور وعوار وضعف فى الأدلة.. كان على المحكمة أن تستغل المائة يوم التى قضتها فى التداول فى إجراء هذه التحقيقات بما يغير من مسار القضية، وخاصة أن النيابة تولت القضية فى وقت غابت فيه الشرطة المسئولة عن تقديم كل ما لديها لجهات التحقيق.. كما أن الشرطة نفسها كانت متهمة.. فكيف تقدم دليلا يدينها.. يضاف إلى ذلك ضغوط ميادين الثورة للإسراع بإحالة المتهمين إلى المحكمة.. لقد كان الجميع يدفع دون أن يقصد بالقضية إلى حافة البراءة.
ومن جانبها طالبت النيابة بوسائل نشر مختلفة كل من لديه دليل يفيد فى القضية أن يتقدم به.. لكن.. لا أحد استجاب لها.
ولا جدال أن تعافى الشرطة قليلا خلال نظر القضية كان سيتيح للمحكمة فرصا أكبر فى الوصول إلى أدلة إدانة لو كانت قد منحت نفسها وقتا أطول فى تحقيق الوقائع.. ولا تكتفى بما وصل إليها من أوراق ومستندات بدت غير كافية.. ولو كانت تزن عدة أطنان.
وربما انتهى تحقيق المحكمة إلى النتيجة نفسها.. لكن.. كان عليها المحاولة.. فهذه القضية الفريدة من نوعها لها جوانب سياسية ضاغطة ومؤثرة كان من الصعب تجاهلها حتى لو لم تتدخل مباشرة فى الدعوى.. فالضحايا شهداء.. والمتهمون حكام.. والمراقبون شعب بأكمله قام بثورة.. ورد فعل الحكم متوقعا.. العودة إلى الميادين مرة أخرى.
لقد مشى الحكم على حبل رفيع يمتد بين جبلين.. بينهما هاوية.. فقانون العقوبات فى مصر اهتم بجريمة القتل الجنائى.. أسبابها.. دوافعها.. وأدواتها.. ولم يهتم كثيرا بجريمة القتل الجماعى فى الحوادث السياسية والثورات الشعبية.. حيث يختلط الغاضب بالعميل.. والمواطن بالمخبر.. والقاتل بالقتيل.
وأخطر ما حدث أننا حاكمنا النظام السابق على جرائمه السياسية بمواد من قانون العقوبات الجنائية.. أحلناه باتهامات بدت صارخة ونحن نعلم مسبقا أنه سيخرج منها كالشعرة من العجين.
ولعلها فرصة لنعيد النظر فى قانون الإجراءات الصادر عام 1954 بحيث نتيح الاستئناف فى الجنايات كما هو الحال فى الجنح.. فى هذه الحالة سنوفر على العدالة الكثير من الوقت.. فبعد الاستئناف تذهب القضية للنقض للفصل فيها من أول مرة.. فتكون الدعوى قد حسمت بعد ثلاث مرات.. جنايات واستئناف ونقض ولا تعيدها النقض مرتين إلى محكمة الجنايات قبل الفصل النهائى فيها كما يحدث الآن.. وهو ما يعنى أن الدعوى تنظر على أربع مرات.. مرتين أمام الجنايات ومرتين أمام النقض.. وتذكروا قضية هشام طلعت مصطفى.
5 _علاء وجمال دفعا 170 ألف دولار و180 ألف استرلينى فى قضية البنك
وبرأت المحكمة علاء وجمال مبارك من تهمة التربح فى فيللات شرم الشيخ بانقضاء الدعوى الجنائية لمرور عشر سنوات على وقوع الجريمة.. وهو ما يعنى أن المحكمة استبعدت التهمة دون الغوص فيها لأسباب شكلية فرضها القانون.. وهو نفس ما حكمت به على حسين سالم.
