أعلنت إيران السبت الماضي، رفضها لبيان دول مجلس التعاون الخليجي حول قضية الجزر الثلاث، الذي أكد أنها أراض إماراتية والصادر خلال الاجتماع 133 لوزراء خارجية المجلس. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، «مرضية أفخم»، أن الجزر الثلاث «أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية»، مشيرة إلى أن «ترديد المزاعم لا يغير الحقائق التاريخية» وأفادت أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تقيم علاقاتها مع جيرانها على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، حيث يمثل ذلك أولوية دبلوماسيتها، كما أنها لا تضع قيودا على تطوير وترسيخ علاقات الصداقة فضلا عن ترحيبها بالتعامل البناء والتعاون الواسع والشامل" وبالطبع هذا السلوك الإيراني متكرر في كل مناسبة وكل حدث، وليس بجديد على تلك الدولة الخارجة على منظومة القيم والأعراف الدولية والتي تأتي بتصريحات خيالية ومزاعم باطلة تؤكد أن هذه الدولة ومسئوليها يعيشون عالمًا غير العالم، وواقعًا غير الواقع الذي يكاد يشتكي كل لحظة جراء التوتر والمعاناة التي تتسبب فيها السياسات والمواقف الإيرانية في كل البقاع التي تظهر فيها الأيادي الإيرانية سواء الظاهرة أو الخفية . الغريب أن إيران تعتبر مثل هذه البيانات الصادرة عن دول المجلس التعاون الخليجي تدخلاً في شئونها الداخلية رغم أنها تختص بالأساس وتتحدث عن دولة عضو ضمن منظومة دول المجلس، في الوقت الذي تنأى فيه بنفسها عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الخليجية رغم تصريحاتها شبه اليومية على تفاصيل وأحداث المشاهد والتطورات الأمنية والسياسية في الدول الخليجية . إيران تصر على وضع العراقيل أمام تطبيع العلاقات مع دول الخليج بل والدول العربية بصفة عامة، ومن بين أهم تلك العراقيل استمرارها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التي تملك الإمارات وثائق ملكيتها بينما تخضع لسيطرة إيران منذ العام 1971، في الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات لدى العديد من المنظمات والهيئات الدولية والدول العربية، من خلال مبادرات عديدة للاعتراف بأحقيتها في الجزر ، إلا أن كل مساعيها سواء للوساطة أو للتحكيم تواجه بالرفض من قبل الجانب الإيراني وهو ما يؤكد ضعف حجتها وضعف موقفها وعنجهيتها واستقوائها على جيرانها . في السادس والعشرين من شهر أبريل الماضي، أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأميرال علي فدوى عن نشر بلاده لألوية من مشاة البحرية في الجزر الإماراتية الثلاث، والتي تحتلها إيران منذ عام 1971 وهي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وقال فدوي في مقابلة تلفزيونية أن "هذه الخطوة تأتي بسبب موقع وأهمية هذه الجزر في الدفاع والهجوم بالنسبة لإيران". واعتبر فدوي الحديث عن الجزر الثلاث من قبل الإمارات ومجلس التعاون الخليجي "أمرا مرفوضا تقف وراءه الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا". وجاءت هذه التصريحات، بعد زيارة استفزازية قام بها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى في الحادي عشر من الشهر نفسه، وقبل ذلك كان قادة عسكريون إيرانيون قد هدّدوا بوقف الملاحة الدوليّة في مضيق هرمز، واعتبروا ذلك عملية سهلة مثل "شربة ماء"، كما هدّدوا بتوجيه ضربات لمنابع النفط في بلدان الخليج العربي المجاورة، في حال تعرّض المصالح الإيرانية للخطر. والواضح أن هذا الاستقواء الإيراني في منطقة الخليج العربي يعكس في جانب منه تيه وفخر إيراني واستعراض للقوة واستغلال لمعطيات البيئة الإقليمية والدولية، كما إنه محاولة للتغطية وإبعاد الأنظار عن جوانب ضعف ومشكلات داخلية كثيرة. فقد أظهرت الدولة الإيرانية براعة في استغلال الظرف الإقليمي والدولي الراهن وحاولت قدر استطاعتها تطويع أو الاستفادة من التغيرات والاضطرابات الحاصلة في المنطقة العربية، حيث قامت بتوجيه سياساتها وإعلامها وتحريك اتباعها في هذه الدول من أجل خلق حالة من الفوضى في تلك الدول إلى أطول فترة ممكنة؛ وكذلك لتوتير الأجواء بين الدول العربية من أجل إضعافها جميعا. وبعيدًا عن التهديدات الإسرائيلية بشن حرب ضد إيران وتصريحات القادة الإسرائيليين التي شغلت اهتمام الكثيرين، تعلم طهران جيدًا أنها بعيدة عن تلك الحرب وأن تلك التصريحات تأتي ضمن اتفاق ضمني بين ما يمكن تسميته محور الشر الجديد والمكون من أمريكا–إيران –إسرائيل وهو اتفاق على تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية وجغرافية، وفقًا لمقتضيات كل دولة وهو الأمر الذي حصل بالفعل في السودان بتقسيمه إلى دولتين وعلى وشك الحدوث في كل من ليبيا والعراق ومن غير المستبعد أن يحدث في كل من مصر وسوريا واليمن . تعلم إيران جيدًا أنها باتت ركيزة اساسية لتحقيق الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط والتي تسعى واشنطن لتحقيقها منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عام 2005، وقد وجدت الدول الثلاث الفرصة مهيأة تمامًا بعد ما حدث من تغيرات جذرية في الكثير من الدول العربية، بدءً بتونس مرورًا بمصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، فانقضت واشنطن وحليفتها الدائمة إسرائيل والمرحلية إيران لاستغلال هذه التغيرات -إن لم تكن شاركت في حدوثها بالفعل – لتقسيم العالم العربي لدويلات صغيرة يسهل التحكم فيها وبما يحول دون ظهور قوة عربية يمكن تشكل تهديدًا ولو مؤقتًا أو جزئيًا.