لا يمكن قراءة المشهد السياسي- الأمني في البحرين، عقب التطورات الأخيرة التي صاحبت توقيف زعيم جمعية الوفاق الشيعية الشيخ علي سلمان وما تبع ذلك من أعمال فوضى في الشارع البحريني في ظل هجمة متوحشة على المملكة، لا يمكن قراءة ذلك بمعزل عما يدور في المنطقة العربية بأسرها، من أعمال لها ارتباط بشكل أو آخر بالأزمة الطائفية التي باتت تشكل وترسم السياسات العامة للعديد من الدول والكيانات القوية بالمنطقة. فيبدو أن ثمة عوامل عديدة باتت المعارضة الشيعية في البحرين قادرة على استغلالها جيدا لمحاولة تمرير مخططها في عودة المشهد البحريني لنقطة الصفر مرة أخرى، بعد هزيمتهم الأخيرة في الانتخابات البلدية والبرلمانية واستمرار الحكومة في خطواتها الإصلاحية، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، حيث تلعب المعارضة اليوم على عدد من الأوراق في تصعيدها الأخير بالشارع البحريني. وتتمثل أولى هذه الأوراق في بقاء نظام بشار الأسد في سوريا وهيمنة الحكومة التي يقودها الشيعة في العراق، وهو ما عزز من موقف إيران في المنطقة، التي دعمت منذ البداية الرئيس بشار الأسد، حليفها القوي في المنطقة، لينتهي ما يعرف بحقبة الربيع العربي دون سقوط أي ورقة من أوراق إيران في المنطة، بل على العكس تكتسب الجمهورية الإسلامية يوما وراء الآخر أوراقا جديدة في المنطقة، لتصبح البحرين هي الدولة الوحيدة التي استعصت على السيادة الإيرانية، وهو ما جعل الأذرع الشيعية في المنطقة تتسلم خبر توقيف الشيخ على سلمان، بالشجب والإدانة وكأن كل ما يحدث بالمنطقة لا يشغلهم، عدا توقيف الزعيم الشيعي، حيث خرجت موجة من ردرود الفعل الرسمية من قبل القوى الشيعية في المنطقة وخارجها الرافضة لموقف الحكومة البحرينية من زعيم المعارضة، صاحبها حملة شنعاء على الحكومة البحرينية، تدور حول اتهامات تتعلق بإثارة الفتنة الطائفية وترهيب الشخصيات الوطنية والدينية، حيث أدان حزب الله المداهمات، واصفًا إياها بالجريمة التي تعكس انتهاك القوانين والأعراف التي تحمي كرامة وحقوق الشعب البحريني، وصاحب ذلك تظاهرات قام بها عدد من أنصار مقتدى الصدر في العراق، ورددوا هتافات مناوئة أمام السفارة البحرينية في بغداد، بينما أصدرت رابطة علماء الدين بيانًا قالت فيه إن الشيخ قاسم ليس فقط شخصية بحرينية، ولكنه يحتل مكانة في قلب كل مؤمن في جميع أنحاء الدول الإسلامية. أما الورقة الثانية التي تلعب عليها المعارضة في البحرين بدعم من إيران، فهو صعود الجماعات الجهادية السنية، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق "داعش"، ونجاح الإرهاب "السني" في عدد من البلاد العربية مثل مصر والسعودية والبحرين، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على السنة في المنطقة، ودفع الأصوات الشيعية إلى رفع صوتها مجددا في ظل حصار الرأي العام العالمي للمذهب السني الذي أصبح في نظر العالم مسيئا لأتباعه، بالنظر إلى ما يفعله تنظيم "داعش" من أعمال إجرامية وغير إنسانية في العراق، الأمر الذي مثل توقيتا جيدا لبدء تحرك الأذرع الشيعية في المنطقة، للمطالبة بتقديم الشيعة في المنطقة باعتبارهم بلا أخطاء كما يروج لهم، بل إن الأخطر من هذا هو ان إيران بدأت تتعامل مع وجود داعش كما لو أنها معركتها هي وليست معركة العراقوسوريا، فمنذ اجتياح داعش لمناطق شمال العراق في يونيو/حزيران الماضي، ساعدت طهران الحكومة العراقية الشيعية لمواجهة خطر المليشيات السنية، وسافر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى بغداد منذ بداية الأزمة من أجل تنسيق خطط الدفاع عن العاصمة مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في العراق. أم الورقة الثالثة فكانت الإنفراجة في العلاقات الأمريكيةالإيرانية، بعد الاتجاه إلى حل الملف النووي الإيراني سلميا بما لايقلق الغرب، لاسيما مع وجود رئيس إصلاحي في سدة الحكم الإيراني، حيث بدأت الولاياتالمتحدة تفقد حلفائها في دول الخليج ومصر، لصالح زعامات جديدة بدأت في التواجد بقوة بالمنطقة العربية، وعلى رأسها الصين وروسيا، وهو ما يجعل من إيران الحليف الوحيد القوي في المنطقة الذي تنتظره واشنطن، حيث عملت الأخيرة على لفت الأعين إلى الشيعة المستضعفين في المنطقة (بحسب الترويج الإيراني الأمريكي)، حيث باتت الجهات الإقليمية الفاعلة تنظر إلى الشيعة باعتبارهم القوة التي يجب الاعتراف بها واستيعابها، لا سيما في ظل سقوط الإخوان المسلمين، كقوة سنية، من حسابات العالم والولاياتالمتحدةالأمريكية. من كل هذا يمكن القول أن البحرين تخوض الآن معركة بالإنابة عن كل العرب والعالم السني، وفي ظل العوامل والتحديات المشار إليها سابقا، وهو ما يستوجب بالضرورة على الحكومات العربية عقد اجتماع أمني عال المستوى على مستوى الرؤساء والأمراء والملوك، لمجابهة المخاطر الجديدة في المنطقة، فما يحدث الآن في المنطقة من ترك البحرين تواجه معركة ليست هي صاحبتها وحدها لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من القلق في المنطقة الملتهبة.