لكن.. لماذا برأت المحكمة مبارك وهو موظف عام لا تنقضى الدعوى الجنائية بالنسبة له إلا بعد عشر سنوات من ترك وظيفته؟
السبب أن هذه الحالة لا تنطبق إلا على جرائم المال العام فقط.. أما قضية الفيللات فقدمت للمحكمة بتهمة استغلال النفوذ.. وهى تهمة ينطبق عليها التقادم ولو ارتكبها موظف عام.
على أن النيابة سبقت الحكم ببراءة علاء وجمال مبارك من تهمة فيللات شرم الشيخ بإحالتهما فى قضية أخرى ليظلا محبوسين على ذمتها.. قضية بيع أسهم البنك الوطنى.. وقد انضم إليهما فى قائمة الاتهام ياسر الملوانى وحسن هيكل وحسين الشربينى وعمرو القاضى وأحمد فتحى وايمن أحمد فتحى.
كانت «الفجر» فى عدد 30 مايو الماضى قد انفردت بنشر أول تقرير عن التحقيقات التى تجريها النيابة فى القضية وتوقعت إحالتها للمحكمة المختصة.
تبدأ وقائع القضية فى عام 1979 حين أسس الدكتور عبدالمنعم الطماوى البنك الوطنى المصرى برأسمال سبعة ملايين دولار (حوالى 14 مليون جنيه وقتها).. وساهم فيه مجموعة من المستثمرين منهم أحمد فتحى حسين وعبد المنعم سعودى وغيرهما من رجال الأعمال الذين أرادوا أن يكونوا شركاء فى بنك.
تعرض البنك لمتاعب شديدة تضاعفت عندما طالبه البنك المركزى بزيادة رأسماله إلى 500 مليون جنيه حسب القانون الجديد الذى أصدره فانخفض سعر السهم تحت قيمته الأسمية وإن زاد رأسماله فى عام 2004 إلى الخمسمائة مليون المطلوبة.. وفى عام 2005 وصل إلى 750 مليون جنيه.
وحسب تعليمات البنك المركزى فى عام 2004 فإن نسبة المساهمين فى البنك من غير المؤسسات المالية يجب أن تقل عن عشرة فى المائة. فبدأت شركة هيرميس فى إعادة هيكلة البنك.. وأصبح ياسر الملوانى المسئول التنفيذى فى هيرميس عضوا فى مجلس إدارة البنك ممثلا عن الشركة.. وفى الوقت نفسه عرض البنك للبيع.. وتنافست أربعة بنوك على شراء أكثر من 98% من أسهم البنك.. ووصلت المنافسة للذروة بين بنك الكويت الوطنى والبنك التجارى الكويتى.. وفى أغسطس عام 2007 نجح بنك الكويت الوطنى (وهو بنك تمتلكه عائلات الخرافى والبحر والصقر) بالاستحواذ على 51% من أسهم البنك الوطنى.. ثم بدأ فى استكمال حصته الحاكمة بشراء 43% فى أكتوبر من نفس العام.
كان 75% من أسهم البنك المباع معروضة فى السوق و5% منها مملوكة لبنوك ومؤسسات مالية و4% للإدارة و10% لصناديق حورس للاستثمارات التى يديرها جمال مبارك.
كان سعر السهم فى 2004 يساوى 4 جنيهات و20 قرشا وارتفع إلى ستة جنيهات ونصف الجنيه بعد سنة ثم قفز فى السنة التالية إلى 12 جنيها وفى عام 2007 وهى (سنة البيع) وصل إلى 22 جنيها.. لكن قبل أيام قليلة من البيع ولشدة المنافسة بين بنك الكويت الوطنى والبنك التجارى الكويتى أصيب السهم بجنون ووصل سعره إلى 75 جنيها.. وما أن تمت الصفقة بيوم واحد حتى زاد سعر السهم بنحو 51% وهو ما يعنى أن قيمة البنك ارتفعت من 4 إلى 6 مليارات جنيه.. بفارق مليارى جنيه.. وهو ما تسبب فى إحالة القضية لنيابة الأموال العامة واتهام أعضاء من مجلس إدارة البنك ومسئولين فى هيرميس.
الاتهامات الموجهة لمن شملتهم التحقيقات: إن مجلس الإدارة سرب معلومات من الداخل (إنسيدر انفرميشن) أدت إلى تربح بعض أعضاء المجلس وآخرين.. مثل جمال وعلاء مبارك بصفتيهما الشخصية وجمال مبارك وحده بصفته مسئولا عن صندوق حورس للاستثمار وهو صندوق تشارك فيه هيرميس.
وحسب آخر المعلومات فإن علاء وجمال مبارك دفعا 170 ألف دولار و180 ألف استرلينى قيمة ما كسباه فى هذه العملية ولكن ذلك لم يمنع النيابة من إحالتهما إلى المحكمة فخرجا من قضية فيللات شرم الشيخ ليدخلا فى قضية البنك الوطنى المصرى
6 _مرافقو مبارك خلعوا السماعة من أذنيه ساعة النطق بالحكم حتى لا ينهار
عاد جمال وعلاء إلى محبسهما الاحتياطى فى سجن مزرعة طرة ليظلا بملابسهما البيضاء.. أما والدهما فقد نقل من المحكمة إلى مستشفى السجن فى السجن نفسه.
لقد خلع مرافقو مبارك (وعلى رأسهم سكرتيره الخاص مصطفى شاهين) السماعة من أذنيه قبل النطق بالحكم حتى لا يسمع إدانته بنفسه.. وعندما وصل إلى سجن طرة سأل: «إحنا هنا ليه؟ ».. فأخبروه بالحكم الذى صدر.
ويبدو أنه كان يشعر بأنه سيدان فى القضية فقال لحلاقه الخاص محمود لبيب: « يمكن دى آخر مرة اشوفك فيها يا محمود».. وربما لهذا السبب كانت صبغة الشعر كثيفة أكثر من المعتاد.
وكان مبارك قد قال بصوت مرتفع سمعه كل من كانوا حوله فى جناحه بالمركز الطبى قبل الذهاب إلى المحكمة: «باعونى للإخوان».. لكنه.. لم يفصح عن من الذين باعوه.
وقد أجمعت كل المصادر على أن مبارك رفض النزول من الطائرة ودخول مستشفى طرة.. لكنها اختلفت فيمن اقنعه بالمثول للأمر الواقع.. والحقيقة أن قائد السجن هو الذى أقنعه بذلك عندما قال له: إن من الممكن أن يتقدم إلى المحكمة بطلب لعلاجه على نفقته الخاصة خارج السجن.. وأضاف: إن هذا الطلب يمكن أيضا أن يستجاب إليه بشكل سريع.. لكن.. ذلك لم يمنع مبارك من القول إنه خدم البلد كثيرا وأن الأيام ستثبت ذلك.. وأنه لا يستحق ما جرى له هو وعائلته.. ثم لزم الصمت ولم ينطق بكلمة واحدة.. ولم يستجب للكلام الذى قاله كل من كان حوله.
وربما لا يعرف أحد أن مبارك قبل أن يجبر على ترك السلطة أصدر قرارا جمهوريا يمنح فيه الرئيس السابق حقوق السكن والحراسة والإعاشة والعلاج على نفقة الدولة فى الداخل والخارج.. وما يلفت النظر أن هذه الحقوق لا يتمتع بها الرئيس وهو فى السلطة.. فكل ما يحصل عليه حسب القانون هو راتبه فقط.. أما الإنفاق عليه وعلى عائلته فهو أمر ودى جرى العرف عليه منذ حكم جمال عبد الناصر.. وما يثير الدهشة أن الجهاز المركزى للمحاسبات استيقظ متأخرا.. واعتبر أن إنفاق مؤسسة الرئاسة على سفريات زوجة الرئيس يعد إهدارا للمال العام.. وقدم بلاغا بذلك للنائب العام منذ شهور قليلة.
كانت إدارة السجن منذ ثلاثة أشهر قد قامت بتجهيز مستشفاه بأحدث الأجهزة الطبية التى كانت غير متوفرة داخل غرفة الرعاية المركزة.. وقد تم شراء هذه الأجهزة لتلائم الحالة الصحية لمبارك.. وربما لتكون على نفس مستوى المركز الطبى العالمى.
ويتكون مستشفى السجن من طابق واحد.. يمتد على مساحة 300 متر مربع.. وتحيط به الأشجار والحشائش من الخارج.. ولا توجد به سوى غرفة واحدة للرعاية.. بجانب عدد من العيادات الطبية وغرفة أشعة ومعمل للتحاليل الطبية.
وكان فى المستشفى 4 أطباء فقط.. أضيف إليهم ستة أطباء آخرين.. انتدب خمسة منهم من مستشفيات أخرى تابعة للسجون.. وجاء السادس من مستشفى قصر العينى.. ليتكون منهم الفريق الطبى المسئول عن مبارك.
لقد ارتفع عدد الأطباء فى وحدة الرعاية المركزة من واحد إلى ثلاثة.. ولم يكن هناك طبيب قلب واحد فأصبح العدد ثلاثة.. بجانب أربعة أطباء فى تخصصات مختلفة.
وتضم الرعاية المركزة ثلاثة أسرة.. جرى تغييرها تماما.. ووضع عليها فرش جديد أيضا.. وأعيد تبليط الأرضية.. وزيادة فتحات الغرفة.
وعادة ما يكون العمل فى العيادات الخاصة بمستشفى السجن الذى يرقد فيه مبارك من الساعة الثامنة صباحا ويستمر حتى الثانية ظهرا.. ومن المفروض أن تستقبل كل مسجون يشكو من ألم طارئ.. لكن بعد دخول مبارك ستتحول هذه الحالات إلى مستشفيات أخرى فى السجن نفسه.. وعددها 3 مستشفيات أخرى غير مستشفى المزرعة.
ويبعد جمال وعلاء عن المكان الذى يرقد فيه مبارك بمسافة ليست قريبة.. وقد شوهد جمال بعد الحكم ببراءته وقد ارتفعت حالته المعنوية.. على عكس علاء الذى بدا حزينا على الحكم بالمؤبد على والده.. وما أحزنه أكثر هو نقله من المركز الطبى العالمى.. والمؤكد أن جمال حاول من قبل الانتحار بتناول أقراص يعالج بها وإن أنقذوه فى الوقت المناسب.
وحسب لائحة السجون فإن جمال وعلاء يمكن أن يكونا بالقرب من والدهما طبقا لقاعدة لم الشمل.
وقد تضاعفت الحراسة على المستشفى وخارج السجن.. خاصة أن المستشفى يطل على طريق اتوستراد المعادى.
وليس صحيحا أن مبارك ارتدى البدلة الزرقاء لحظة صرفها له.. كما لم يتم تصويره فورا.. وإن أخذ رقما وضع على فراشه.
وليس صحيحا أن مبارك أصيب بأزمة قلبية وهو فى الطائرة.. ولم يصب بانهيار عصبى.. ولم يسب أحدًا.. لكن المؤكد أن إدارة السجن رفضت بقاء الحراسة الخاصة معه.
وأول ما نطق به مبارك بعد أن استقر نفسيا فى مستشفى السجن هو طلب مسئول القسم ليعرف منه تعليمات السجن بالضبط.. وهل له الحق فى استخدام التليفون المحمول؟ وكيف يجرى اتصالاته الشخصية؟
وأبدى مبارك عدم ارتياحه للتكييف نهائيا وطلب عدم استعماله لكن الأطباء أخبروه بأنهم لا يستطيعون إيقاف التكييف فى غرفة الرعاية للحفاظ على كفاءة تشغيل الأجهزة الطبية.. وإن أخبروه بتخفيف شدة التكييف.
والمؤكد أن جمال وعلاء رافقاه بالمناوبة عليه يوميا.. فكان اليوم الأول برفقه علاء لمدة 24 ساعة.. ليأتى جمال فى اليوم التالى.. ووافقت إدارة السجن على ذلك.
ويأكل مبارك كل الأطعمة وليس هناك ما يحرمه الأطباء منه.. والطعام يأتى من بيت محمود الجمال حما -جمال- فى أوعية خاصة لحمايته وهم يخشون طعام الفنادق خوفا على حياتهم.
والمؤكد أن الوزراء السابقين فى السجن يشعرون بقلق وخوف شديدين بسبب وصول مبارك فهم لا يعرفون كيف ستتطور الأمور بالنسبة إليهم خاصة أن الرقابة ستكون أشد.. والعيون ستكون أكثر اتساعا عليهم.
7 _لو حوكم مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية فإنها ستدينه بالحكم نفسه
وفور صدور الحكم بإدانة مبارك والعادلى سارعت جماعات هائلة إلى ميدان التحرير وميادين أخرى شهدت الاحتجاجات الأولى للثورة.
تساءل الغاضبون عن إهدار دماء الشهداء.. فالفاعل سيظل على ما يبدو مجهولا.. وربما نالت الصدور المحترقة بعضا من التشفى لو أن كبار ضباط الشرطة المتهمين نالوا عقابا ولو مشابها لرئيسهم.. وزير الداخلية الأسبق.. ويمكن القول إن مبارك حظى ببعض التعاطف لكبر سنه.. فالغيظ الأشد كان من ابنه ووريثه الذى لو نال عقابا لتضاعف الشعور بالتشفى.
لكن.. ذلك لا يمنع أن الرموز السياسية التى نزلت ميدان التحرير ولو لعدة دقائق استغلت الحكم لصالحها.. فمحمد مرسى تصور أنها فرصته الذهبية لشن هجوم مكثف على منافسه فى الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق الذى كانت تربطه بمبارك علاقات متينة.. وإن أخطأ محمد مرسى عندما وعد بإعادة محاكمة مبارك.. فما هى صلاحيته لو أصبح رئيسا فى التدخل فى أعمال القضاء؟
ومن جانبه نزل حمدين صباحى الميدان كى يؤكد تفاعله مع الثوار الذين صوتوا له فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.. بينما أراد عبد المنعم أبو الفتوح أن يغطى هزيمته فى هذه الجولة.
وقفز على السطح اقتراح آخر بتحويل مبارك ورجاله إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.. ويكفى للتدليل على ذلك سقوط 800 شهيد فى مظاهرات الثورة.. لكن.. ذلك يشترط توقيع مصر على اتفاقية المحكمة.. وهو أمر سهل يمكن لمجلس الشعب أن ينفذه فورا.. على أن الحكم فى النهاية سيكون المؤبد.. وهو الحكم الذى ناله مبارك.. فليس الإعدام من أحكام هذه المحكمة.
وطرح الميدان فكرة تأجيل الانتخابات أو إلغائها وهى فكرة يصعب على السلطة العسكرية المؤقتة التى تدير شئون البلاد قبولها.. كما أن المتنافسين على الجولة الأخيرة من الانتخابات لم يقبلا بها.
وطرح الميدان أيضا فكرة تشكيل مجلس رئاسى وهو ما رفضه المرشح الإخوانى.. فهو يريد أن يحكم ولو تعارض ذلك مع رغبات ملايين من الغاضبين.. فالأهم عند الجماعة الوصول إلى الحكم مهما كان الثمن.
8 _تفسير قانونى يؤيد سلامة قرار لجنة الانتخابات الرئاسية ببقاء أحمد شفيق
وارتفع من جديد طلب إخراج أحمد شفيق من السباق الرئاسى بدعوى تطبيق قانون العزل السياسى عليه.. والمعروف أن القانون صدر من مجلس الشعب وصدق عليه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأصبح ساريا.. لكن.. اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لم تأخذ به.. ووافقت على دخول أحمد شفيق الانتخابات بعد أن طعن أمامها على رفضها له فى البداية.
وحسب العرف القضائى يظل القانون نافذا ولو طعن عليه أمام المحكمة الدستورية.. ولا يوقف العمل به قبل أن تفصل المحكمة الدستورية فى سلامته.. ومن ثم يبدو مستغربا أن تقبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ببقاء أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية والمحكمة الدستورية لم تقض بعدم دستورية قانون العزل السياسى.
لكن.. هناك تفسيرًا قانونيًا لافتًا للنظر لم ينتبه إليه العديد من فقهاء القانون.. يشرحه المستشار فتحى رجب قائلا:
الوصول إلى المحكمة الدستورية يبدأ عادة عندما يدفع متهم أمام قاض يحاكمه بعدم دستورية القانون الذى يحاكم به.. وللقاضى فى هذه الحالة أن يقبل الدفع ويوقف سير الدعوى ويسمح للمتهم باللجوء إلى المحكمة الدستورية خلال مدة معينة لتقضى بدستورية القانون أو عدم دستوريته.
لكن.. هناك فى الحقيقة طريقاً آخر هو ما يعرف بالرقابة الدستورية على القوانين.. وبموجب ذلك تستطيع أى محكمة أو هيئة قضائية إذا ما أثير أمامها دفع بعدم دستورية قانون ما أن تمتنع عن تطبيقه إذا وجدت أنه يتعارض مع الدستور.. والفارق هنا بين رقابة الامتناع التى تأخذ بها المحاكم العادية ورقابة المحكمة الدستورية هو أن رقابة الامتناع تقتصر على الحالة المعروضة فقط.. أما رقابة المحكمة الدستورية فهى رقابة إلغاء.. أى تلغى القانون.. فلا تأخذ به كل المحاكم.
الامتناع عن التطبيق لا يلزم سوى المحكمة التى أهملته بينما رقابة الدستورية تلزم جميع جهات الدولة بما فيها الجهات القضائية.
وسند ذلك المادة (49) من القانون (48) لسنة (1979) وأحكام محكمة النقض فى هذا الشأن عديدة.. منها نقض 28 أبريل 2004 (طعن رقم 30342 سنة 70 قضائية) ونقض 15 فبراير 1995 (طعن رقم 3294 سنة 63 قضائية) ونقض 22 يوليو 1998 (طعن رقم 22064 سنة 63 قضائية).
ولما كانت المادة (28) من الإعلان الدستورى وهى من المواد التى استفتى عليها الشعب قد اعتبرت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية هيئة قضائية وشكلتها من كبار رجال القضاء وحصنت قراراتها فإن قبلت بطعن أحمد شفيق وتصدت له وقضت بحقه فى دخوله الانتخابات بناء على قناعتها بعدم دستورية قانون العزل السياسى طبقا لقاعدة الامتناع ولو لم تفصل المحكمة الدستورية.
ولا تعليق على هذا التفسير سوى أن بحور القانون أعمق بكثير من قدرة غالبية فقهائه على السباحة.
لاحظت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن المتهمين فى القفص أجابوا بكلمة «أفندم» عندما نادت المحكمة عليهم إثباتًا لحضورهم إلا مبارك الذى قال «موجود».. واعتبرت الصحيفة هذه الإجابة تعبيرا عن استياء مبارك مما يجرى له.. وهى إجابة لم يشأ رئيس المحكمة الوقوف عندها حتى لا يؤثر على سير الجلسة.
وأضافت الصحيفة أن المستشار أحمد رفعت ظل طوال الأيام السابقة على الحكم حبيس منزله وأغلق تليفوناته كى يصل إلى حكمه ويصيغ حيثياته دون أن يتأثر بأحد.
وقالت الصحيفة: إن الأقدار لعبت لعبتها مع مبارك فبعد أن تولى السلطة فور اغتيال الإسلاميين لسلفه أنور السادات وتعامل معهم بيد من حديد أصبح المرشح الإسلامى قريبا من القصر الرئاسى بينما سيظل مبارك فى السجن حتى يومه الأخير.
واعتبرت الصحيفة الحكم نوعا من التوازن.. فقد ضحى بمبارك مقابل تبرئة ولديه.. وإن لم يحدد فى النهاية من قتل المتظاهرين.
ووضع الحكم مصر فى خانة الدول المتحضرة.. فلم يعدم مبارك كما فعل العراقيون مع صدام حسين.. ولم يقتص المصريون من حاكمهم السابق كما حاول اليمنيون مع عبد الله صالح.. ولم يذبحوه كما حدث مع معمر القذافى فى ليبيا.. لكن.. هذه المشاهد فى النهاية تؤكد أن حكاما آخرين فى المنطقة يعيشون فى رعب خوفا من أن تطولهم عاصفة الربيع العربى.. كما أن هذه المشاهد هى رسالة إنذار إلى مرشحى الرئاسة فى جولة الإعادة ملخصها: «لا تحلموا بدولة ديكتاتورية أخرى».. فالشباب المحبط لكم بالمرصاد.
وتساءلت الصحيفة: هل الحكم الصادر ضد مبارك قلل من فرص أحمد شفيق فى انتخابات الإعادة؟.. وأجابت: إن من المتوقع أن تهدأ النفوس قبل جولة الإعادة.. وفى الوقت نفسه تزايدت رغبات قطاعات عريضة من الشعب فى رفض تكويش الإخوان على الرئاسة والبرلمان وباقى مؤسسات الدولة. ومن المنظور الإسرائيلى يعتبر الحكم نهاية عصر.. فقد كان من الصعب رؤيته وهو مستلقى على ظهره فوق ناقلة طبية.. عجوزا.. ذليلا.. شاردا.. متسلحا بنظارة شمسية أخفت الكثير من ملامح وجهه.
وحسب ما ذكر تسيفى مازنيل سفير إسرائيل الأسبق فى القاهرة فإن الحكم حاول إرضاء الشارع الغاضب.. وفى الوقت نفسه فإن رغبة المصريين فى بناء دولة ديمقراطية حديثة.. يعرقلها الخوف من العودة إلى عصور الظلام التى تسعى جماعة الإخوان لفرضها.
لكن.. على جانب آخر توقع خبراء إسرائيليون أن الحكم على مبارك سيشعل نار الحرب الأهلية فى مصر بعد اتساع دائرة العنف.. فالدكتور موطى كيدار خبير شئون الشرق الأوسط فى جامعة برايلان العبرية يصر على أن مصر لن تشهد حالة من الهدوء بل ستزداد احتراقا.. ويسانده فى هذا الرأى البروفيسور يورام طال رئيس مركز حاييم هيرتزوج لشئون الشرق الأوسط فى جامعة بن جوريون الذى يعتبر الحكم ببراءة مساعدى حبيب العادلى مرحلة جديدة من الثورة المصرية.. خاصة أنها ليست المرة الأولى التى يفرج فيها عن ضباط شرطة اتهموا بقتل المتظاهرين.
وتوقع عضو الكنيست صديق مبارك بنيامين بن إليعازر ألا يصمد مبارك كثيرا فى السجن.. « سيموت قريبا بسبب سرطان البنكرياس الذى أصابه بجانب تدهور حالته النفسية».
ووصف أيوب قرا الوزير السابق والنائب فى الكنيست الحكم بأنه صفعة على وجه الولايات المتحدة التى تخلت عن مبارك أعز أصدقائها.
وفتحت براءة حسين سالم من تهمة الفساد الباب فى إسرائيل للتكهن بإعادة التفاوض حول تصدير الغاز إليها من جديد.. وطالب نمرود نوفيك النائب السابق لشركة مرحاف بأن تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على مصر لتعيد استئناف ضخ الغاز مرة أخرى إلى إسرائيل.. وقال: إن إسرائيل يمكن أن تلوح بورقة العقوبات الدولية ضد خرق المعاهدات والعقود.. كما يمكنها تهديد مصر بتجميد عضويتها فى اتفاقية التجارة الحرة حتى تعيد الغاز إلى إسرائيل.
لقد كانت تداعيات حكم مبارك فى الداخل والخارج أكبر وأعقد وأخطر بكثير مما تصورنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.